الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
مراقباتمعاني الصبروَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ

العدد 1643 16 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 19 تشرين الثاني 2024 م

التعبويُّ لا يُهزَم

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع تلامذة المدارس وطلّاب الجامعاتكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادةالصبر ونجاح المسيرة فضل الدعاء وآدابه

العدد 1642 09 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 12 تشرين الثاني 2024 م

جهاد المرأة ودورها في الأحداث والوقائع

مراقبات
من نحن

 
 

 

التصنيفات
ورشة علم الكلام الجديد
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

تحميل

محاضرات حول علم الكلام الجديد

دليـل الورشـة

تم تقسيم هذه الورشة إلى تسعة عناوين رئيسية، يندرج تحت كل منها مجموعة من العناوين الفرعية سيتم استعراضها في الورشة وفق التالي:

1- في علم الكلام
-تعريف علم الكلام
-موضوع علم الكلام
-ما هي أصول الدين
-الغاية من هذا العلم
-واضع هذا العلم
-بين علم الكلام وفلسفة الدين
-سبب تسميته بعلم الكلام
-أبرز مسائل علم الكلام

2 - ملاك التجدد في علم الكلام
-هل يوجد لدينا كلام قديم وكلام جديد تعريفات هامة؟
-الثابت والمتغير في الإسلام.
-مناقشة وتحليل.

3 - تغير الدين أم تغير المعرفة الدينية
-كيف يمكن للإسلام أن يواكب التطورات الفكرية في كل عصر؟
-العناصر المرنة في الإسلام.

4 - أوجه التجدد في علم الكلام (1)
-طبيعة التجدد الذي طرأ على علم الكلام حتى تولَّد ما يسمى بعلم الكلام الجديد.
-التغير في بعض الأضلاع الهندسية لعلم الكلام.
-التغير في الموضوع والمبادئ.

5 - أوجه التجدد في علم الكلام (2)
-التغير الذي أصاب مسائل علم الكلام.
-الفرق بين مسائل علم الكلام القديم ومسائل علم الكلام الجديد.
-المحاور التي تدور حولها مسائل علم الكلام الجديد.

6 - أوجه التجدد في علم الكلام (3)
-المنهج في اللغة وفي المصطلح.
-المناهج المتبعة في مختلف العلوم.
-هل حصل تغير ما في منهج علم الكلام؟
-ما هو المنهج العام الذي يوصلنا إلى الحق؟

7 - أوجه التجدد في علم الكلام (4)
-دور اللغة في العلم.
-المراد من التجدد في اللغة المستعملة في علم الكلام.
-هل التجدد في اللغة يؤدي إلى تجدد علم الكلام؟
-الدواعي الإضافية التي دعت إلى تجديد علم الكلام.

8 - علم الكلام الجديد
-نشأة علم الكلام الجديد.
-ظهور علم الكلام الجديد.
-علم الكلام الجديد عند الشيعة.
-سبب تسميته بعلم الكلام الجديد.
-موضوع علم الكلام الجديد وتعريفه.

9- تطبيقات ( الله والإنسان )
-العلاقة بين الله والإنسان.
-رد الشبهة القائلة بأن الناسوت يؤسس اللاهوت.
-كيفية الاستفادة من لغة العصر في مواجهة الشبهة.
-المنهج الذي اتبعناه في رد الشبهة.

أهـداف الورشـة

الهدف العام

يتوقع مع نهاية هذه الورشة أن يكون المشارك قادراً على

-تكوين صورة عن علم الكلام الجديد وكيفية نشوئه.
-تحديد المسائل التي يتناولها هذا العلم وكيفية معالجتها.

المحاضرة الأولى: في علم الكلام

الغرض من المحاضرة: تقديم نبذة عن علم الكلام كتمهيد للدخول في الحديث عن علم الكلام الجديد.

أسئلة تمهيدية :
ما هو تعريف علم الكلام؟
ما هو الموضوع المحوري الذي تدور حوله مسائل علم الكلام؟
ما هي الغاية من وضع هذا العلم؟ وهل له واضع محدد؟
لماذا سمي بعلم الكلام؟ وما هي ابرز مسائله؟
ما الفرق بين علم الكلام وفلسفة الدين؟

لا يتمكن الباحث من تشخيص نقاط القصور في علم ما، ووضع اليد على مواضع الحاجة فيه إلى التجديد، إلا إذا كان ملماً بهذا العلم من جميع جوانبه، وأهمها تعريفه وموضوعه وغايته ومسائله ومناهجه وكبار رجالاته فضلاً عن تاريخه ومسيرة تطوره، لهذا أجدني مضطراً أن أقدم بين يدي البحث عن علم الكلام الجديد مقدمة موجزة أعرض فيها شيئاً من هذه الأمور.

تعريف علم الكلام

لم يكن القدماء من علماء الكلام يولون تعريفه أهمية تذكر، وذلك اعتماداً على وضوح مفهومه عندهم، وعدم جريان عادتهم في تلك الفترة على التقيد بما يلتزم به أرباب العلوم عادةً من أسسٍ في تدوين العلوم وتمييزها عن بعضها البعض، وذلك بتحديد ما يعرف في علم الميزان بالرؤوس الثمانية، والتي أهمها التعريف والموضوع والغاية والواضع. ولكن العلماء الذين جاءوا لاحقاً التفتوا إلى ذلك ووضعوا تعريفاً لعلم الكلام، إلا أنهم اختلفوا فيه اختلافاً واسعاً يخرجنا استقصاؤه عن موضوع الدراسة، لذا نكتفي باستعراض ثلاثة تعريفات أساسية لتتضح لنا معالم الصورة

1- عرَّفه عضد الدين الإيجي (ت 756 هـ) في كتابـه "المواقف" بقوله:هو علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينيـة بإيراد الحجـج ودفـع الشبه1.
2- وعرفه ابن خلدون (ت 808هـ) في مقدمته بقوله: هو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية والرد على المبتدعين المنحرفين في الاعتقادات عن مذهب السلف وأهل السنة2.
3- وعرفه الشريف الجرجاني (ت 816 هـ) في كتابه "التعريفات" بأنه: علم يبحث فيه عن ذات الله تعالى وصفاته وأحوال الممكنات من المبدأ والمعاد على قانون الإسلام3.

ويستفاد من هذه التعريفات أمور أربعة

1- أن علم الكلام يُعنى بالدفاع عن عقائد الإسلام عموماً مقابل البدع والشبهات.
2- أنه يستخدم أسلوب المحاججة الكلامية، فقد يعتمد على أدلة عقلية، وقد تكون أدلته نقلية.
3- أن وظيفته محددة في مجالي إثبات العقائد ونفي الشبهات بالأدلة المشار إليها، وردِّ آراء المبتدعة.
4- أن المنهج المتبع في ذلك هو منهج الجدل على ما تفيده كلمة المحاججة، وهو منهج قائم على إسكات الخصم وإفحامه لا على البرهنة لإثبات الحق وكشف الواقع.

موضوع علم الكلام

ويفهم من التعريفات المتقدمة ومما سيأتي عند الحديث عن نشأته وتسميته أن موضوعه الذي تدور حوله بحوثه كان في البداية مسائل محددة كالجبر والاختيار والقدر وكلام الله تعالى ثم توسع فيما بعد ليشمل كل صفاته عز وجل، ثم شمل لاحقاً مجمل العقائد الإسلامية.

ويمكن الخروج من هذه التعريفات بنتيجة محددة هي
أن الملاك في كون المسألة كلامية أنها من المسائل الاعتقادية التي يبتني عليها الإسلام كدين. وعليه يمكن القول باختصار: إن موضوع علم الكلام هو العقائد، أي ما يعرف بأصول الدين.

ما هي أصول الدين

من الطبيعي أن يكون أصل الشيء ما يقوم عليه ذلك الشيء بحيث ينتفي بانتفائه، وذلك حسب ما يفهم من المعنى اللغوي للأصل. فأصول الدين هي تلك الأركان التي ينتفي الإسلام بانتفائها أو بانتفاء واحد منها.
وبما أن كل فرقة من الفرق الكلامية ترى أن الإسلام يقوم على أسس معينة ثبتت عندها، فقد قامت بإدراج مجموعة عقائد ضمن ما يسمى بأصول الدين. فمثلاً أصول الدين عند المعتزلة خمسة، هي: التوحيد والعدل والوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 4.

وقد درج علماء الكلام الشيعة على عدها خمسة أصول هي: التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد.
قال العلامة الحلي في الباب الحادي عشر:الأمر الثاني في بيان دليل العقل والنقل على وجوب معرفة أصول الدين:أجمع العلماء كافة على وجوب معرفة الله تعالى وصفاته الثبوتية والسلبية وما يصح عليه وما يمتنع عنه والنبوة والإمامة والمعاد 5.وإدخال العدل ضمن أصول الدين لا يختص بالشيعة بل يشاركهم في ذلك المعتزلة أيضاً كما مر، لذلك سمي الطرفان بـ "العدلية" أو " أصحاب العدل " 6.

والشيعة ترى أن الإمامة أصل من أصول الدين لما تراه من توقف الإيمان الحقيقي وهداية الأمة على معرفة الإمام الذي هو القرآن الناطق ومكمِّلٌ لدور النبي صلى الله عليه وآله، بينما يرفض ذلك الآخرون.

وأما المعاد فهو وإن كان مما جاء به النبي صلى الله عليه وآله، وشأنه شأن سائر إخباراته صلى الله عليه وآله، إلا أن له مزيد أهمية من حيث إن الكفار أول ما أنكروا من رسالة النبي هذه المسألة، فكانوا يمتازون بذلك، فصارت علامة الكفر بما جاء به النبي صلى الله عليه وآله. من هنا كانت أصلاً برأسه.

الغاية من هذا العلم
لا ريب أن الهدف والغاية القصوى من علم الكلام هو الدفاع عن الدين من الناحية الفكرية وحفظ العقيدة من شبهات أهل البدع والضلالة.
يقول الإمام أبو حامد الغزالي: وإنما مقصوده (علم الكلام) حفظ عقيدة أهل السنة وحراستها من تشويش أهل البدعة 7.

واضع هذا العلم

لا يوجد واضع محدد لهذا العلم، وإنما نشأ تدريجياً على أيدي جماعة من المفكرين البارزين في نهاية القرن الأول الهجري، ثم تبلورت مباحثه لاحقاً شيئاً فشيئاً على أيدي آخرين حسب التطور الفكري الذي عاشته الأمة.

بين علم الكلام وفلسفة الدين
الفلسفة بقول مطلق تُعنى في كثير من بحوثها بما يُعنى به علم الكلام كمسألة العلة الأولى وصفاتها، ولكن الفيلسوف يبحث دون خلفيات عقائدية، فينظر نظراً عقلياً صرفاً ومتجرداً عن الاستدلال النقلي ليعتقد بما يؤول إليه نظره، والمتكلم يبحث من منطلق خلفية إيمانية مسبقة عن طريق النظر أيضاً، فهو يعتقد أولاً ثم يبحث.

والفلسفات الخاصة لكل منها موضوعها، وأقرب هذه الفلسفات إلى علم الكلام فلسفة الدين، والفرق بينهما بسيط، وهو أن علم الكلام هو دراسة فلسفة الدين من داخل الدين، بينما فلسفة الدين هي دراسته من خارجه. هذا، وبما أن علم الكلام لم يظهر كعلم قائم برأسه إلا فيما بعد وبشكل تدريجي، كان لا بد من إلقاء نظرة تاريخية لتحليل الوضع الذي أدى إلى نشأة وتطور هذا العلم.

سبب تسميته بعلم الكلام
اختلفوا في سبب تسمية هذا العلم بعلم الكلام على أقوال عديدة أوصلها بعضهم إلى ثمانية، ويمكن إرجاع هذه التسمية إلى ثلاثة أسباب أساسية:
1- إن أهم مسألة وقع فيها الخلاف في العصر الأول هي مسألة كلام الله تعالى، وأنه هل كلامه أزلي قائم بذاته ( الكلام النفسي ) أم أنه حادث ككلام البشر. فسمي العلم به بملاحظة أنه عنوان لأهم مسألة.
2- إن هذا العلم مبناه الاعتماد على الكلام الصرف في المناظرات حول العقائد، وأنه لا يرجع إلى عمل، بمعنى أنه لا يعتمد شيئاً من العمل في إثبات مسائله.
3- إن أصحاب هذا العلم تكلموا في أمور سكت عنها السلف، وكانوا يعدون الحديث فيها من المحرمات لأنه يخالف معنى الإسلام الذي هو التسليم بكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله، فكانوا يأخذونها كما هي على إجمالها، كما تقدم عن مالك بن أنس.
روى الشيخ الصدوق ابن بابويه القمي في التوحيد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال:إذا انتهى الكلام إلى الله فأمسكوا 8.
وفي حديث آخر عنه عليه السلام: يهلك أصحاب الكلام، وينجو المسلِّمون. إن المسلِّمين هم النجباء 9.
ولعل هذا السبب هو أوجه الأسباب في تسمية هذا العلم بعلم الكلام وإن كان من الممكن القول: لا مانع من كون هذه الأسباب مجتمعة هي السبب في التسمية.

أبرز مسائل علم الكلام

تعرض المتكلمون في كتبهم التي امتدت من القرن الثالث إلى القرن التاسع الهجري لمسائل تفصيلية كثيرة من غير المجدي استقصاؤها، ويمكن إرجاعها بمجملها إلى ثلاثة عناوين رئيسية، هي

1- الأمور العامة: كالبحث عن الوجود والماهية والإمكان والوجوب والامتناع والعلة والمعلول والوحدة والكثرة وكل ما يدخل ضمن" النعوت الكلية التي تعرض للموجود بما هو موجود".
2- الطبيعيات: كالبحث عن الجسم الطبيعي والتعليمي وبساطته وتركيبه فلكيَّة وأثيرية والقوى الحيوانية والنباتية وغير ذلك مما يرجع إلى الموجود بما هو طبيعي، وقد عُرفت هذه البحوث بـ " الأحكام العارضة على الجسم الطبيعي بما هو واقع في التغير والتبدل".
وهذان العنوانان أي الأمور العامة والطبيعيات لم يكونا ضمن العناوين التي نالت اهتمام المتكلمين الأوائل، وإنما برزا لاحقاً على ضوء التأثر بالنظر الفلسفي كما هو واضح.
3- الإلهيات: وهو البحث عن الله سبحانه وصفاته وذاته وأفعاله.
صحيح أن الوظيفة الأساسية للمتكلمين هي البحث عن الأمر الثالث (الإلهيات) إلا أنهم بحثوا عن الأولين مجاراةً للحكماء كي يستغني المسلمون عن كتب الفلاسفة.
ومن نافلة القول أن الحكماء بحثوا الأمور العامة آنفة الذكر، فأطنبوا فيها، فبلغوا بذلك الغاية، واصطلحوا عليها باسم " الإلهيات بالمعنى الأعم ". فليس ثمة فائدة تذكر في الرجوع إلى المتكلمين فيها، بل يمكن القول ان بحث المتكلمين فيها في مقابل ما جاء به الفلاسفة ضرب من الفضول.
وأما الطبيعيات فقد تولى أمرها علماء الطبيعة منذ عصر النهضة وإلى يومنا هذا، وجاءوا فيها بما لا مزيد عليه، وذلك بفضل أدوات التجربة والاختبار التي أوجدت ضجة كبيرة في هذا المجال، فمن غير المجدي الاعتماد على أقوال المتكلمين فيها.

المحاضرة الثانية: ملاك التجدد في علم الكلام

الغرض من المحاضرة: بيان التغيرات التي طرأت على علم الكلام ما دعا إلى القول بتجدده.

أسئلة تمهيدية :
هل هناك علم كلام جديد وآخر قديم، وما الفرق بينهما؟
هل يمكن التجدد في الإسلام؟ ألا يعد ذلك تغيراً فيه؟
هل في الإسلام ثابت ومتغير، أم كله ثابت؟
ألا يعد حصول التغير في الدين لوناً من النقص فيه؟

ملاك التجدد في علم الكلام:السؤال المطروح اليوم وبشدة في هذا المجال هو: هل يوجد لدينا كلام قديم وكلام جديد؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هو ملاك الجدة فيه؟

فإن قيل: إن التغير قد أصاب المقاصد العامة التي يتحدث عنها العلم القديم، فهذا أمر مرفوض بالكلية في علم الكلام لأن مقاصده الأساسية التي يبحثها ويدافع عنها هي الإسلام، وهو لا يقبل التغير في أصوله ومقاصده الأساسية.

