جاء في خطبة رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه".
الهدف:
تذكير الصائمين أنّ الجوع والعطش الذي يشعر به الصائم ما هو إلّا لاستحضار يوم الجوع الأكبر والإستعداد له.
مقدّمة
إنّ الإخلاص في النيّة والتوجّه إلى الله تعالى شرط في صحّة أيّ عبادة، والصوم من العبادات الجامعة للكثير من جوانب صقل شخصيّة الإنسان والتي يأتي في مقدّمتها استحضار الآخرة وأهوالها والقيامة وأخطارها والحساب وشدّته، ومن هنا كان تذكّر هذه المسائل سلوى الصائم بما يستوجبه ذلك من عظيم الأجر وجزيل الثواب.
تذكر أحوال الآخرة
عن الإمام الرضا عليه السلام في بيان إحدى علل وجوب الصوم: "......لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش، ويستدلّوا على فقر الآخرة، وليكون الصائم خاشعاً ذليلاً مستكيناً مأجوراً محتسباً عارفاً صابراً لما أصابه من الجوع والعطش، فيستوجب الثواب مع ما فيه من الإمساك عن الشهوات، وليكون ذلك واعظاً لهم في العاجل، ورائضاً لهم على أداء ما كلّفهم ودليلاً لهم في الأجر....".1
وكأنّ الحديث يوحي أنّ الصوم والإمساك عن المفطّرات إنّما جعلها الله وسيلةً وطريقةً لتفعيل الإرتباط بالآخرة حتى لا يغيب عن باله أنّ يوم القيامة هو يوم الفقر الأكبر.
ومن جملة تذكّر الآخرة تذكّر فتح أبواب الجنان وإغلاق أبواب النّار في هذا الشهر فيقول صلى الله علية واله وسلم: "أيّها الناس إنّ أبواب الجنان في هذا الشهر مفتّحة فاسئلوا ربّكم أن لا يغلقها عليكم وأبواب النيران مغلّقة فاسألوا ربّكم أن لا يفتّحها عليكم والشياطين مغلولة فاسألوا ربّكم أن لا يسلّطها عليكم".
والإنسان إذا جاع أو عطش تذكّر الطعام والشراب وسعى إليهما، لكن في شهر رمضان يحثّ رسول الله صلى الله علية واله وسلم على تذكّر طعام الجنّة وشرابها والسعي إليهما من خلال الصوم، وما يجاهد به الإنسان نفسه على اجتناب الشهوات فيقول صلى الله علية واله وسلم: "من منعه الصوم من طعام يشتهيه، كان حقّاً على الله أن يطعمه من طعام الجنّة ويسقيه من شرابها"2.
وتفعيل الارتباط بالآخرة عند الصائم من خلال استذكار جملة أمور منها:
أ - حتميّة يوم القيامة: وأنّ الناس سيخرجون يوم القيامة إلى محكمة العدل الإلهيّ، وأنّ هذا الإعتقاد والإيمان بذلك أصل من أصول الدين.
قال تعالى: ﴿اللهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ 3. وقال تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ﴾4.
ب - مشاهد من يوم القيامة: وما نستعرضه بعض منها على سبيل المثال لا الحصر، وإلّا فإنّ مشاهد يوم القيامة في النصوص أكثر من أن تعدّ أو تحصى. فمنها
1- المهابة والسكون: بانتظار الحكم الإلهيّ فيما يرتبط بمصير الإنسان. قال تعالى: ﴿وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾5.
2- التسليم لله تعالى: فلا مجال للإعتراض أو الإستئناف أو الشكّ في حكم الله. قال تعالى: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾6.
3- الذلّة بين يدي الله: قال تعالى: ﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ﴾7.
4- الذهول عن كلّ شيء: ويعبّر سبحانه عن شدّة الموقف بأبلغ صورة. قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى﴾8.
5- بياض الوجوه وسوادها: قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾9، والبياض إشارة إلى أثر النور الذي تركته الحسنات على وجهه كما أنّ السواد دلالة ظلام الذنوب.وقال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ﴾10.
6- شهادة الأعضاء: قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون﴾ 11.فلا مجال للإنكار أو التبرير أو الإخفاء، فشهادة الأعضاء أبلغ وأصدق الشهادات.
ج - الدقّة المتناهية في الحساب: وهذا مقتضى العدل وحتى لا يكون المحسن والمسيء سيّان. قال تعالى: ﴿مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ 12.وقال تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ 13.
ومن هنا فعلى الإنسان ألّا يستسهل ذنباً أو يستخفّ بحقٍّ أو يستصغر معصيةً فإنّ استصغار الذنب أسوأ من الذنب نفسه.
* خير الزاد في شهر الله، المركز الإسلامي للتبليغ، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، تموز 2010م.
1-عيون أخبار الرضا,ج1,ص 123
2- مستدرك الوسائل، ج7، ص364.
3- النساء: 87.
4- الأنبياء: 1.
5- طه: 108.
6- طه: 111.
7- القمر: 7.
8- الحج: 2.
9- آل عمران: 106.
10- القيامة: 24.
11- النور: 24.
12- الكهف: 49.
13- الزلزلة: 7 8.