وإن كان الذي تغير هو بعض التفاصيل الناشئة من طرح شبهات جديدة، فهذا لا يستدعي ولادة علم جديد، وبالتالي لا يستدعي الفصل بين العلم الواحد إلى علمين بالقول: هذا قديم، وهذا جديد.

وكذلك الحال فيما إذا كان التغير مجرد طروء مسائل مستجدة لم تكن سابقاً، فزيادة بعض المسائل وتغير مستوى الشبهات حاصلان في كل العلوم، فلماذا لا نجددها أيضاً؟ وما الفرق بينها وبين علم الكلام من هذه الناحية؟

من هنا رفض الكثيرون من علماء الإسلام فكرة " علم الكلام الجديد " على قاعدة أن دواعي التجدد التي يُزعم عروضها على هذا العلم هي عرض عام على جميع العلوم، فكما أن علم أصول الفقه مثلاً،على رغم القفزة التي شهدها مؤخراً، لم يستدعِ طرح علم جديد مكانه ليصبح "علم الأصول الجديد" فكذلك الحال في علم الكلام.

وفي مقابل ذلك يقف آخرون ليؤكدوا أن ما أصاب علم الكلام ليس مجرد تغير أصاب مجمل العلوم الأخرى، وإنما هو عرضٌ خاص به، وذلك انطلاقاً من فكرة أن الإسلام الذي أخذ علم الكلام مسؤولية الدفاع عنه ليس لعصر دون العصور، وإنما هو لكل الأزمنة بما فيها العصر الحديث الذي نعيشه، والذي شهد تطوراً كبيراً في مجمل المجالات الفكرية، فلا بد أن يواكب الإسلام هذه التغيرات والتطورات المستجدة، فيعيد النظر، على ضوء المعطيات العلمية الحديثة، بكثير من العقائد والمفاهيم التي كانت سائدة سابقاً وبأساليب إثباتها وطرق تبيينها ليطرح مكانها ما يتناسب مع الواقع الذي يفرضه التقدم العلمي في كل عصر. وأن الجمود على ما هو قديم ضرب من الرجعية والتخلف لا يتناسب وجوهر الإسلام كدين عالمي خالد.

وهذا ما يقتضي إعادة النظر بمبادئه وأدواته ومناهجه ولغته كمقدمة لذلك. من هنا قد لا يبقى من علم الكلام القديم شيء يستوجب عدم استبداله بعلم آخر. وهذا فرق واضح بينه وبين العلوم الأخرى.

هذا الطرح جعل علماء الكلام التقليدي يصرون على الرؤية المتقدمة، وذلك لأنهم رأوا أن هذا الطرح يدعو في نهاية المطاف إلى تغيير في الإسلام كدين له عقائده ومفاهيمه وفكره، وهذا أمر غير مقبول عندهم بحال، بل نظروا إلى دعاة التجدد نظرة ريب وشك، وربما اتهموهم بمحاولة تغيير الإسلام، والإسلام ثابت لا يتغير.

وهكذا ارتبط موضوع تجديد علم الكلام بفكرة الثبات والتغير في الإسلام نفسه، لا في أدوات الفكر الإسلامي فقط. وبُنيت المسألة على حسم الأمر في هذا النزاع، فعلى فرض عدم وجود إمكان للتغير في بعض نواحي الدين الإسلامي، فإن البحث عن تحديث علم الكلام يكون بلا جدوى، إذ ما الفائدة إذا غيَّرنا الشكل وأبقينا على المضمون! وهل هذا سوى إعادة طلاء لما هو قديم؟ فأين المعاصرة ومماشاة التطور؟

الثابت والمتغير في الإسلام

طرح موضوع الثبات والتغير في الإسلام في الكثير من المحافل الفكرية المعاصرة وفي العديد من المنشورات والكتب، وذلك لما يرتبط بهذا الموضوع من أمور يمكن أن تبنى على النتيجة.

هناك نظريتان في موضوع وجود المتغير في الإسلام وعدم وجوده

النظرية الأولى

وهي تقول: لا يوجد في الإسلام إلا الثوابت، فكل الإسلام ثابت، ولا يقبل التغير، لأنه دين الله الخالد الذي لا يقبل التحريف ولا التغيير، وقد تم تشريعه وانتهى، فلا يقبل الزيادة ولا النقصان فضلاً عن التحريف والتغيير.

وهذا الرأي هو ما يتمسك به العديد من العلماء في حوزة قم وغيرها، ويصرُّون عليه في كتبهم وخطبهم. يقول الشيخ جعفر السبحاني في هذا المجال:إن بعض الكتَّاب الذين يتظاهرون بالإسلام يفسرون تطور الإسلام الزمني بما يؤدي إلى محق أحكام الإسلام والقضاء عليها، فأولئك يزعمون أن التعاليم الإسلامية تدخل تحت أطر ثلاثة:
أولاها: إطار الأصول العقائدية كالتوحيد والنبوة والمعاد.
ثانيها: إطار الأحكام العبادية كالصلاة والصوم وما شاكل.
وثالثها: إطار القوانين التي ترتبط بشؤون الحياة.

فيزعمون أن الثابت من تعاليم الدين ليس إلا ما يدخل تحت الإطار الأول والثاني فقط، وأما ما يرتبط بالإطار الثالث من القوانين الاجتماعية فليست من صميم الدين، وبالإمكان تغييرها وإحلال ما تقتضيه مقتضيات الزمان مكانها في هذه المجالات.

أقول (أي الشيخ السبحاني): القائل بهذه المقالة ممن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، ويريد حصر الإسلام في المسجد لتخلو الساحة الاجتماعية لغيره لكي يلعبوا ما يشاؤون، ويستوردوا القوانين الاجتماعية من هنا وهناك، ويملأوا بها الفراغ، وتكون النتيجة أن مصائر المسلمين يتحكم فيها أعداؤهم، ويضعـون لهم خطوط المسيرة 10.

ويقول الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي في المجال نفسه:وإذا كان هناك بعض المستجدات في بعض جوانبه فهو خاضع لتلك الركائز الثابتة التي أسسها الإسلام وفرغ منها، وهذا إنما يكون في الفروع فقط.

فالخلاصة: المتغير، وإن بدا لنا نحن القاصرين تغيراً ولكنه في واقع الأمر ثبات لأنه نتيجة حتمية لتلك الأسس الثابتة، غاية الأمر أنه لم يكن معلوماً لدينا واليوم عُلم 11.

النظرية الثانية


وهي تقول: هناك ثوابت ومتغيرات في الإسلام، فالثوابت تتجلى في النص قرآناً وسنة. "وهو يعبر عن الثوابت التي تتجاوز المتغيرات التاريخية والجغرافية وترسم الخطوط العامة، إما لتبيين نظام الوجود (الحقائق)، أو لتشريع الأصول التي تجلب السعادة والخير للإنسان الاعتبارات التي تشمل القيم الأخلاقية والتكاليف الدينية والاجتماعية "12.

وبالتالي فإن المتغير هو ما سوى ذلك مما يعد تخصيصاً لتلك الثوابت ناشئاً من الواقع المتغير " بحيث يكون لكل واقعة حكمها المتغير بحسب تغير الموضوع والضرورات المرحلية، أي التكتيكات التي تتكيف مع مستجدات "الزمكان" (الزمان والمكان) ولهذا قالوا: ما من عام إلا وقد خص، ولا يمكن إعمال وصفة واحدة موحدة على كل الحالات" 13.

بل ذهب العلامة السيد محمد حسين فضل الله إلى أن التغير قد يلحق العقائد أيضاً فضلاً عن الفقه، وذلك كموضوع الإمامة مثلاً، فبما أنها ليست من الموضوعات المتفق عليها بين جميع المسلمين قد يحصل فيها تغير، فيقول:هناك ثابت ومتغير في العقيدة، ولكن على النحو التالي:

تنقسم الأمور التي تدور في واقع المسلمين في العقيدة والشريعة إلى قسمين: قسم نظري وقسم ضروري بديهي، وهو قسم لا يناقش المسلمون فيه مع بعضهم لأنهم اتفقوا عليه كالتوحيد والنبوة والمعاد ووجوب الصلاة ووجوب الصوم ووجوب الحج وما إلى ذلك.

وهذه أمور تسمى بالمصطلح "الثابت" … وهناك أمور لم يتفق المسلمون عليها، وجعلوها موضعاً للأخذ والرد، فلكل وجهة نظر تقتنع بها مثل الإمامة وتفاصيل الصلاة وتفاصيل الحج والقبح والحسن العقليين وما إلى ذلك مما اختلف فيه المعتزلة والأشاعرة والسنة والفقهاء مع بعضهم البعض.

هذه بحسب المصطلح يطلق عليها كلمة " النظري" … ويطلق عليها كذلك كلمة " المتحول " …وقد يطلق عليه اسم المتغير أيضاً باعتبار أنه مما يمكن أن يتغير.

ثم سمَّى هذا اللون من المتغير بالمتغير الشأني، فقال: فليست الإمامة متحولاً فعلياً بل هي متحول شأني 14.

وعليه فإن ملاك الثبات والتغير عنده هو اتفاق عموم المسلمين على الفكرة الواحدة وعدمه، وهذا مصطلح قد يبدو بعيداً عما هو المعروف من معنى الثابت والمتغير، ولا يرتبط بالتقدم "الزمكاني" والحضاري، وإنما يرتبط بالمسلمين أنفسهم، نعم، قد تتأثر أفكارهم بالمتغيرات "الزمكانية" فيؤدي ذلك إلى اتفاقهم على ما كانوا قد اختلفوا عليه سابقاً، فيحصل التغير بحسب اصطلاحه متزامناً مع التغير في المعنى المعروف .

مناقشة وتحليل

لا ريب أن أحكاماً جديدة نشأت نتيجة وجود أوضاع وموضوعات جديدة، وقد عدها قوم تغيراً في التشريع الإسلامي، واعتبرها آخرون مصداقاً جديداً من مصاديق التشريع الثابت في الإسلام بما أنها ناشئة من قواعد ثابتة ومحددة مسبقاً.

ولا يخفى أن "التغير" يعني أن شيئاً كان موجوداً ثم تحول إلى أمر آخر مع مرور الزمن وتغير الظروف المكانية والزمانية، وهذا يعني أيضاً إمكانية زوال "السابق" بالكلية لمصلحة "الجديد"، وهو ما يعني أن الدين ليس نظاماً كاملاً صالحاً لكل الأزمنة، ولهذا كان لا بد من تغيره مع تغير الزمن، خصوصاً إذا لاحظنا أن الأمور المنصوصة التي تسمى "ثابتة" هي قليلة جداً إذا ما قيست بغير المنصوصة، ومعنى هذا تغير الدين بمجمله مع تغير الزمن، فلا يبقى من الدين الإسلامي سوى الخطوط العريضة.

وهذا المعنى مرفوض إسلامياً ومنافٍ لما دل على عالمية الإسلام وخلوده، من هنا كان الرأي الرافض لفكرة وجود "الثابت والمتغير" في الإسلام، وقد أشار إليه الشيخ السبحاني بوضوح كما تقدم.

وفي ذات الوقت يقف دعاة التجدد من المسلمين حيارى أمام ما يجدونه من تغير في الزمان والمكان والمعطيات المعرفية والاجتماعية، فيكررون في أنفسهم السؤال التالي: إذا كان الإسلام ثابتاً لا تغير فيه، فكيف يمكن أن يجاري الحضارة ومتطلبات العصر، ويعطي لكل هذه المشاكل الفكرية والفقهية حلولاً مناسبة؟ وهل هذا إلا الجمود والتحجر، وهو ما يشكل نقطة ضعف مهمة في الدين الإسلامي، ويُعد عامل تراجع أساسي عن ركب التقدم والتطور، ويقوِّي الطرف المقابل الذي يأخذ على المسلمين انغلاقهم على أنفسهم، كما ويهدم فكرة خاتمية هذا الدين وخلوده وصلاحه لكل زمان ومكان.

من هنا كان لا بد من طرح حلٍ لهذه المعضلة على أساس تجنب كلتا السلبيتين المشار إليهما. وذلك بالمحافظة على الإسلام كدين سماوي ثابت وخالد من جهة، وإبراز قدرته على مواكبة تطور العصر من جهة أخرى، فنقول: لا شك أن في الإسلام عناصر ثابتة، وهي تلك التي نص القرآن على ثباتها أو السنَّةُ الصحيحة، وليس الثابت خصوص ما اتفق عليه جميع المسلمين كما فُهم من بعض الكلمات، لأن ذلك يضيِّقُ الدائرة جداً، إذ المسائل التي هي مورد اتفاق المسلمين قليلة جداً، بل نادرة.وهذه الثوابت عبارة عن الخطوط العريضة والأسس العامة للدين الإسلامي، وهي غير قابلة للتغير لعدم خضوعها لتأثير "الزمكان" ولا للتغير الحضاري.

المحاضرة الثالثة: تغير الدين أم تغير المعرفة الدينية

الغرض من المحاضرة: بيان كيفية مواكبة الإسلام للتطور رغم كونه تشريعاً ثابتاً.

أسئلة تمهيدية :

كيف يمكن للإسلام أن يواكب التطورات الفكرية في كل عصر؟
ما هي حدود معرفتنا الدينية، وما هو المقدس فيها؟
هل التغير، على فرض وجوده، يطال الدين نفسه أم يقف عند حدود معرفتنا عنه؟
هل في الإسلام منطقة فراغ في مجالي العقائد والفقه؟
ما هي العناصر المرنة في التشريع الإسلامي؟ وما دورها في مواكبة التطور؟

لقائل أن يقول:
كل شيء قابل للتغير حتى التوحيد، والدليل على ذلك أن فهم الناس يتغير بشكل مطرد مع تقدم العصر ورقي الحضارة العلمية وتوسع دائرة المعارف الفكرية للبشر، فما كان يراه القدماء توحيداً يراه أهل العصر الجديد شركاً، ويتوصلون في أفهامهم الدقيقة إلى معاني أكثر دقة في تحديد التوحيد مما كان عليه القدماء. أفلا يكون ذلك تغيراً في التوحيد.

ويمكن الإجابة بأن هذا تغير دون ريب لكنه ليس تغيراً في التوحيد، وإنما هو تغير في فهمنا عن التوحيد، فالتوحيد له معنى حقيقي واقعي وصلنا إليه أو لم نصل إليه، فلا يتغير ولا يتبدل، ونحن نحاول عبر العصور الاقتراب منه وفهمه ومعرفته حق المعرفة، فربما تطور فهمنا مع التغير "الزمكاني" أو تطور أسلوب وصولنا إلى معرفته معرفة صحيحة، ولكنه هو نفسه لا يتغير بتغير فهمنا.

إذن المتغير هو المعرفة، وليس المعروف في واقعه، فلا يصح القول: الإسلام متغير. بل: معارفنا عن الإسلام متغيرة. والفرق بين الأمرين كبير.هنا أراني مساقاً لاستعراض فكرة تبدو رائجة اليوم بين الكثير من مثقفي العصر، وهي تقول: إن الدين ليس شيئاً سوى فهمنا عنه، فلا يمكن الوصول إلى كنهه وحقيقته، بل غاية ما يمكن لنا كشفه منه هو ما يصل إلى أذهاننا، فمعرفتنا بالدين هي الدين، والدين مقدس بحد ذاته وثابت، ولكن فهمنا عنه غير مقدس وغير ثابت فيمكن أن يتغير ويختلف.

يقول الدكتور السيد محمد خاتمي: إن من المصائب التي ابتليت بها الأديان على مر التاريخ عدم التفريق بين الدين نفسه وبين الصورة الخاصة للحياة التي هي وليدة رؤية محددة للكون والطبيعة والإنسان وتجسيد لفهم خاص للدين ابتكره أناس معلومون في زمان ومكان محددين..
بناء على هذا فإن إسباغ صفة التقديس والخلود على الرؤى والمفاهيم والتجارب الدينية الخاصة التي تتجلى بصورة حضارة وثقافة منسجمة معها في برهة زمنية معينة يُفضي بنا إلى القول بانتهاء عصر الدين بانتهاء الحضارة وزوالها 15.

ويمكن أن يُلاحظ على هذه الفكرة بما يلي:

أولاً: إن ما يمتلكه الإنسان عن الدين ليس سوى فكرته عنه دون أن يعني ذلك أن الدين هو في واقعه تلك الفكرة لا غير، فإذا شككنا في مطابقتها له، وحكمنا بالتغاير بينهما فقد قضينا بعدم إمكان الوصول إلى معرفة الدين نفسه، لأن كل فكرة مفترضة حينئذ عنه هي غيره، وبالتالي نسأل: ما هو الدين؟
إن هذا النحو من التفكير سيؤدي بنا لا محالة إلى إنكار الدين كأمر واقعي، ونصاب بما أصيب به السوفسطائيون في إنكار الواقع الخارجي.
ثم إن أفكارنا عن الدين لا تكتسب قدسيتها إلا بما هي حاكية عنه، فقدسيتها من قدسيته ما لم يثبت مخالفتها له، فإذا ثبت مخالفتها له بطريق ما، زالت تلك القداسة عنها وبقي الدين مقدساً، فلا تزول قداسة الدين بتغير المعارف، وبزوال الثقافة والحضارة.

ثانياً: على فرض أن كل معارفنا عن الدين عرضة للخطأ وعدم المطابقة، فأية معرفة هي المطابِقة؟ فإن قيل معارف المعصومين عليهم السلام عن الدين هي الدين الحقيقي الواقعي، نقول: يلزم بناء على التفكيك بين الفكرة والدين " حرمان أهم المراحل التاريخية للمجتمع البشري من أصل الدين، وهي مرحلة غياب المعصوم، التي تعبر عن بلوغ الفكر الإنساني ووصوله إلى درجة استنطاق النص المقدس والتحاور معه 15.

ثالثاً: يمكن تقسيم الفهم البشري بالنسبة إلى الدين إلى نوعين:

أ- الفهم المشترك بين عامة الناس، وهو ما يسمى في أصول الفقه بـ"الظهور الموضوعي"، أي ما تتحد أفهامهم في تحديده كفهمهم للظاهر والنص من النصوص فهماً عرفياً مشتركاً بين عامة أهل اللغة الواحدة، وبالتالي ينسجم وأغراض الشارع المقدس الذي يقصد دائماً مخاطبة السواد الأعظم من الناس بنصوصه المقدسة بهدف إفهامهم مقاصده وتعريفهم بدينه لهدايتهم إلى الحق. وهذا لا يمكن أن يفكك بينه وبين الدين إلا عندما تثبت مخالفته له، وإلا لكان الشارع المقدس مغرِّراً بعباده، والعياذ بالله.

ب- الفهم الخاص الذي تختلف الناس فيه فيما بينهم، وهو ما يسمى في أصول الفقه بـ "الظهور الذاتي"، كفهمهم للمتشابه مثلاً، أو كاستنباط بعض الأحكام والمفاهيم بعملية نظرية مركبة وببذل الجهد الفكري المعقد المبني على خلفية ثقافية معينة، ففي هذه الحالة لا مانع من التفكيك بين الدين وذلك الفهم الكلي، إذ سيكون لدينا عدة أفكار معبرة عن أمر حقيقي واحد، ولا يمكن الجزم بصدقها كلها لتنافيها فيما بينها ولا بصدق أحدها بعينه إلا إذا كان صاحبه معصوماً عن الخطأ.

نعم، في نظر كل واحد من أصحاب هذه الأفهام المختلفة أن الدين هو فكرته عنه لا غير، وأن الآخرين مخطئون، فعنده أن فهمه والدين متحدان.
ولكن بما أنه من غير الممكن أن يكون الدين متحداً مع كل هذه الأفهام المختلفة، وربما المتضادة، فلا يمكن في هذه الحال أن تتحد الفكرة والدين.

إذا اتضح الفرق بين هذين النوعين من الفهم نعود لأصل المسألة لنقول: تطور فهم البشر لا يعني تطور الدين نفسه، وإنما يعني أن ذلك الفهم الخاص القابل للزيادة والنقصان والتعديل والتحريف هو الذي تغيَّر، ولا يستلزم ذلك تغيراً في الدين نفسه، إلا إذا كنا قد فرضنا أن صاحب هذا الفهم معصوم.

العناصر المرنة في الإسلام

لا شك أن في الإسلام بالإضافة إلى العناصر الثابتة التي تحدثنا عنها عناصر مرنة، وهي عناصر تقبل التحرك والانفعال ضمن أسس ثابتة نابعة من الخطوط العريضة المتقدم ذكرها، تمكِّن الإسلام من مماشاة التطور، فتتكيف معه دون أن تتغير بالكلية ودون أن يزول أساسها الثابت عما كان عليه في الأصل، فهي أشبه شيء بالمادة المرنة القابلة للتشكل بالأشكال المختلفة دون أن تزول تلك المادة عن حقيقتها عندما تأخذ صورةً جديدة. وهذا القدر كاف في مماشاة العصر ومستجداته دون الدخول في موضوع التغيير الذي يوحي بأن الإسلام صنيع مرحلة معينة، ويتغير بتغيرها.

وقد استخدم السيد محمد باقر الصدر قدس سره كلمتي "مرن" و"متحرك" بدلاً من كلمتي "متغير" و"متحول" للإشارة إلى هذا المطلب تحديداً، حيث قال في بعض معالجاته الاقتصادية: كثيراً ما يقول المشككون: كيف يمكن أن تعالج مشاكل الحياة الاقتصادية في نهاية القرن العشرين على أساس الإسلام مع ما طرأ على العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بعد قرابة أربعة عشر قرناً من توسع وتعقيد وما يواجه إنسان اليوم من مشاكل نتيجة لذلك.

والجواب على ذلك:
إن الإسلام قادر على قيادة الحياة وتنظيمها ضمن أطره الحية دائماً، ذلك أن الاقتصاد الإسلامي تمثله أحكام الإسلام في الثروة، وهذه الأحكام تشتمل على قسمين من العناصر

أحدهما: العناصر الثابتة، وهي الأحكام المنصوصة في الكتاب والسنة فيما يتصل بالحياة الاقتصادية.
والآخر: العناصر المرنة والمتحركة، وهي تلك العناصر التي تستمد،على ضوء طبيعة المرحلة في كل ظرف، من المؤشرات الإسلامية العامة التي تدخل في نطاق العناصر الثابتة 16.

وما قاله قدس سره في الاقتصاد يجري بعينه في سائر الفروع، بل في الأصول أيضاً، وذلك بتقريب أن ما هو ثابت في النص القرآن والسنة من مسائل العقائد يدخل في ضمن العناصر الثابتة عندما ينص عليه القرآن والسنة الصحيحة. وأما غير ذلك كبعض تفاصيل العقيدة غير المنصوص عليها وطرق تبيينها والاستدلال عليها والدفاع عنها يتغير بتغير مستوى الفهم البشري العام تبعاً لتطور العلوم وتقدم المجتمعات. فيأخذ صوراً وأشكالاً أكثر تناسباً مع العصر مع محافظته على أصل المبدأ القائم عليه.

وهذا يعني أنه يمكن دخول التجدد في علم الكلام بملاحظة عناصر الإسلام المرنة لا الثابتة. وكمثال على العناصر المرنة نتحدث عن الصلاحية التي يعطيها الإسلام للولي الفقيه بما هو حاكم للمجتمع الإسلامي لملأ منطقة الفراغ بالأحكام الفقهية اللازمة للعصر.

فالمادة الثابتة هنا هي القواعد الفقهية العامة والقضايا الثابتة في أصول الفقه التي ورد النص عليها في القرآن والسنة كنفي الحرج والضرر مثلاً، والمتغير هنا هو الأحكام التي من شأنها أن تفي باحتياجات الأمة كتطبيقات لتلك القواعد، وهي تارة أحكام ثابتة لموضوعاتها، فيكون بيد الفقيه تشخيص موضوعاتها، وتحديد ما إذا كان هناك ضرر أو حرج في فعل أو موقف معين، وأخرى أحكام موجودة بالقوة لا بالفعل يقوم الولي بإخراجها إلى حيز الفعلية كأحكام جديدة تثبت للموضوعات المستجدة، ولكن على ضوء الأسس العامة لمبادئ الإسلام.

وإلى هذا المعنى يشير السيد محمد باقر الصدر، رحمه الله، عندما يقول:إن المذهب الاقتصادي في الإسلام يشتمل على جانبين

أحدهما: قـد مُلأ من قبل الإسلام بصورة منجزة لا تقبل التغيير والتبديل.
والآخر: يشكل منطقة الفراغ في المذهب، قد ترك الإسلام مهمة ملئهـا إلى الدولة ولي الأمر يملؤها وفقاً لمتطلبـات الأهداف العامة للاقتصاد الإسلامي ومقتضياتها في كل زمان 17.

هذا واضح في جانب التشريع، وأما في جانب الاعتقاد فتتمثل منطقة الفراغ بتلك التفاصيل التي تتناسب في روحها مع الثوابت المشار إليها، وتدل عليها الأدلة العلمية والفلسفية المستجدة، مثل بعض تفاصيل الإمامة، كعلم الإمام، والولاية التكوينية، ومسألة الحسن والقبح العقليين، وبعض تفاصيل يوم المعاد من كونه روحانياً أو جسمانياً، وما إلى ذلك.

وعليه يتضح أن علم الكلام،وبعد توسعة موضوعه ليشمل القضايا الأخلاقية والحقوقية وسائر المفاهيم الإسلامية ومسائل الحكم والإدارة والسياسة والاقتصاد، يشتمل على الكثير من العناصر المرنة التي تقبل التحديث لتتماشى مع متطلبات العصر ضمن الضوابط العامة المنصوصة كما أسلفنا، لأنه سيشمل حينئذٍ قسماً هاماً من المسائل الفرعية التي تقع ضمن دائرة الاجتهاد الفقهي والنظر العقلي، وهي مسائل للبحث فيها مجال واسع.

المحاضرة الرابعة: أوجه التجدد في علم الكلام (1)

الغرض من المحاضرة: تحديد أوجه التجدد التي طرأت على علم الكلام؟

أسئلة تمهيدية :
ما هي الأضلاع الهندسية لكل علم؟
هل أصاب التغير بعض الأضلاع الهندسية لعلم الكلام؟
هل تغير موضوع علم الكلام؟ أم أن ما اصابه مجرد توسع فيه؟
ما هو التغير الذي طرأ على مبادئ علم الكلام؟

بناء على ما تقدم يطرح السؤال بالطريقة التالية: ما هي طبيعة التجدد الذي طرأ على علم الكلام حتى تولَّد ما يسمى بعلم الكلام الجديد؟

وفي معرض الجواب نقول: لكل علم منظومة خاصة به تميزه عن سواه، وهي مكونة من ستة أركان تعرف بالأضلاع المعرفية، وهي: تعريفه، موضوعه، غايته، لغته، منهجه، ومسائله.

وقد يحصل تغيرٌ ما في ضلع أو أكثر من أضلاعه فلا يتغير بذلك العلم نفسه، ويبقى محافظاً على كيانه، غاية ما في الأمر يعد ما طرأ عليه نوعاً من التطور والتوسع، شريطة أن لا يتداخل مع غيره من العلوم.أما إذا حصل تغير في كل أو غالب أضلاعه بحيث صار يبدو للباحث مختلفاً عن العلم السابق، فقد يقال حينئذ بأنه علم جديد تولد من رحم العلم القديم.

وقد قال علماء المنطق أن العلوم تتمايز بأغراضها، أي بالغايات المرجوة منها، فغاية علم الطب صحة بدن الإنسان، وغاية علم النحو صون اللسان عن الخطأ في النطق، وغاية علم المنطق صون الذهن عن الخطأ في التفكير، وهكذا. فإذا حافظ العلم على غايته على الرغم من طروء التغير على الأركان الأخرى فلا بد أن يحافظ على كيانه.

وهذا بالضبط ما حصل في علم الكلام الجديد. فقد عرض التغير على تعريفه وموضوعه ولغته ومسائله ومناهجه، أما غرضه وغايته فيمكن لنا القول أنه الوحيد الذي بقي ثابتاً، ولم يتغير تغيراً جوهرياً، وذلك على خلاف قول الكثيرين ممن تحدثوا في هذا الموضوع 18.

والدليل على ذلك أن الهدف من هذا العلم كان ولا يزال الدفاع عن الإسلام من الناحية الفكرية والعقائدية، وذلك بتبيين منهج الإسلام والدفاع عنه في مقابل الشبهات، لا خصوص بت الأمر في أصول الدين، ولا خصوص الحديث عن كلام الله تعالى وصفاته.
فالغرض هنا هو عين الغرض الذي تقدمت الإشارة إليه في معرض الحديث عن تعريف علم الكلام القديم، أي: "تبيين العقائد الإسلامية وإثباتها والدفاع عنها ".

وهذا الأمر لا يزال بعينه قائماً في اليوم، وإذا ما زيد في عدد الأمور التي يبينها، أو يدافع عنها هذا العلم فلا يعني ذلك تغيراً في غرضه، وهكذا يقال فيما إذا تطورت طُرق طرح الشبهات وتغيرت لغتها ومنهجها.إذن، بما أن تمايز العلوم يكون بتمايز أغراضها، وبما أن الغرض من علم الكلام الجديد لم يتغير عنه في القديم، فالعلم في جوهره لم يتغير، فهو علم كلام لا شيء آخر.

لهذا حافظ على اسم "علم الكلام"، ولم يتخذ لنفسه اسماً جديداً تماماً، وإن أضيف إلى اسمه كلمة "جديد" للإشارة إلى ما طرأ عليه من تغيرات أساسية.وكلمة "جديد" وإن كانت تعطي معنى نسبياً، إذ كل تغير هو جديد بالنسبة إلى سابقه الذي بات يعد قديماً، إلا أن ذلك لا يغير من الواقع شيئاً، فهو جديد في نفسه، لأنه استجد فيه أمور لم تكن موجودة سابقاً، وهو جديد بالقياس إلى القديم، لأنه مسبوق بغيره من جنسه، وليس لسابقه هذه الميزة.

ولا يبعد أن يتحول هذا الاسم إلى عَلَم على هذا العِلْم لا مجرد وصف،كما يسمي الرجل ابنه "أكبر"، ويكون في أولاده من هو أكبر منه.
وبالجملة، فالضابطة التي على أساسها يُحكم على مسألة ما أنها من علم الكلام الجديد أو خارجة عنه اشتراكها في الغرض مع سائر المسائل ما يجعلها واحدة من مسائله، واختلافها به معها يجعلها غريبة، فلا يرد الإشكال القائل: لماذا لا ندخل في علم الكلام الجديد قضايا علم النفس وعلم الاجتماع وما شابه ذلك.

نعم قد تدخل بعض مسائل هذه العلوم فيه من باب المبادئ والأصول الموضوعية التي تؤخذ من العلوم الأخرى كمسلمات ليُبنى عليها أفكار ونتائج جديدة، كما سيأتي توضيحه.إذا اتضحت هذه المقدمة نصل إلى ضرورة تفصيل ما أجملناه من وقوع التغير في الأضلاع المعرفية الخمسة لعلم الكلام، وهي:

1- الموضوع

وقع اختلاف بين دعاة التجدد في علم الكلام بالنسبة للموضوع على قولين

الأول: أن الموضوع تغير، وتغيُّر الموضوع هو ملاك تغير العلم. ويبينون تغير الموضوع بالقول: إن أهم ما يلحظ في المسيرة الكلامية هو التبدل المحوري، إذ يوجد اختلاف جذري بين المركز المحوري الذي كانت تدور حوله الأبحاث الكلامية سابقاً وبين المركز المحوري الذي تدور حوله حالياً، وهذا ما يبرر الفصل بين كلام جديد وكلام قديم 19.

الثاني: التوسع في موضوع علم الكلام ليشمل الكثير من القضايا التي لم تكن تبحث سابقاً، ولا تعطى أدنى اهتمام في نطاق هذا العلم، وذلك كالأمور القيمية والحقوقية والإنسانية مثلاً.

قالوا: صحيح أن موضوع علم الكلام هو العقائد الدينية، لكننا لا نرى المتكلمين التقليديين يهتمون بتبيين وإثبات كل ما ورد في النصوص الدينية، بل يقصرون اهتمامهم على إبراز بعض المسائل، كتلك التي ترتبط بالواقع، وأما تلك التي ترتبط بالقيم والأخلاق التي نجد نصوصاً دينية كثيرة تتحدث عنها، فلا يعتبر المتكلمون أنفسهم معنيين بها، بينما الحال مختلف في علم الكلام في عالم الغرب، إذ إن ما يندرج اليوم في الثقافة الغربية تحت عنوان الكلام أو الإلهيات مشتمل على كافة القضايا الموجودة في النصوص الدينية سواء منها الناظرة إلى الواقع أو الناظرة إلى الأخلاق 20.

وهذا صحيح في حد ذاته، ولكن كما ترى لا يمكن عده تغيراً في الموضوع، وإنما هو نوع من التوسع والزيادة، فمقولة أن المحور الكلامي تغير كما تقدم لم تكن دقيقة كفاية. من هنا كان من الطبيعي أن يتوسع موضوع علم الكلام ليشمل كلاً من تلك الموضوعات.

ولقائل أن يقول
1- كل من القضايا الأخلاقية والقضايا الواقعية وجهان لعملة واحدة، فالإسلام كل لا يتجزأ، وهما مكملان لبعضهما البعض في دائرة الإسلام، فقضية:"لا إله إلا الله" كما أنها قضية توصيفية لواقعة عينية، فهي في الوقت نفسه قضيـة قيمية، يفهم منها أن الله وحده المبدأ المتعالي لكل خير.ولكننا نقول: هذا لا ينكر، إلا أن ذلك لا يستلزم بطبيعته بحث كلا النوعين في علم واحد، فلا ريب في تميز علم الفقه عن غيره من العلوم الإسلامية مثلاً مع أنه لا يمكن فصله عن سائر جوانب الإسلام، وهنا الأمر كذلك، فالقضايا القيمية بما هي قيمية لا تدخل في علم الكلام بحال في نظر التقليديين. وإذا كان لها بُعد توصيفي، فإنها تدخل فيه لكن لا من جهة كونها قيمية، بل من جهة خصوص ذلك اللحاظ التوصيفي، وهذا ليس متوفراً في كل القضايا القيمية.

2- فلنفرض أن علم الكلام في الغرب يبحث عن كلا النوعين من النصوص الدينية، فهل يلزم أن نتبعه في ذلك؟
ولنا أن نقول: الواقع أن الدفاع عن الإسلام من الناحية الفكرية، وهو الغرض من علم الكلام، يقتضي ملاحقة الشبهات التي من شأنها إضعاف الإسلام أينما كانت، فإذا وصلت إلى حقل بعض القضايا الأخلاقية مثلاً فإننا نجد أنفسنا مضطرين لردها، فتدخل من هذه الناحية في ضمن علم الكلام موضوعياً، لا من باب تقليد الغرب في كل ما يقول ويفعل.وذلك مثل مسألة حقوق المرأة وحقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق الحيوان والعدالة الاجتماعية وما إلى ذلك.

2- المبادئ

لا شك أن علم الكلام كغيره من العلوم يقوم على مجموعة من المبادئ تشكل بمجموعها الأسس الفكرية للمنظومة الكلامية. وليس من الضروري أن تنتمي هذه المبادئ إلى علم واحد، بل قد تكون منسوجة من مجموعة علوم كالفلسفة والمنطق والطبيعيات واللغة والعلوم الإنسانية… والمبادئ، كما هو معلوم، نوعان: تصورية وتصديقية.

فمن المبادئ التصورية فهمنا وتصورنا لبعض الأمور التي تدخل في صميم جدالاتنا الكلامية، والتي قد نبني عليها أدلتنا لإثبات عقيدة معينة، أو نفي أخرى.فمثلاً: كيف نتصور الجسم؟ هل هو متصل في واقعه كما هو متصل في الحس؟ أم أنه مكون من أجزاء صغيرة جداً متلاصقة فيما بينها، تشكل في مجملها ما نسميه الجسم المتصل؟ وبتعبير آخر: ما هو تعريف الجسم؟

هذا بحث أخذ من المتكلمين القدماء الكثير من أوقاتهم، وعلى وفق رؤيتهم في تعريف الجسم وما يتكون منه آمن بعضهم بما يُعرف بالجزء الذي لا يتجزأ، وآمن بعضهم بالطفرة، وبنى على ذلك أدلته الكلامية.

فقد قال جمهور المتكلمين، ومنهم أبو الهذيل العلاف والجبائي ومعمر بن عباد وهشام الفوطي21، في تعريف الجسم:إنه مؤلف من أجزاء لا تتجزأ، لا خارجاً ولا وهماً ولا عقلاً، وإنما تقبل الإشارة الحسية، وهي متناهية ذوات فواصل في الجسم، تمر الآلة القطاعة من مواضع الفصل22.

بينما ذهب النظام إلى أن أجزاء الأجسام غير متناهية، ما ألزمه القول بالطفرة 23.واليوم أثبت علماء الطبيعة أن الجسم مكون من ذرات متناهية عدداً، والذرات مكونة من أجزاء متناهية أيضاً، ويمكن التفكيك بينها خارجاً فضلاً عن تقسيمها وهماً وعقلاً، وبالتالي ثبت علمياً عدم وجود الجزء الذي لا يتجزأ، كما ثبت تناهي أجزاء الجسم، فما قيل من الجزء الذي لا يتجزأ، والطفرة لا محل له اليوم.

إذن، ما بني على معلومة تصورية خاطئة، أي على مبدأ تصوري ثبت بطلانه، هو بنفسه خاطئ، وتغير المبادئ التصورية سيؤدي بنا لا محالة إلى تغير رؤيتنا المبتنية عليها. وعلى هذا المنوال نقيس المبادئ التصديقية، وهي عبارة عن الأمور التي يتوقف عليها حكمنا بالقضايا وجزمنا بمضمونها سلباً أو إيجاباً، فمن المبادئ التصديقية تلك التي نأخذها في علم ما أخذ المسلمات من علوم أخرى لأنها من مسائلها، وقد بحثت فيه وصدر الحكم النهائي حولها، فنستخدمها حن في هذا العلم دون أن نعيد بحثها من جديد.

من هنا يمكننا أن نستفيد من كثير من المبادئ التي ثبتت في علوم الطبيعة أو الفيزياء أو الكيمياء أو الرياضيات أو الفلك على ضوء المعطيات العلمية الحديثة، وندخلها في استدلالاتنا على المطالب الكلامية. وستتغير النتيجة بتغير المبادئ.

فمثلاً: بنى القدماء على أن العناصر التي يتألف منها الكون هي أربعة: الهواء والماء والتراب والنار، ثم بنوا على ذلك الكثير من المعلومات.
فمنكروا المعاد الجسماني تخيلوا أن آخر ما يتحلل إليه جسم الإنسان هو التراب، ولذلك استنكروا البعث من تراب. قال تعالى عنهم:﴿ وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ 25.

واليوم ثبت بالتجربة التي لا تقبل الشك أن العناصر الأولية التي تتألف منها الأجسام أكثر من ذلك بكثير، وتربو عن مائة عنصر.
ومن ذلك أن نبرهن على وجود الصانع بدليل النظام، فنستخدم المبادئ التصديقية العلمية الحديثة التي تثبت وجود النظام الدقيق في كل ما في الكون، فإن ذلك يقوِّي الدليل، ويجعله أدق وأقرب إلى إصابة الواقع، فضلاً عن أنه يعطيه طابع الحداثة، ويجعله أكثر مِنعة من أن يتعرض لنقد المبهورين بعلوم العصر المعقدين من كل ما هو قديم.

أو أن نبرهن على التوحيد بما أثبته العلم الحديث من تناسق النظام الكوني إلى درجة توصلنا إلى القطع بأن وراء هذا النظام منظماً واحداً.
أو نبرهن على حياة ما بعد الموت بما توصل إليه علم ما وراء النفس (البارابسيكولوجيا) من الاتصال بأرواح الموتى، وكونهم في عذاب أو نعيم، ونحو ذلك مما لا مجال لاستقصائه الآن.

يقول الدكتور حسن حنفي رئيس قسم الفلسفة في جامعة القاهرة، وهو أحد دعاة التجديد في علم الكلام: لا أستطيع أن أدخل في علم كلام جديد دون أن أعيش العالم كخبير في العلاقات الدولية والعلوم السياسية والاجتماعية والعلوم السلوكية، ومن ثم أعرف التجارب البشرية من خلال الأدب والرواية والأمثال العامية والشعر وكل ما يعبر عن التجارب "25.

وانطلاقاً من ذلك نقول:لا ريب بأن مباني علم الكلام قد تغيرت بشكل كبير نتيجةً لتطور المبادئ التي يقوم عليها تبعاً لتطور العلوم القديمة، وولادة علوم جديدة، وتبدل نظريات قديمة ثبت بطلانها …وهكذا.ولا ندعي هنا أن كل تلك المبادئ القديمة تغيرت وتطورت، ولا يلزم تغيرها كلها حتى يصدق التغير الكافي في تحقق ملاك التجدد فيها، بل يكفي تغير معظمها أو أكثرها أو قسم كبير منها ليتغير معها قسم كبير من العلم القائم عليها.

المحاضرة الخامسة: أوجه التجدد في علم الكلام (2)

الغرض من المحاضرة: استكمال تحديد أوجه التجدد التي طرأت على علم الكلام؟

أسئلة تمهيدية:
ما هو التغير الذي اصاب مسائل علم الكلام؟
هل طروء مسائل جديدة على علم ما يؤدي إلى تجدده؟
ما الفرق بين مسائل علم الكلام القديم ومسائل علم الكلام الجديد؟
ما هي المحاور التي تدور حولها مسائل علم الكلام الجديد؟

3- المسائل

هناك مسائل جديدة لم تكن تطرح في علم الكلام التقليدي نجدها اليوم تفرض نفسها وبقوة مثل بعض جوانب فلسفة الدين كما سيأتي، وبعض مسائل النبوة كالخاتمية مثلاً، ومثل بعض مسائل الإمامة كولاية الفقيه ومسائل الحكم والاقتصاد والسياسة، بل إن بعضهم أدخل في مسائل علم الكلام الجديد كل ما يتعلق بشؤون الأمة، حتى اعتبر أن الهدف من علم الكلام الجديد ليس الدفاع عن العقيدة بل عن الأمة 26.

ولا يمكن المساعدة على هذا الرأي، لأن علم الكلام لا يعدو كونه علماً أولاً، ومرتبطاً بالدين ثانياً، وأي شيء غير ذلك يخرجه عن حقيقته، فمطلق الدفاع عن الأمة أعم من العلوم، والدفاع عنه في مطلق المجالات الدينية أعم من الكلام.

وعندما تتجدد المسائل فمن الطبيعي أن يتجدد العلم،" فمن السذاجة بمكان الاعتقاد بإمكانية اندراج مسائل جديدة في سياق معرفي ما من دون أن يستلزم ذلك تحولاً في سائر أبعاد ذلك النظام، إذ لا شك في أن المسائل المعرفية المستحدثة التي تبنى على مباني جديدة والتي تتطلب أساليب عصرية لا شك في أنها تستلزم تحولاً وتجدداً في سائر أبعاد المعرفة التي تندرج ضمنها تلك المسائل، مما يستوجب على العالم في هذه الحالة، إمـا الإحجام أو الإقدام وفي جعبته المباني والأساليب والمرتكزات الجديدة التي يتسنى له مـن خلالها الإلمام والإحاطة بتلك الأبعاد "27.

ولكي نتمكن من تحديد التغير الذي طرأ على مسائل علم الكلام لا بد لنا من إجراء مقارنة بين القديم منها والجديد، ثم إلقاء الضوء على المستجد منها.سلط المتكلمون القدماء أبحاثهم على الأمر الأساسي الذي يقع مورد اهتمامهم، ألا وهو: "الإلهيات بالمعنى الأخص ". لذلك دارت بحوثهم حول عدة عناوين رئيسية، هي: العقيدة، وهي أصول الدين من قبيل:
1- التوحيد وما يرتبط بذلك من الحديث عن الذات والصفات الإلهية الذاتية والفعلية الثبوتية والسلبية وما يتفرع عنه من التجسيم والتنزيه.
2- خصوص صفة العدل الإلهي وما يرتبط بذلك من التحسين والتقبيح العقليين.
3- خصوص صفة الكلام وما يترتب عليها من القول بخلق القرآن وأزليته.
4- الإيمان والكفر وأسسهما.
5- النبوة وثبوتها بالمعجزة وما يرتبط بها من العصمة.
6 - الإمامة وما يتفرع عنها.
7- إثبات يوم القيامة.

المفاهيم المرتبطة بالعقيدة

1 - الجبر والاختيار والاكتساب والإرادة، وما يرتبط بذلك من المفاهيم المتعلقة بالقضاء والقدر، وفلسفة وجود الشرور، وألوان العقاب الدنيوي، والتعويض، مما يعود بوجه ما إلى صفة العدل.
2 - مسألة الروح، والتناسخ، والتقمص، وما يعود بوجه ما إلى المعاد.
3 - خلود فاعل الكبيرة في النار مما يعود إلى قضية الإيمان والكفر.

وهناك مسائل أعرضنا عن ذكرها رغم ورودها في الكتب الكلامية التقليدية لخروجها عن دائرة البحث كمسألة ارتفاع الأسعار وما شاكلها.
أما مسائل علم الكلام الجديد فيمكن تقسيمها إلى ثلاثة محاور رئيسية هي:

المحور الأول: الله والدين، ومن أهم مسائل هذا المحور
1- الاستدلال اليقيني على وجود الخالق: وذلك بعد طروء نظريات جديدة من شأنها التشكيك بكل ما يعد أدلة قطعية في هذا المجال.
2- مسألة الخاتمية في النبوة: وذلك للإجابة عن التساؤل المطروح اليوم: ما هو الوجه في ختم النبوات وحرمان الأجيال التي تلت الإسلام من نعمة النبوة، ولماذا كان النبي محمد صلى الله عليه وآله بالخصوص خاتم الأنبياء.
3- مسألة الإمامة وما يرتبط بها من ولاية الفقيه والشورى والانتخاب وكل ما له علاقة بنظام الحكم والإدارة في الإسلام.
4- مسالة الخير والشر: وما هو منشأ كل منهما في ظل القول بوحدانية الخالق. وما الحكمة من وجود الشرور، وكيفة التخلص منها على ضوء القول بحرية الاختيار لدى الإنسان.
5- مسائل المعاد والثواب والعقاب على ضوء النظريات العلمية الجديدة المرتبطة بدراسة بعض مظاهر الروح الإنسانية.

المحور الثاني: الإنسان والدين، ومن أهم مسائل هذا المحور
1 - دور العقل في مقابل الدين ومدى ما يمكن أن يصل إليه العقل في هذا المجال، (العقل والدين ).
2 - إنسانية الدين: وذلك كسعي للإجابة عن السؤال المطروح اليوم: هل الدين في خدمة الإنسان أم أن الإنسان في خدمة الدين.
3- المسائل الأخلاقية والحقوقية ودور الإسلام بالنسبة إليها، ومنها حقوق المرأة والطفل وحق إبداء الرأي (الحرية الفكرية) وما شابه ذلك.
4- المسائل الاجتماعية المرتبطة بالأسرة وموقف الإسلام منها كموضوع الزواج والطلاق.
5- مسائل الحرية بأنواعها، ومنها الحرية في الأفعال والأقوال والعقائد.

المحور الثالث: الطبيعة والدين. ومن أهم مسائل هذا المحور

1- مسائل الروح وعلاقتها بالجسد وعلاقة الدين بالدنيا.
2- علاقة الدين بالعلم عموماً ومدى انسجامه مع ما توصلت إليه العلوم من قوانين ونظريات، ( العلم والدين ).
3- المسائل العلمية المستحدثة المرتبطة بهندسة الجينات والاستنساخ والوراثة وما يتعلق بالأجنة، وما شابه ذلك، ومدى انسجامها أو تعارضها مع ما جاء به الدين.

وبمقارنة بسيطة بين هذين النمطين من المسائل يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
أولا: ترك علم الكلام الجديد الكثير من الأمور التي اهتم بها القدماء، وأخذت حيزاً كبيراً من جدلهم من قبيل صفات الله تعالى وعلاقتها بالذات، وكلامه تعالى قديم أو حادث ومسائل العالم الغيبي ملائكة وجن وأرواح وما شابه ذلك.
ثانياً: اشترك مع القديم بمجموعة مسائل، ولكنه أعاد طرحه بلبوس جديد على ضوء شبهات جديدة اختلفت عن السابق منها اختلافاً جوهرياً.وذلك من قبيل بعض مباحث النبوة والإمامة، كما تقدم.
ثالثاً: دخل علم الكلام الجديد مجالاً جديداً لم يكن الكلام القديم قد دخله، وهو البحث في المفاهيم العامة التي تتعلق بالإسلام كدين مشتمل على نظام مكامل يتعلق بكل مجالات الحياة، لا كمجرد عقيدة.وذلك من قبيل:
أ- الأمور الحقوقية: كحقوق الإنسان، المرأة، الطفل، الأسير، البيئة، والحيوان...
ب- الأمور القيمية: من قبيل قيمة الإنسان، والأخلاق الفردية، والمصالح العامة، وصلاح المجتمعات..
ج- الأمور المعرفية: من قبيل دور العقل في المعرفة الدينية، وإمكانية الاستدلال اليقيني على الكثير من الأمور التي أثبتها الدين...
د- الأمور العلمية: من قبيل توافق الدين مع الكثير من الحقائق العلمية التي ثبتت الآونة الخيرة، وقد اشرنا إلى بعضها آنفاً.
هـ - الأمور الاجتماعية: من قبيل الأسرة، الزواج، الطلاق، المجتمع...
و- الأمور السياسية: من قبيل السلام، الأمن، الجهاد، المقاومة...

فعلم الكلام الجديد يرى أن الدفاع عن الدين لا يكون إلا من خلال تقديم نظرة صحيحة ومتكاملة عن مجمل هذه الأمور تتماشى مع متطلبات العصر، ومع الانفتاح الثقافي والمعرفي الذي تعيشه البشرية اليوم.لذلك نرى أن أي موضوع نتحدث به اليوم مما يتعلق بنحو ما بالدين الإسلامي هو معدود ضمن مسائل علم الكلام الجديد بوجه من الوجوه.

المحاضرة السادسة: أوجه التجدد في علم الكلام (3)

الغرض من المحاضرة: استكمال بيان أوجه التجدد التي طرأت على علم الكلام؟

أسئلة تمهيدية:
ما هو المنهج في اللغة وفي المصطلح؟
ما هي المناهج المتبعة في مختلف العلوم؟
هل حصل تغير ما في منهج علم الكلام؟
هل التغير في المنهج يؤدي إلى تجدد العلم؟
ما هو المنهج العام الذي يوصلنا إلى الحق؟

4- المناهج

المناهج جمع منهج (Method)

والمَنهج بفتح الميم، والمِنهج بكسرها. والمنهاج بكسر الميم، والألف بعد الهاء، هو في اللغة العربية: الطريق الواضح.

أما في الإصطلاح فقد عُرف بعدة تعريفات متقاربة منها:
1 - ما جاء في معجم ( الصحاح في اللغة والعلوم ): المنهج: هو خطوات منظمة يتخذها الباحث لمعالجة مسألة أو أكثر ويتتبعها للوصول إلى نتيجة29.
2 - وفي المعجم الفلسفي مجمع و معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب:وسيلة محددة توصل إلى غاية معينة 30.
3- قال عبد الرحمن بدوي في كتابه (مناهج البحث العلمي):أشهر تعريف للمنهج هو التعريف القائل بأنه الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة 31.

ونخلص من هذه التعريفات إلى أن المنهج هو مجموعة من القواعد العامة المتناسقة مع بعضها، يعتمدها الباحث في تنظيم ما لديه من أفكار أو معلومات من أجل أن توصله إلى النتيجة المطلوبة.

وتنقسم المناهج المعتمدة في العلوم إلى قسمين رئيسين، هما:
أ - المناهج العامة: وتعرف بالمناهج المنطقية أيضاً.
ب - المناهج الخاصة: وتسمى المناهج الفنية أيضا.

المناهج العامة:المناهج العامة هي القواعد المنهجية العامة التي يرجع إليها عند البحث في أي حقل من حقول أنواع المعرفة، وتنقسم إلى خمسة أنواع رئيسية

1 - المنهج النقلي
وهو عبارة عن طريقة دراسة النصوص المنقولة. ويقوم على العناصر العامة التالية:
أ - توثيق إسناد النص إلى قائله: بمعنى التأكد من صحة صدور النص من قائله.
ب - التحقق من سلامة النص: بمعنى التأكد من أن النص لم يدخله التحريف أو التصحيف أو الزيد أو النقص.
ج - فهم مدلول النص: ويتأتى هذا بالرجوع إلى الوسائل والأدوات العلمية المقرر استخدامها لذلك كالمعاجم اللغوية وكعلم أصول الفقه.
ومجال استخدام هذا المنهج: كل معرفة مصدرها النقل.

2 - المنهج العقلي
وهو طريقة دراسة الأفكار والمبادئ العقلية. ويقوم على قواعد علم المنطق الأرسطي، فيلتزم الحدود والرسوم في التعريف، والقياس والاستقراء في الاستدلال. وكثيراً ما يكتفى بالتعريف بالخاصة بناء على عدم وجود فصول لحقائق الأشياء يمكن الوصول إليها.

وخلاصة الخطوات المعتمدة في الاستدلال حسب المنهج العقلي هي حركة العقل بين المعلوم والمجهول. وهي عبارة عن خمس خطوات: مواجهة المشكل، ومعرفة نوعه وحركة العقل من المشكل إلى المعلومات المخزونة عنده، وحركة العقل ثانيا بين المعلومات للفحص فيها، وتأليف ما يناسب المشكل ويصلح لحله، ثم حركة العقل ثالثا من المعلوم الذي استطاع تأليفه مما عنده إلى المطلوب.

كان هذا المنهج، ولا يزال، المنهج المعتمد في الدراسات الإسلامية، وبخاصة الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام وأصول الفقه.

3 - المنهج التجريبي
وهو طريقة دراسة الظواهر العلمية في العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية. ويعتبر المنهج التجريبي المنهج العلمي الحديث، وأهم ما تمخضت عنه النهضة العلمية الحديثة في أوروبا من معطيات فكرية.

ومجاله: المعرفة التي مصدرها الحس. أما خطواته فأربعة هي: تحديد المشكلة، وصياغة الفرضية، وإجراء الملاحظة أو التجربة ثم الخروج بالنتيجة.

4 - المنهج الجدلي
نسبة إلى الجدل، وهو في اللغة: مقابلة الحجة بالحجة. ومنه المجادلة، ومعناها المناظرة والمخاصمة.

ويمكننا أن نعرفه بأنه: الطريقة المستخدمة في المناقشات العلمية أو لمعرفة الصراعات الطبيعية والاجتماعية.

وينقسم هذا المنهج إلى قسمين:
أ - المنهج الجدلي القديم: وهو الذي يعرف في المنطق اليوناني ب‍( صناعة الجدل ) وب‍(آداب المناظرة)، ويعرفه الجرجاني بقوله: الجدل: هو القياس المؤلف من المشهورات والمسلمات. والغرض منه: إلزام الخصم وإفحام من هو قاصر عن إدراك مقدمات البرهان32.
والمشهورات: وهي التي اشتهرت بين الناس واشتهر التصديق بها عند العقلاء. وتستخدم هنا كمبادئ مشتركة بالنسبة للسائل والمجيب. والمسلمات: وهي التي قام التسالم بين الطرفين على صدقها.

ب - المنهج الجدلي الحديث: ويعرف ب‍( المنطق الديالكتيكي نسبة إلى (dialectic) الكلمة الإنجليزية التي تعني الجدل الذي هو المناقشة بطريقة الحوار. والديالكتيك في نظر ماركس هو علم القوانين العامة للحركة سواء في العالم الخارجي أم الفكر البشري 33.

5 - المنهج الوجداني
وهو طريقة الوصول إلى بعض المعارف من خلال الوجدان (الإشراق)، وهو نوع من الإلهام معتضداً بالنصوص المنقولة في إطار ما تؤوَّل به على اعتبار أن دلالتها من نوع الإشارة لا من نوع العبارة. ويعتمد فيه على الرياضة الروحية بغية أن تسمو النفس فترتفع إلى مستوى الأهلية والاستعداد الكافي لأن تلهم ما تهدف إليه.

ويستخدم هذا المنهج في علم العرفان وعلم التصوف. وهناك مناهج عامة أخرى مثل: المنهج التكاملي، وهو استخدام أكثر من منهج في البحث بحيث تتكامل ما بينها في وضع وتطبيق مستلزمات البحث.

ومن أمثلته علم الكلام حيث يعتمد فيه عادة على المنهج العقلي، ولكن قد يعتمد بعض الباحثين الكلاميين على المنهج التكاملي المؤلف من المنهج العقلي والمنهج النقلي، أو المنهج العقلي والمنهج الجدلي، أو المنهج النقلي والمنهج الجدلي.

ولا مانع من استخدام الثلاثة فيه، ولا من إضافة مناهج أخرى تقتضيها بعض مسائله.وفي علمي التصوف والعرفان يُعتمد عادة على منهج تكاملي مؤلف من المنهج الوجداني والمنهج النقلي.

ومنها المنهج المقارن: وهو مقابلة الأحداث والآراء بعضها ببعض لكشف ما بينها من وجوه الشبه أو العلاقة. والمقارنة والموازنة من العلوم الإنسانية بمثابة الملاحظة والتجربة من العلوم الطبيعية.

المناهج الخاصة

المنهج الخاص هو مجموعة من القواعد وضعت لتستخدم في حقل خاص من حقول المعرفة، أو علم خاص من العلوم، مثل الفقه، وأصول الفقه.

التجدد في المنهج

كان علم الكلام القديم يعتمد في بداياته المنهج الجدلي، ولكنه تطور شيئاً فشيئاً حتى بات يعتمد، كما أسلفنا، المنهج التكاملي بين أكثر من منهج، فترى بعض المتكلمين يستخدمون الأسلوب الجدلي تارة، والعقلي أخرى، والنقلي ثالثة، بل كان هذا الدمج بين المناهج متوفراً مع بدايات علم الكلام، فمثلاً استدل المتكلمون الشيعة الأوائل على إمامة الإمام علي عليه السلام بنص النبي صلى الله عليه وآله يوم الغدير، فهذا استدلال نقلي على موضوع كلامي.

وكان المتكلمون المعتزلة والشيعة الأوائل يعتمدون في بعض استدلالاتهم على العدل الإلهي بالعقل العملي وحكمه بحسن العدل وقبح الظلم، حتى عُرفوا بالعقليين.
ثم، وفي مرحلة لاحقة، قام المحقق نصير الدين الطوسي بالاعتماد على المنهج العقلي مستفيداً من القواعد الفلسفية في إثبات العقائد في كتابه "تجريد الاعتقاد " بحيث قفز بعلم الكلام قفزة نوعية إلى درجة أن بعض المتكلمين عدوه نهاية علم الكلام وغايته القصوى 34.

ولا ننكر أن هذا التطور التدريجي في المنهج ملحوظ كخطوة أساسية ومرحلية في ولادة علم الكلام الجديد. إذ ليست ولادته أمراً دُفعياً، وإنما مرت بمخاض طويل حتى رأى الوجود في القرن الأخير.

ففي القرنين التاسع عشر والعشرين شهد العالم تطورات معرفية كبيرة أوجدت ضوابط علمية وتحديدات لم تكن تخطر على بال، ووضعت المناهج الخاصة للتثبت من صحة المعلومات التي يتم الوصول إليها، فتطورت المناهج العلمية تطوراً كبيراً، وبات لكل مجال من مجالات المعرفة منهجه الخاص به، فبرزت مناهج لم تكن معروفةً سابقاً، من قبيل المنهج الهرمنوتيكي (Hermenutik )، الذي يُعنى بتفسير النصوص وفقاً للخلفية الثقافية للمتكلم، أو منهج علم الدلالة المسمى بالسيمياء (Semantik ) الذي يُعنى بدراسة الدلالات بأنواعها، وبيان كيفية دلالتها على مداليلها، أو علم الظواهر المسمى بالفينومونولجي (Phenomenology) الذي يتولى دراسة الظواهر وتحليلها لفهم مضامينها…
كثرت المناهج إلى درجة أنه تولد علمٌ خاصٌ يعنى بها هو الميثودولوجي.

يقول الدكتور حسن حنفي:منهج السجال هو منهج اتبعه القدماء في علم الكلام، وحسب المناطقة هو منهج الدفاع، وليس منهجاً يبحث عن الحقيقة، هو منهج يعتمد على إفحام الخصم أو إقناعه، هذا برأيي ليس منهجاً علمياً. المنهج العلمي هو الذي يبحث في سلامة المقدمات من أجل الاطمئنان إلى سلامة النتائج 35.

من الضروري لنا أن نتسلح بما يوصلنا إلى معرفة الحقيقة، لا مجرد ما يسكت الخصم. لقد مر الزمن الذي نسكت فيه محاورينا بإجابة مسكتة قد لا يكون لها نصيب من الصحة. ربما كان العقل البشري العام لم يبلغ بعد مرحلة النضج الكافي للتمييز بين المسكت والمصيب، لكن ذلك لا يعني أن الإسلام، وهو الدين الواقعي يقبل بالبقاء على الحياد في معركة الوصول إلى الحقيقة، إنه يدعونا لمعرفة الحقيقة ولو لم يكن لنا خصم فكيف إذا كان الخصوم خطرين جداً.

استمع إلى الإمام الصادق عليه السلام، وهو يوجه النقد البناء لبعض تلامذته المتكلمين بعد حوار كلامي حصل بين خمسة منهم ورجل شامي بحضوره، وهم حمران بن أعين، ومحمد بن نعمان الأحول، وهشام بن سالم، وقيس الماصر، وهشام بن الحكم.

فبعد انتهاء جلسة الحوار، وجه نقداً لكل منهم ما خلا هشام بن الحكم، ومما قاله لمحمد بن نعمان الأحول:قيَّاس روَّاغ، تكسر باطلاً بباطل إلا أن باطلك أظهر.

ثم التفت إلى قيس الماصر، فقال: تمزج الحق مع الباطل وقليل الحق يكفي عن كثير الباطل، أنت والأحول قفازان حاذقان 36...

فقوله للأحول: قياس رواغ، يعني أنك كثير التقلب، وتستعمل نقض كلام الخصم بأن تقيس على كلامه فتخلق له ما ينقض كلامه، ولكن هذا عادة لا يفضي إلى معرفة الحقيقة، وإنما يفضي إلى غلبة الخصم، ولكن غلبة الخصم نوعان:
1- غلبة بإظهار الحق.
2- غلبة بالإتيان بباطل أقوى من باطل الخصم، ويبدو أن الأحول لم يكن يفرق بينهما، لذلك وجه له نقداً لاذعاً، واعتبر أن طريقته غير مقبولة.

وكذلك ما قاله لقيس الماصر، فإن مزج الحق بالباطل أمر غير مقبول، وقليل من الحق يغني عن كثير من الباطل.
وهذا معناه أن الإسلام يريد من المتكلم أن يصل إلى الحق والحقيقة لا مجرد إفحام الخصم وإسكاته، وهذه سلبية الكلام القديم.
والخلاصة: نحن مدعوون للإضطلاع بمهمة الدفاع عن الإسلام من خلال استخدام المناهج العلمية عينها التي تم استحداثها لنقد الفكر الديني للتأكد من صوابية ما نحن عليه.

ما هو المنهج العام الذي يوصلنا إلى الحق؟

ليس أمام البشر وسيلة لمعرفة الحق إلا القطع واليقين، لعدم وجود رتبة كشف عن الواقع أعلى منه، فكل ما سوى القطع واليقين ظنون وأوهام.
ويمكن الوصول إلى اليقين من خلال طريقتين

الطريقة الأولى: المنهج الوجداني: وهو المنهج الذي يعتمد على تصفية النفس من الشوائب للوصول إلى الكشف التام عن الحقيقة.
وهذا ما دعا إليه "عمانويل كانت" في نقده للعقل المحض، وسيأتي مزيد بيان لمذهبه.

ولكن سلبية هذا المنهج أنه لا يساعد الآخرين على الوصول إلى اليقين الذي وصل إليه صاحبه إلا من خلال البرهان، وهو عبارة عن الطريقة الثانية الآتية، أو من خلال سلوك ذات الطريق الذي سلكه صاحبه، وهو ما لا يتيسر للعامة عادة.

الطريقة الثانية: إقامة البرهان المورث لليقين، ويحصل من خلال اتباع المناهج التالية

1- المنهج العقلي: وهو عبارة عن البرهان المعروف في المنطق بالقياس، أي الانتقال من العام إلى الخاص.ولا بد فيه من ابتناء النظري على البديهي، والرجوع بالمقدمات إلى القضايا الضرورية الست المعروفة بالمنطق، وهي: الأوليات، الفطريات، المحسوسات، المتواترات، المجربات، والحدسيات.

2- المنهج التجريبي: وهو البرهان المعروف في المنطق بالاستقراء، شريطة أن يكون تاماً أو معللاً. وبه يتم الانتقال من الخاص إلى العام. ويلحق به الدراسات الميدانية، واستطلاعات الرأي الدقيقة والمحايدة.

3- المنهج النقلي: وذلك عندما تتوفر فيه دواعي حصول اليقين كالتواتر، أو ما يسمى بحساب الاحتمال، وذلك بتراكم القيم الاحتمالية من خلال ما يعرف بالمضعف الكمي أو المضعف الكيفي.

وعلى الرغم من أن النقليات عادة تُصنف في علم المنطق في باب المظنونات إلا أنه، وببركة منهج حساب الاحتمال تتحول إلى يقينيات عرفية مطمئن بها، تركن النفس إليها. وهو منهج لم يكن معروفاً قبل صدور كتاب "الأسس المنطقية للإستقراء" للسيد محمد باقر الصدر قدس سره.

ولا يخفى أن المنهج التكاملي الذي يعتمد أكثر من منهج مورث لليقين هو بدوره منهج مقبول في عملية البحث عن الحقيقة.

المحاضرة السابعة: أوجه التجدد في علم الكلام (4)

الغرض من المحاضرة: استكمال بيان أوجه التجدد التي طرأت على علم الكلام؟

أسئلة تمهيدية:
ما هو دور اللغة في العلم؟
ماذا يراد من التجدد في اللغة المستعملة في علم الكلام؟
هل التجدد في اللغة يؤدي إلى تجدد علم الكلام؟
هل هناك دواعٍ إضافية دعت إلى تجديد علم الكلام، وما هي؟

5- اللغة

ونقصد بذلك تغير اللغة التي يجب مخاطبة الآخرين بها لتبيين المسائل الكلامية والعقائد الدينية، وذلك لأن اللغة عموماً تطورت بمرادفاتها ومصطلحاتها، وبقواعدها، وتحليلاتها، وبمناهج الكشف عن دلالاتها. ولأن علم الكلام علم قائم على اللغة وعلى ما تقدمه لنا من وسائل الإيضاح والتعبير، لذا يمكن القول أن التجدد في علم الكلام هو بنحو ما "بيان الأفكار الدينية بلغة العصر" على أساس ضرورة وجود لغة مشتركة بين المتكلم والمخاطب، وهما هنا يمتلكان ذهناً ولساناً عصريين بالكامل.

فمثلاً: في علم الكلام التقليدي تطلق كلمة " خلق الأفعال " للتعبير عن أن الإنسان حر في فعل ما يشاء لأنه هو الخالق لأفعاله، إذن يراد بخلق الأفعال: الحرية، ولكن هذه الكلمة (أي خلق الأفعال) لا تعبر عن القضايا المطروحة اليوم، ولا تشد اهتمام أجيالنا كما تشده كلمة "الحرية".

يقول الدكتور حنفي: لقد دخلت إلى ثقافتنا مجموعة جديدة من الألفاظ: الحرية، الاشتراكية، الشيوعيـة، والماركسية، والشعب، الديموقراطيـة، والليبراليـة، لذا يجوز لعالِم الكلام أن يأخذ ما هو متاح في الساحة الثقافية بعين الاعتبار، وهو يحاول أن يعرض التوحيد من جديد 37.

واعتماداً على هذه المناهج العلمية واللغوية تم نقد الكتاب المقدس في أوروبا نقداً أدبياً ولغوياً، فكتب الكثير من الكتب في هذا المجال أفضت إلى نتائج تعريه من القداسة 38.

وهو ما حرك الكنيسة وعلماء الدين المسيحيين نحو المواجهة للدفاع عن كتابهم، فولد لديهم ما عرف بعلم الكلام المسيحي، ولا تزال المواجهات مستمرة إلى يومنا هذا.

ولسنا نحن المسلمين بمنأى عن هذه الموجة، فلا بد أن نعد لها العدة، ونتسلح بأسلحة العصر، ولغة العصر ولا نكتفي بالأسلحة القديمة، ولغة القدماء.ولكن لا يخفى أن تجدد اللغة بهذا المعنى يعد فرعياً نسبة إلى الوجوه المتقدمة.

معنى آخر للتجدد في اللغة
هناك معنى آخر للتجدد في اللغة أشار إليه البعض، وهو إعادة قراءة الفكر الديني على ضوء التغير الذي أصاب مجمل أضلاع الهندسة المعرفية لعلم الكلام، والخروج بفهم جديد اعتماداً على التوسع الحاصل في علوم اللغة يصبح بالإمكان الاقتراب أكثر من المعاني التي أراد الإسلام تبيينها.

يقول قراملكي ما ترجمته:المستوى الثاني للتجدد في اللغة له معنى آخر، وهو ما يسمى غالباً بالقراءة الجديدة للتعاليم الدينية. هذا المعنى للتجدد في اللغة ناشئ من التحول في سائر الأبعاد المعرفية للكلام. وعلى هذا الأساس يؤخذ علم الكلام الجديد بعنوان إعادة بناء الفكر الديني. وهذا هو المعنى الذي احترز عنه أكثر الذين حصروا تجدد علم الكلام بمسائله.

فالتجدد في اللغة بهذا المعنى يشكل خطراً على المعرفة الدينية التي قام عليها الإسلام إلى اليوم، وقد يصح إدراجه ضمن إطار " التفسير بالرأي " المذموم الذي حاربه الأئمة عليهم السلام. ولنا أن نتساءل حينئذٍ عن الضابطة التي من خلالها نستطيع أن نميز بين القراءة الجديدة للدين التي هي إحياءٌ له وتلك التي هي إماتة له 39.

وهذا التخوف في محله، وذلك لأن اللغة التي خاطب بها الشارع المقدس عموم الناس في ذلك العصر كانت تلك اللغة التي يفهمها أولئك الناس.
فإعادة قراءة كلماته على ضوء المعطيات الجديدة للغة اليوم يعني فهماً آخر مختلفاً كلياً عما أراد بيانه يومها. ولعل هذا ما أوقع بعض الباحثين المعاصرة في شبهة "نقد النص الديني " و"نقد الفكر الديني " و"نقد الخطاب الديني " على ضوء المستجد من المعطيات اللغوية، بحيث خرج بنتائج لا يمكن القبول بها إلى درجة عُد عمله تجديفاً على الدين وتأويلاً غير مقبول للنصوص الشرعية لا يعدو كونه تفسيراً بالرأي.

فإذا أردنا معالجة قوله تعالى ﴿ لا إكراه فيي الدين نجد أن هناك من يفهم منه جواز الكفر، واتباع أية مسلك يحلو له اعتقاداً وقولاً وممارسة، وبالتالي جواز المعصية، والقيام بأي عمل يريده، وعليه فلا يجوز لأحد أن يطبق عليه أي نظام ردعي أو نقدي باسم الإسلام، وبحجة حماية المجتمع، لأنه فهِم من الدين المعنى السائد اليوم في أذهان الناس وهو الانتماء المطلق لا مجرد الاعتقاد، فصار معنى الآية: لا يجوز منع أحد عما يريد أن يفعله من الأمور الدينية. بينما معنى الآية بحسب اللغة التي كانت سائدة في ظرف صدور النص: لا يمكن إجبار أحد على اعتناق عقيدة ما، وهو معنى الدين هنا، لأن العقييدة لا يمكن أن تحصل بالإكراه، ولا علاقة للآية بالممارسات العملية التي تصدر من غير المؤمن في مجتمع إسلامي، مما يعد إضلالاً للناس، وترويجاً للكفر، فهي محكومة بضوابط أخرى غير هذه الآية.

لا يقال: علم الكلام الجديد يدعونا إلى نبذ اللغة القديمة، واعتماد لغة العصر، بينما أنتم ترجعوننا إلى فهم النصوص بحسب اللغة التي كانت سائدة يوم صدورها.

فإنه يقال: علينا أن نفرق بين فهم النص الديني، ولغة الحوار العلمي مع أبناء العصر لعرض المفاهيم الدينية بنحو سليم ورد الشبهات المستحدثة بطريقة واضحة لا لبس فيها، ولا غموض. إن تطور اللغة يدعونا إلى إعادة النظر في خطابنا نحن، أما تفسير كلام غيرنا فله منهجه الخاص الذي يعمد إلى الكشف عن مراد المتكلم من خلال دراسة خلفياته المعرفية للتمكن من تحديد المعاني التي أرادها بكلامه. وأين هذا من ذاك؟

دواعي إضافية لتجديد علم الكلام:ويمكن لنا ملاحظة جهة مؤيدة لفكرة الفصل في المنظومة الكلامية الواحدة وخلق علم كلام حديث سوى ما تقدم من التغير الذي أصاب الأضلاع الهندسية المعرفية لهذا العلم، وهي أمران

1 - التخلص من سلبيات القديم
إن علم الكلام التقليدي حمل في طيَّاته مجموعة من الرواسب ذات الصفة السلبية، وذلك نتيجة وجود أفكار هابطة ومنحرفة لدى العديد من المدارس الكلامية أدت إلى تكوين فكرة سيئة عن علم الكلام والمتكلمين، خصوصاً في الفترة الأولى من نشوئه حين كان الفكر الديني لدى عامة الناس لا يزال بدائياً، أي حينما كان المتكلمون لا يزالون يعيشون في جوِّ التسليم المطلق دون الغوص في تعليل الأمور وفلسفتها، فكانوا يذهبون في تفسيرهم لبعض الظواهر أو تعليلهم لبعض الآراء مذاهب ركيكة ناشئة من عدم وجود نضوج كافٍ في تناول هذه القضايا، من هنا نشأت عند بعض الفرق الكلامية مقولات غير معقولة، وذلك كمقولات الحشوية عن تجسيم الله تعالى مثلاً وآراء بعض فرق الخوارج. إذن، ليس استيعاب الجديد بما فيه من حسنات وحده هو الذي يدعو إلى التجديد، بل التخلص من القديم بما فيه من سيئات كذلك.

2- مواجهة الشبهات المستجدة
توالد بعد عصر النهضة، وخصوصاً في القرنين الأخيرين، مجموعة علوم جديدة تناولت مختلف جوانب الحياة، منها ما يمس بالدين بشكل مباشر، من قبيل

- فلسفة الدين وما استتبعها من دراسة الأديان من خارج الدين وتحليل منشأ الدين لدى البشر، وإجراء مقارنة بين الأديان.
- الفلسفة الحديثة وما تركه "كانت" من تشكيك في إمكان الوصول إلى اليقين في الأمور الماورائية، وفي جدوى الدين في خلاص البشر من مشاكلهم، من خلال أسئلته الأربعة: ماذا أستطيع أن أعلم؟ وماذا أستطيع أن أفعل؟ وعلى ماذا أستطيع أن أعقد الأمل؟ ومن أنا؟
- علم النفس، وما ابتكره داورين من إشكالات حول تطور البشر، وبالتالي تطور معارفهم، ومنها الدينية، وما استتبعه من النزعة الإلحادية التي عمت العالم الغربي، فأنكر الخالق، ثم أنكر الدين.
- علوم الإنسان وما أثارته من تساؤلات حول الغرض من وجود الإنسان، وحول كون الدين في خدمة الإنسان أم الإنسان في خدمة الدين، ومن الذي خلق الآخر؛ الله، أم الإنسان؟
- العلوم السياسية وما طرحته من نقد العلاقة بين الدين والسياسة.
- العلوم الاجتماعية، وما اثارته من شكوك حول علاقة الانتاج وأدواته بالدين والأخلاق والروحيات إلى درجة اعتبار الدين أفيون الشعوب.
وقد ولد كل واحد من هذه العلوم مجموعة من الشبهات تُضعف فكرة الدين عموماً، وتدعو إلى الإلحاد واعتماد العلمانية بديلاً لمعالجة مشكلات البشر.

وبملاحظة كل هذا الكم الهائل من الشبهات التي تعترض طريق الدين من مختلف جوانب الحياة، كيف يمكن لنا أن لا نلجأ إلى علم كلام جديد يترك وراءه الكثير من الجدالات العقيمة، ويبرز إلى ساحة الصراع بعتاد جديد ورؤية وخطة جديدتين؟ هذا، فضلاً عن وجود مسائل بحثت في علم الكلام القديم، وهي من اختصاص علوم أخرى كالاقتصاد مثلاً وكالعلوم الطبيعية، ما يعني وجود تشويش في بُنية هذا العلم.

كل هذا ما يدعو اليوم لتجديد علم الكلام تجنباً لتلك السلبيات، ودفاعاً عن الإسلام في مواجهة الشبهات المستجدة، وبالتالي محاولة بنائه من جديد على ضوء ما وصل إليه الفكر الديني من نضج وغنى تفاعلاً مع التطور العلمي الحاصل في العصر الحديث.

المحاضرة الثامنة: علم الكلام الجديد

الغرض من المحاضرة: تقديم نبذة عن نشوء علم الكلام الجديد.

أسئلة تمهيدية:
كيف نشأ علم الكلام الجديد؟ وما هي دواعي نشوئه؟
ما هو دور الفلسفات الحديثة في تجديد علم الكلام؟
من هو أول من استعمل مصطلح " علم الكلام الجديد "؟ ومتى؟
ما هو دور علماء الشيعة في تجديد علم الكلام؟
ما هو موضوع وتعريف علم الكلام الجديد، وما هو سب تسميته بهذا الاسم؟

بعد أن ظهرت لنا ضرورة تجديد علم الكلام تبعاً لتجدد ما يسمى بالهندسة المعرفية فيه صار بإمكاننا أن نرسم صورة عن واقع هذا العلم فنقول:

نشأة علم الكلام الجديد

لم يمضِ على هذا المصطلح زمن طويل في ساحة الفكر والثقافة، ومن المقطوع به أنه ظهرت ارهاصاته الأولى مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حيث برزت معطيات علمية جديدة، كما أسلفنا، تُبرز العديد من المسائل الجديدة والأفكار والتساؤلات التي لم تكن مطروحة من قبل.

ومع تنوع العلوم وتطورها، خصوصاً تلك التي لها ارتباط بمسائل الدين، برزت الحاجة إلى إعادة النظر في عدد من المسائل المطروحة، وتجلت ضرورة الدفاع عن العقيدة الإسلامية من جديد ضمن الأطر الحديثة وعلى ضوء العلوم اللغوية والنفسية والاجتماعية والفلسفية الحديثة.

فمن المعلوم أنه منذ أن أصبحت الفلسفة تتمتع بنضج منطقي دخلت نطاق عمل المتكلمين، ولكن في نفس الوقت جاءت بشبهات واستفسارات في مقابل القضايا الدينية. لهذا السبب خاض المتكلمون الأوائل حرباً فكرية ضروساً مع الفلسفة، سواءٌ أستفادوا من مواضيع الفلسفة وأفكارها أم تبرأوا من كل ما هو فلسفي ومنطقي.

ومع نشأة الفلسفة النقدية والمذاهب المعرفية الحديثة في العالم المعاصر أصبح البحث حول حدود الفهم البشري يتمتع بجدية أكثر، فطرح على طاولة البحث السؤال التالي: ما الذي يمكن للبشرية معرفته وما الذي لا يمكن معرفته؟

ولا يخفى ما لعمانوئيل كانط (Immanuel Kant) وديكارت (Descartes)، ولودفيك وتنغشتاين (Ludwig Wittgenstein) من دور مهم في إبراز هذا التساؤل وأمثاله، مما أدى إلى نقد جميع البراهين الإلهية، ونقد إثبات وجود الله في علمي الكلام والفلسفة. حتى لقد قال البعض:
البذرة التي زرعها " كانط" في الفلسفة الحديثة أدت إلى عدم تجرؤ أكثر الفلاسفة والمتكلمين في عصرنا الحاضر على الإدعاء بالقول إنه يمكن إيجاد دليل يقيني وقطعي لإثبات وجود الله.

ولا نبالغ إذا ما شبهنا الوضع العام للمجتمع الإسلامي اليوم بذاك الذي كان سائداً أيام دخول الفلسفة اليونانية والأفكار الغربية إلى المجتمع الإسلامي في القرن الثاني الهجري. فإذا كان ذلك الجوُّ هو الذي فرض ولادة علم الكلام آنذاك فإن جواً مشابهاً إلى أبعد الحدود يفرض ولادة علم الكلام الجديد.

ظهور علم الكلام الجديد

ظهر مصطلح علم الكلام الجديد لأول مرة، فيما يبدو، كعنوان لكتاب ألفه العالم الهندي المسلم شبلي النعماني ( 1273 -1332هـ). ثم نقله إلى الفارسية محمد تقي فخر داعي كيلاني، وطبعه في طهران سنة 1329هـ تحت ذلك العنوان نفسه.

إلا أننا لا نستطيع أن نجزم بأن شبلي النعماني هو أول من نحت هذا المصطلح الذي أضحى عنواناً للاتجاه الحديث في إعادة بناء علم أصول الدين لكنه كان من أوائل الداعين إلى تجديد علم الكلام بغية الرد على الشبهات الحديثة والدفاع عن الشريعة المقدسة.

فقد ذكر شبلي النعماني في مطلع كتابه هذا " أن علم الكلام القديم يُعنى ببحث العقائد الإسلامية، لأن شبهات الخصوم كانت ترتكز على العقائد فقط، بينما يجري التأكيد هذا اليوم على الأبعاد الأخلاقية والتاريخية والاجتماعية في الدين. وتتمحور الشبهات حول المسائل الأخلاقية والقانونية من الدين، وليس حول العقائد، فإن الباحثين الأوروبيين يعتبرون الدليل الأقوى على بطلان الدين هي مسائل تعدد الزوجات والطلاق والأسرى والجهاد. وبناءً على ذلك سيدور البحث في علم الكلام الجديد حول مسائل من هذا القبيل حيث تعتبر هذه المسائل من اختصاص علم الكلام الجديد" 40.

ثم إن وحيد الدين خان قال في مقدمة كتابه "الإسلام يتحدى " الذي صدر عام 1964 م. في معرض بيان المبررات التي دعته لتأليف كتابه هذا

طريقة الكلام وأسلوبه قد تغيرا بتغير الزمن، ولذا علينا أن نأتي بعلم كلام جديد لمواجهة تحدي العصر الحديث 41.وبعد ذلك بسبعة أعوام أصدر وحيد الدين خان كتابه الثاني بعنوان "الدين في مواجهة العلم "، وأردفه بدراسة أعدها بعنوان: نحو علم كلام جديد، وألقاها في ندوة: "تجديد الفكر الإسلامي " التي عقدتها الجامعة الملِّية بدلهي في 27 ديسمبر 1976م. ثم نقل ابنه ظفر الإسلام خان هذه الدراسة إلى العربية ونشرتها دار النفائس في بيروت ضمن كتاب يضم مجموعة دراسات أخرى بعنوان "الإسلام والعصر الحديث " سنة 1983" 42.

وأما لدى الباحثين العرب فقد ذكر مصطلح "علم الكلام الجديد" الدكتور فهمي جدعان سنة 1976 م. في كتابه " أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث".

علم الكلام الجديد عند الشيعة

وأما في الساحة الشيعية فقد كان للعالم المجاهد جمال الدين الأفغاني الأسد آبادي (1838-1897م) الذي درس في النجف الأشرف الفقه والأصول على المرحوم الشيخ مرتضى الأنصاري والفلسفة والعرفان على يد الفيلسوف ملا حسين قلي همداني، كان له دور كبير في دفع علم الكلام إلى الأمام من خلال التعرض للرد على شبهات أعداء الإسلام المعاصرة له.

فقد تناول بيد التجديد والحداثة العديد من الأفكار والمفاهيم الإسلامية وأجاب عن الشبهات المرتبطة بالفكر الإسلامي عموماً من خلال خطبه وكتاباته الغزيرة، خصوصاً ما نشر في مجلة " العروة الوثقى " و"الرد على الدهريين " و"الرد على رينان في زعمه أن الإسلام لا يشجـع على البحث العلمي ".

وعن دوره المهم في هذا المضمار يقول الشهيد المطهري:" بدأ (الأفغاني ) بالدفاع عن الإسلام ضد الشبهات التي طرحتها أوروبا على الإسلام في ذلك الوقت. كانت الشبهات التي تطرح ذلك اليوم في اوروبا هي أن الإسلام دين الجبر ودين القضاء والقدر، دين ينفي حرية الإنسان، وأن العامل الرئيسي لانحطاط المسلمين هو اعتقادهم بالقضاء والقدر الجبريين. وكانوا يقولون: إن الإسلام ضد العلم. وإن علة ابتعاد المسلمين عن العلم يكمن في الإسلام.

لكن الأسد آبادي دافع عبر مقالة في مجلة العروة الوثقى عن نظرية القضاء والقدر في الإسلام، واثبت أنهما بمحتواهما الإسلامي لا يعتبران من عوامل الإنحطاط بقدر ما يعتبران من عوامل التقدم والتعالي والرقي.

وأجاب على شبهات "أرلنت نان " الفيلسوف الفرنسي المعاصر له والذي كان يتهجم على الإسلام بشدة، واعتبره ضد العلم وعاملاً لانحطاط المسلمين 43.

ثم كان للميرزا محمد حسين النائيني (1860- 1936) دور بارز أيضاً في دفع الفكر الديني إلى التجدد من خلال ما قدمه في كتابه "تنـزيه الملة وتنبيه الأمة" الذي دافع فيه عن ثورة "المشروطة" في إيران مبيناً النظرة الجديدة لأصول ومباني السياسة الإسلامية ونظرة الإسلام إلى المجتمع وعلاقة المجتمع بالدولة وغير ذلك من الأفكار الجديدة التي كانت ولا تزال الأمة الإسلامية بأمس الحاجة إليها.

ولا يبعد أن يكون متأثراً فيما دعا إليه بمعاصره الأفغاني الذي كان كثيراً ما ينـزل في داره كلما زار سامراء 44.وفيما بعد كان للإمام روح الله الموسوي الخميني قدس سره دور عظيمٌ أيضاً في هذا المجال، فقد أعطى الفكر الديني بعداً حيوياً من خلال تطبيق نظرية ولاية الفقيه على ساحة الواقع، وهي نظرية حضارية وتقدمية جداً، وتعد من أهم بحوث علم الكلام الجديد.

وموضوع نظام الحكم في الإسلام ووحدة الدين والسياسة ودور رجال الدين في قيادة الأمة تعتبر من ابرز وأهم المسائل الكلامية في علم الكلام الجديد، وقد تصدى الإمام لبيانها وتطبيقها على أفضل نحوٍ بحيث شكل ذلك صدمة للغرب الذين لم يكونوا يرون في الإسلام سوى الضعف والانحطاط والتخلف.

ولا يمكن تجاوز الدور المهم الذي قام به الشهيد السيد محمد باقر الصدر، رضوان الله عليه، في هذا الخصوص، فلقد كان لكتبه التي بيَّن فيها المباني الاقتصادية والفكرية والسياسية للإسلام بنظرة عصرية لاقت اهتماماً خاصاً لدى علماء الإسلام وعلماء الغرب على حد سواء، خصوصاً كتابه الشهير "الأسس المنطقية للإستقراء" (1971م)، ومجموعة "الإسلام يقود الحياة " التي ألفها قبل شهادته (1979) بقليل.

ولقد تجلى الاتجاه الجديد في التفكير الكلامي في آثار العلامة الطباطبائي خصوصاً في كتابه " أصول الفلسفة والمذهب الواقعي " وتعليقات تلميذه الفذ الشهيد الشيخ مرتضى مطهري عليه.

سعى الشيخ المطهري، رضوان الله تعالى عليه، سعياً حثيثاً لإرساء أسسٍ منهجيةٍ لتجديـد علم الكلام، وكتب تصوراته بشأن تلك الأسس، ودعا بصراحة إلى تأسيس علم كلام جديد في كتابه " الوظائف الأساسية والوظائف الفعلية للحوزات العلمية " انطلاقاً من مجمل ما قدمناه عن واقع هذا العلم، ومدى أهميته في إحياء وتجديد الفكر الديني 45.

وقد بالغ البعض في تعظيم دور الشهيد مطهري إلى حد إعطائه براءة اختراع علم الكلام الجديد، فقال: "ينبغي أن ننوه هنا باسم الشهيد الكبير مطهري الذي يعتبر أول من طرح الفكر الجديد في الكلام الإسلامي، ويجب أن ندعوه باسم "مؤسس الكلام الجديد" 46.

سبب تسميته بعلم الكلام الجديد

علم الكلام الجديد هو في جوهره علم الكلام التقليدي القديم، ولكنه تكامل وتتطور في مجمل نواحيه المعرفية فبدا وكأنه علم آخر، شأنه في ذلك شأن البذرة التي تنمو حتى تصبح ثمرة فلا تعود تشبه تلك البذرة في شيء من صفاتها، ولكنهما في الجوهر واحد.

فبعد تجدد كل ما يحيط به على أثر المعطيات العلمية الجديدة من علم النفس والاجتماع والفلسفة النقدية والمادية والوجودية، كان لا بد من إعادة طرحه بثوبه الجديد الذي يتلاءم مع الواقع الجديد، لهذا سمي علم الكلام الجديد في إشارة إلى أمرين

1 - أنه في جوهره عين علم الكلام القديم، بدليل أنه ينطلق نحو الغاية نفسها التي كان ينطلق القديم لتحقيقها، وهي الدفاع عن الدين الإسلامي. ويحتفظ بموضوعه مع توسعة فيه جعلته أشمل مما كان عليه.
2- أنه يختلف عن القديم في أنه متجدد في مجمل أبعاده المعرفية كما مر

موضوع علم الكلام الجديد وتعريفه


تبين مما تقدم أن علم الكلام الجديد يدور حول محور أكثر اتساعاً وشمولية مما كان سابقاً، فهو يبحث عن الأمور العقائدية والأمور الأخلاقية، بل عن بعض الأمور الفرعية المختلفة في مجالات شتى، وهو ما يجمعه كلمة " القضايا الفكرية ".

وبذلك صار موضوعه الذي تدور حوله مسائله: " القضايا الفكرية في الإسلام ".
وبناءً على ذلك يمكن تعريفه بالقول: "هو علم يبحث في تبيين وإثبات القضايا الفكرية الإسلامية والدفاع عنها."

المحاضرة التاسعة: تطبيقات "الله والإنسان"

الغرض من المحاضرة: عرض مسألة مستجدة من مسائل علم الكلام الجديد.

أسئلة تمهيدية:
ما هي العلاقة بين الله والإنسان؟ ومن خلق الآخر؟
كيف نرد الشبهة القائلة بأن الناسوت يؤسس اللاهوت؟
كيف استفدنا من لغة العصر في مواجهة الشبهة؟
ما هو المنهج الذي اتبعناه في رد الشبهة؟

هناك جدلية مستجدة بين فلاسفة العصر الحديث قائمة بين وجود الله ووجود الإنسان، أيهما وجد قبل الآخر، وأيهما في خدمة الآخر؟

بيان الشبهة

المعروف أن الإنسان ليس سوى آية ومظهر من آيات الله ومظاهره، فليس له وجود سوى بالله تعالى، فالله تعالى هو الموجود الحقيقي المستقل القائم بنفسه، وهو الذي خلق الإنسان، وأوجده على ماهيته التي هو عليها، فالإنسان كسائر المخلوقات هو الوجود الرابط المتعلق بعلته الذي لا تحقق له بدونها.

هذا هو ما كان سائداً في الفلسفة الكلاسيكية والأديان عموماً، والذي ظل سائداً إلى عصر النهضة وبالتحديد إلى زمن ديكارت. ثم إن هذه النظرة تغيرت منـذ أن طرح ديكارت تأملاته في الله والإنسان، حيث زعم أنه اكتشف الله بعدما تيقن بوجود نفسه (أنا أفكر، إذن أنا موجود )، فصار الإنسان هو الأساس الذي يمكن من خلاله الوصول إلى الله، بل لولا الإنسان لا وجود لله، لأن الإنسان هو الموجود الحقيقي الذي نتيقن منه، ومن خلاله نكتشف وجود الله، وذلك باعتبار أن الإنسان بتأمله في ذاته يتوصل إلى فكرة الإله، فلولا الإنسان لم يكن للإله وجود لأن الله تعالى كائن اعتباري قائم بالإنسان الذي هو كائن موضوعي.

"وقد كان الإنسان قبل ديكارت مجرد كائن مخلوق ينتظر الدينونة كما في الشكل اللاهوتي والنمط النبوي، أو كان مجرد مرتبة من مراتب الوجود تطمح إلى الصعود والترقي عبر المعرفة والتصفية كما في الشكل الفلسفي والنمط العرفاني.مع ديكارت تنقلب الآية لمصلحة الإنسان الذي يغدو هو المحور والمرجع واللاعب الأساسي على المسرح "47.

والمقصود أنه كان يتم التركيز على الله فقط، وما كان يجوز الاهتمام بالإنسان إلا من خلال علاقته بالله أو عبادته له. ثم تمَّ الانتقال بعد عصر النهضة في أوروبا إلى التركيز على الإنسان والاهتمام به كقيمة بحد ذاته، وهو ما يسمى بالنزعة الإنسانية 48.

الفلسفة الإنسانية والعلمانية

تقوم الفلسفة الحديثة على "أنسنة الله، أو ما يسمى بـ "الفلسفة الإنسانية"، أي: محورية الإنسان. فالإنسان هو محور الوجود، والله واحد من مخلوقاته.

واختصر بعضهم الموقف بكلمة: "الناسوت يؤسس اللاهوت". وشرح ذلك على النحو التالي: "الإنسان بديهي قبلي، إذ لا يسبق تصوره في الذهن تصور آخر، بل هو الذي يجعل التصور والحكم أمراً ممكناً، في حين أن الإلهي اعتبار بعدي، إذ هو يُستنبط على نحو بعدي، ويحتاج إلى النظر والتدبر. والاعتباري لا يتحقق بذاته بل بغيره. فالإنسان هو أصلي في الذهن، وأما الإلهي فيتحقق به، وينبني عليه، أي عن طريق العقل والعلم … وعليه فالناسوت هو الذي يؤسس اللاهوت" 49.

بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك حيث آمنوا بالعلمانية مقابل الإلهية، لأن الإلهية مخلوق ومبتدع من مخلوقات الإنسان ومبتدعاته العلمية، خلقها منذ القدم لسد حاجاته الروحية، ولذلك خلق الإنسانُ اللهَ على صورته، وجعله له ومعه وبه.

"فلا مناص من أنسنة الوحي الإلهي على يد الإنسان، لأن هذا الأخير يدرك الله على صورته ومثاله، وبحسب ما يوحي به مخياله... ويتم تأميم الله بحسب الأقوام ولغاتهم وثقافاتهم، إذ كل أمة تدركه، أيضاً، على صورتها، وبحسب لغتها، كما جرى مثلاً، تهويده على يد العبرانيين،وأغرقته على يد اليونان، أو تعريبه على يد العرب. وكذلك الحال في كل أمة، وكل طائفة، وكل مجموعة، بل هذا شأن كل فرد وواحد من الناس، يتخيله بحسب صوره واستعاراته، ولهذا قيل: إن الطرق إلى الله بعدد أنفس الخلائق" 50.

من هنا يظهر الوجه الآخر من الشبهة، وهو أن الإنسان خلق الله كفكرة يركن إليها لأنه حاجة ضرورية له، فهو يحتاج إلى الإيمان بالغيب والقدرة المطلقة ليستعين بها على الصعاب التي تواجهه، وليعلل بها نفسه عند الخسارة، وليعلق عليها آماله هروباً من اليأس. لذلك لا ترى أمة من الأمم أو مجتمعاً من المجتمعات يخلو من الإيمان بالغيب كقدرة مطلقة يتم التعلق بها عند الحاجة.

"الغيبي هو مبدأ من مبادئ الاجتماع، وبهذا المعنى لا اجتماع، أكان حديثاً أم قديماً، يخلو من أبعاد غيبية قدسية، ومن طقوس رمزية سحرية، ذلك لأنه لا اجتماع بلا عقيدة، ولا عقيدة إلا وتحيل إلى غائب"51.

إذن، لم تُخلق فكرة الله ليكون الإنسان مطيعاً لربه منضبطاً بإرادته في كل حركاته وسكناته كما يفعل المتدينون، وإنما خلقت لتعين الإنسان في مواجهة الصعاب.

وبعبارة أخرى: إن الإنسان ابتكر فكرة الله ليكون الله في خدمة الإنسان، وليس ليعيش الإنسان، ولا هدف له إلا عبادة الله وإطاعته.فالفلسفة الإنسانية تقوم على فكرة أن الإنسان هو الأساس، وأن الله في خدمة الإنسان، بينما الفكر الديني التقليدي كان يقلب المعادلة، ويجعل الإنسان في خدمة الله، وليس له إلا الطاعة والانقياد.

مناقشة وتحليل

لا ريب أن فكرة "أنسنة الله " فيها الكثير من المغالطة. ولبيان ذلك لا بد من تقديم مقدمة

الوجود الخارجي والوجود الذهني

أثبتت الفلسفة أن هناك عالَمين، هما :

1 - عالم الواقع، وهو المسمى بالوجود الخارجي، وهو الوجود الذي تترتب عليه الآثار الخارجية كترتب أثر الإحراق على وجود النار.
2 - عالم المعرفة، وهو المسمى بالوجود الذهني، وهو الوجود الذي لا تترتب عليه الآثار الخارجية، كوجود النار في الذهن، فإنها لا تحرق، وإنما يترتب عليه آثار أخرى من قبيل طرد الجهل عن النفس الذي حصلت لها المعرفة.

وعليه ففي هذه المسألة نرى أن هناك عالمين، عالم يوجد فيه الله تعالى بوجوده العيني، وهو المؤثر في الأشياء، يخلقها، ويعدمها، يحييها ويميتها، وهو علة الأشياء.

وفي هذا العالم الخارجي ليس الإنسان سوى معلول تابع في وجوده لعلته وخاضع في حياته وقدرته لمشيئة الله تعالى وإرادته، فهو مجرد وجود رابط شأنه في ذلك شأن كل معلول، كما تقرر في علم الفلسفة.

وأما في العالم الذهني فالله تعالى موجود بوجوده الإسمي، أي هو مجرد معلوم بالذات كاشف عن المعلوم بالعرض الذي هو الوجود الخارجي.فإذا آمن الإنسان وصدق بوجود الله في الخارج، من خلال الإيمان بكشف الوجود الذهني عن الوجود الخارجي، فهو مؤمن بالله، وليس خالقاً لله.
ومن هنا يسمى المؤمنون به عالمين وعارفين، لا خالقين وموجدين.

رد الشبهة

بناء على المعطيات المتقدمة نصل إلى النتائج التالية:
1 - إن إعطاء الاسم الصورة الذهنية المفترضة دور الله الواقعي الحقيقي الخارجي مجرد مغالطة تم فيها استخدام كلمة واحدة ذات معنيين، ثم رتب على أحد المعنيين حكم الآخر. فكلمة الله لها معنيان: الله الاسم، والله المسمى. وما للإنسان دور في إيجاده هو الاسم، بينما المسمى هو الموجد للإنسان. وعدم التفريق بينهما يؤدي إلى الاشتباه.

والإنسان يتصور الله تعالى حسب ما لديه من قدرة ذهنية وثقافة ومعرفة تساعدانه على خلق صورة افتراضية حاكية عن الخارج قدر الإمكان. لهذا يختلف حال الناس في تصور الله تعالى، وهذا ما جعل البعض يقول: خلق الانسانُ الله على صورته.

روي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال لبعض أصحابه: كل ما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم. والبارئ تعالى واهب الحياة، ومقدر الموت، ولعل النمل الصغار يتوهم أن لله تعالى زبانيين أي قرنين، فإنهما كمالهما، ويتصور أن عدمهما نقصان لمن لا يكونان له. هكذا حال العقلاء فيما يصفون الله تعالى به فيما أحسب. وإلى الله المفزع 52.

ولا يخفى أن أية صورة مفترضة له تعالى هي غير مطابقة للواقع، لأنها مصنوعة مما لدينا من صور محسوسة أو متخيلة أو متوهمة، كما روي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: ما توهمتم من شيء فتوهموا الله غيره 53.

إذ الله تعالى لا ماهية له لتحضر إلى الذهن كما هو حال حضور سائر الأشياء، وإنما هو وجود بحت، ولا يمكننا معرفته معرفة حصولية إلا من خلال اسمه وآثاره كعلمنا بوجود العلة المجهولة الماهية من خلال وجود معلولها.

ولذا ترى الذاكرين والمسبحين يتعاملون مع الاسم بالذكر والتسبيح والتقديس، قال تعالى: ﴿سبح اسم ربك الأعلى 54.
وقال ايضاً: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ55
وقال أيضاً: ﴿تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام56.

نعم، تسبيح الاسم هنا لا بما هو مفهوم، وإنما بما هو عنوان، أي بما هو كاشف عن الواقع الخارجي، فيكون التسبيح حقيقة لله تعالى، لا لاسمه بما هو اسم، إذ لا قيمة للإسم إلا إذا كان مطابقاً للمسمى كاشفاً عنه، وهذا هو حال اسم الله، عز وجل.

قال الإمام الباقرعليه السلام:هل سمي عالماً وقادراً إلا لأنه وهب العلم للعلماء، والقدرة للقادرين؟57

ومن يخترع أسماءً لا واقعية لها، ثم يزعم أنها آلهة، فيسبحها، ويقدسها، ويستعين بها، كما توهم أصحاب الشبهة، هم مفترون على الله، مدعون أمراً باطلاً. قال تعالى:﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ58.

وبما أن المعلوم بما هو اسم غير المعلوم بما هو عين، وإن كان نفسه بالحمل الأولي، لا بالحمل الشايع، فما نعطيه للاسم من أحكام مغاير لما يكون ثابتاً للعين منها، والله الحقيقي الذي يستحق العبادة، والذي هو الأصل والأساس والمحور، هو العين لا الاسم. من هنا نعلم أن الاعتباري هو الاسم المعلوم، والحقيقي هو المسمى العين.

ومن يتعامل مع الله الاسم معاملته مع الله المسمى فقد أنكر الله تعالى بالكلية. وهذا ما أشارت إليه كلمات المعصومين عليهم السلام حيث بينوا لنا الفرق بين الحالين، وحكم كل منهما.

ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال: الله مشتق من إله، وإله يقتضي مألوهاً، والاسم غير المسمى، فمن عبد الاسم دون المعنى، فقد كفر، ولم يعبد شيئاً. ومن عبد الاسم والمعنى، فقد أشرك، وعبد الاثنين. ومن عبد المعنى دون الاسم، فذلك التوحيد59.

وعن الإمام أبي جعفر الباقرعليه السلام:إن من عبد الاسم دون المسمى بالأسماء أشرك وكفر وجحد، ولم يعبد شيئاً …60

2- النزعة الإنسانية بهذا المعنى المشار إليه في الشبهة تنطوي على إلحاد ونكران الخالق، وذلك لأن عالم وجود الكائنات سابق على وجود الإنسان، كما أثبته العلم، بملايين السنين. وعليه، فماذا يقال في علة وجود خلق الكائنات قبل أن يوجد الإنسان ليخلق في ذهنه فكرة الله.

ولا نجد جواباً عند أصحاب هذه النظرية، ولكن ليس أمامهم إلا القول بأزلية المادة أزلية ذاتية، وأنها واجبة الوجود بذاتها، أي يبنون شبهتهم على الفلسفة المادية التي ثبت بطلانها في محله.

إذن، ففي تحليل هرمنوطيقي لمنشأ فكرة " أنسنة الله " نخرج بنتيجة مفادها: إن "إنسنة الله" إحدى متفرعات الفلسفة المادية الماركسية القائمة على مبدأ إنكار الله تعالى، ولكنها متسترة تحت ستار " النزعة الإنسانية ".

3- إن تحليلاً بسيطاً لمستقبل فكرة "أنسنة الله " يكشف لنا أنها متقاطعة مع الفلسفة المثالية، بل مع أسوأ أنواعها، وهي المثالية القائمة على فكرة أنكار الوجود الموضوعي، وعدم الاعتراف إلا بالوجود الذهني للأشياء.

يقول الفيلسوف الفرنسي المثالي "ليون برانشفيك" (1896- 1944م):إن الشيء الذي يعلو على معرفتنا، ولا يقبل التحديد المعرفي فهو والعدم على حد سواء "61.

وهي فلسفة تؤدي في النهاية إلى السفسطة، وبالتالي أنكار الواقع الخارجي إنكاراً تاماً. وهو ما واجهه قدماء اليونانيين من الفلاسفة، وغالب فلاسفة الغرب، ومنهم ديكارت نفسه. إنها فلسفة إلحادية، ولكن، بطريقة حديثة، ومبطنة.

الخلاصة

يمكن القول: إن الفلسفة العصرية التي تزعم أنها تؤمن بالله هي فلسفة ضلت الطريق، فآمنت بالله الذهني، وأنكرت الله الحقيقي، وعبدت الاسم وتركت المسمى، وما يقولونه في هذا المجال عن الله، وما يرتبونه من أحكام ليس ثابتاً لله، وإنما لاسمه ووجوده العلمي.

ملاحظات تطبيقية

بعد الانتهاء من معالجة شبهة "الله والإنسان" نلاحظ ما يلي:
1- المسألة رغم أنها عقائدية، وتدخل في علم الكلام باعتبار ما، إلا أنها مستجدة في طرحها، حيث أخذت حيزها من الوجود بعد بروز الفلسفة الإنسانية ما بعد ديكارت، ولم تكن معروفة بهذا النحو من قبل، فلا وجود لها في كتب الكلام القديم، وهي تشكل خطورة على فكرة الدين الإسلامي من خلال ترويجها لفكرة العلمانية والتعامل مع الدين كمجرد حاجة اجتماعية، واعتبار أن الله مخلوق للإنسان.

2- إن المبادئ التي اعتمد عليها الجواب هي مبادئ فلسفية عقلية، بُحثت في الفلسفة الإسلامية والمنطق الصوري، وتم الفراغ عنها، وأخذت هنا أخذ المسلمات.

3- إن الدفاع عن الإسلام في هذه المسألة لم يخرج عن الإطار الذي رسمه لنا الإسلام، فتمت صياغة الفكرة في الجواب بإرشاد من القرآن الكريم، وشواهد من كلمات أهل البيت المعصومينعليهم السلام.

4- إن اللغة المستعملة هي لغة متناسبة مع العصر، من حيث استخدام المصطلحات المعروفة لدى الباحثين العصريين. من قبيل:"أنسنة الله"، "العلمانية"، "أنسنة الوحي الإلهي"، الاسم المسمى"...

5 - إن معالجة هذه الشبهة اعتمدت على المنهج العقلي، من حيث التحليل والتركيب، فتم تحليل الشبهة إلى عناصرها الأولية بالتفريق بين الوجود الذهني والوجود الخارجي، وبين الاسم والمسمى.

ثم تم إظهار الوجه في المغالطة المخفية في الشبهة بالتفريق بين الله الاسم والله المسمى، بما يوصلنا إلى معرفة الواقع، لا مجرد إسكات الخصم.كما تمت الاستفادة من بعض المناهج العلمية الخاصة كالمنهج الهرمنوطيقي لمعرفة منشأ فكرة " أنسنة الله "، وكشف الخلفية الفكرية التي ولدت هذه الفكرة.


1- الإيجي، عبد الرحمن، المواقف في علم الكلام، ج1، بيروت، عالم الكتب، ص 7.
2- ابن خلدون، المقدمة، ط. 5، بيروت، دار القلم، 1984، ص 458.
3- الجرجاني، علي بن محمد، كتاب التعريفات، بيروت، دار السرور، ص 124.
4- الأشعري، أبو الحسن علي بن إسماعيل، مقالات الإسلاميين، ج1، بيروت، دار الحداثة، ط.2، 1985، ص 311.
5- السيوري، مقداد بن عبدالله المعروف بالفاضل المقداد، النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر، قم، انتشارات مصطفوي، ص 5.
6- الشهرستاني، محمد بن عبد الكريم، الملل والنحل، ج1، قم، منشورات الرضى، 1367 هجري شمسي. ص 49.
7- الغزالي، محمد بن محمد، المنقذ من الضلال، مطبوع ضمن مجموعة رسائل الغزالي، بيروت، دار الفكر، 1996، ص 540 .
8- الصدوق، علي بن الحسين بن بابويه، التوحيد، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1398 هـ، ص 456، حديث9.
9- المصدر السابق، ص 458، حديث 22.
10- سبحاني، جعفر، معالم النبوة في القرآن الكريم، 1984، بيروت، دار الأضواء، ص 278.
11- يستفاد هذا المعنى من مجمل كلام تفضل به سماحته في بعض محاضراته التي ألقاها في بيروت أواخر صيف 1999. يمكن مراجعة مجلة بقية الله، عدد خاص لشهر شعبان1420هـ.
12- خاقاني، د.محمد، أمر بين أمرين، بيروت، دار الهادي، 1999، ص 73.
13- المصدر السابق، ص 72.
14- فضل الله، السيد محمد حسين، الندوة، ج1، بيروت، دار الملاك، ص333
15- خاتمي، د.محمد، بيم موج، بيروت، دار الجديد، 1999، ص 153.
16- خاقاني، محمد، أمر بين أمرين، مصدر سابق، ص 523.
17- الصدر، السيد محمد باقر، مجموعة الإسلام يقود الحياة، صورة عن اقتصاد المجتمع الإسلامي، بيروت، دار التعارف، 1979، ص22.
18- الصدر، السيد محمد باقر، اقتصادنا، بيروت، دار التعارف، 1981، ص 400.
19- يراجع مثلاً: شقير، محمد، دراسات في الفكر الديني، بيروت، دار التيار الجديد، 1998، ص 16، وفرامرز قراملكي، أحد، تحليل مفهوم التجديد في الكلام الجديد، ترجمة حبيب فياض، مجلة المنطلق، عدد 119، ص 18.
20- شقير، مصدر سابق، ص 15.
21- ملكيان، د. مصطفى، "اقتراح دفاع عقلائي أز دين"، مجلة "نقد ونظر"، عدد 2، ربيع 1374 هـ. ش.، ص 36.
22- الأشعري، ابو الحسن، مقالات الإسلاميين، ج 2، ص 13- 14.
23- الطباطبائي، محمد حسين، بداية الحكمة، ص 92.
24- وهي أن نمر من النقطة أ إلى النقطة ج، دون المرور بما بينهما، أي النقطة ب. ولولا الطفرة لما أمكن اجتياز أية مسافة، لأن اجتياز مسافة غير متناهية لا يمكن في زمن متناه.
25- سورة الرعد، آية 5.
26- حنفي، حسن، مقابلة أجرتها معه مجلة المنطلق، عدد120، بيروت، ص73.
27- حنفي، حسن، مصدر سابق.
28- فرامرز قراملكي، أحد، مصدر سابق، ص 18.
29- مادة نهج.
30- مادة منهج.
31- بدوي، عبد الرحمن، مناهج البحث العلمي، ط 3، 1977، ص 5.
32- الجرجاني، كتاب التعريفات، ص 78.
33- الصدر، محمد باقر، فلسفتنا، ص 197.
34- أوجبي، علي، إطلالة على المسار التطوري لعلم الكلام، المطبوع ضمن كتاب "علم الكلام الجديد وفلسفة الدين، إعداد عبد الجبار الرفاعي، دار الهادي، بيروت، 2002، ص 210.
35- حنفي، مصدر سابق، ص 71.
36- الكليني، الكافي، ج 1، ص 173- 174.
37- حنفي، مصدر سابق، ص 76.
38- حداد عال، غلام رضا، المدنيات الجديدة في علم الكلام، المطبوع ضمن كتاب "علم الكلام الجديد وفلسفة الدين، إعداد عبد الجبار الرفاعي، دار الهادي، بيروت، 2002، ص 199.
39- قراملكي، احد فرامرز، هندسه معرفتي كلام جديد، طهران، مؤسسه فرهنكي دانش وانديشه معاصر، 1378 هـ.ش.، ص136.
40- النعماني، شبلي، "علم كلام جديد"، ترجمة محمد تقي فخر داعي كيلاني، طهران، 1329 هـ. ش.، ص 420.
41- خان، وحيد الدين، الإسلام يتحدى، مدخل علمي للإيمان، الكويت، 1981، ص 24.
42- الرفاعي، عبد الجبار، الاتجاهات الجديدة في علم الكلام، مدخل تاريخي، مجلة التوحيد، عدد 96 ص 14- 41.
43-المطهري، مرتضى، الحركات الإسلامية في القرن الرابع عشر الهجري، ترجمة صادق العبادي، طهران، وزارة الإرشاد الإسلامي، 1402 هـ، ص 31.
44- السيف، توفيق، ضد الاستبداد، بيروت، المركز الثقافي العربي، 1999، ص 20.
45- مطهري، مرتضى، الوظائف الأساسية والوظائف الفعلية للحوزات العلمية، قـم، ص49.
46- همتي، د. همايون، مدخل إلى مبادئ الكلام الجديد، ترجمة حسين صفي الدين، مجلة المنطلق، عدد 119، ص 69.
47- حرب، علي، الفكر الفلسفي الحديث هو قراءة في الكوجيتو، مقالة في جريدة السفير، 31 /5 / 96.
48- معلوف، حبيب، نقد كتاب النزعة الإنسية في الفكر العربي لمحمد أركون
49- حرب، علي، نقد الحقيقة، بيروت، المركز الثقافي العربي، 1993، ط.1، ص 67.
50- المصدر السابق.
51- المصدر السابق، ص 71.
52- العاملي، الشيخ البهائي، مشرق الشمسين، مكتبة بصيرتي، قم، ط. حجرية، ص 398. وميرداماد محمد باقر الحسيني الأستر آبادي،الرواشح السماوية، ص 205- 206.
53- الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية، ط. 5، 1363، هـ. ش. ج 1، ص 101.
54- سورة الأعلى، آية 1.
55- سورة الحج، آية 27.
56- سورة الرحمن، آية 78.
57- البهائي، مشرق الشمسين، مصدر سابق.
58- سورة يوسف، آية 40.
59- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج1، بيروت، دار التعارف، 1990، ص 142، ح2.
60- المصدر السابق، ص 143، ح3.
61- زيادة، معن، الموسوعة الفلسفية العربية، معهد الإنماء العربي، بيروت، 1988، ج2، ص1212.(المثالية).

12-05-2010 | 15-35 د | 29868 قراءة

الإسم
البريد
عنوان التعليق
التعليق
لوحة المفاتيح العربية
رمز التأكيد


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net