جاء في روايةٍ عن رسول الله صلى الله علية واله وسلم يعدّد فيها الأئمّة من بعده إلى قوله صلى الله علية واله وسلم: ".......ثمّ محمد بن الحسن عليه السلام ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قلبه للايمان"1.
الهدف:
إِنّ عصر الغيبة هو عصر يمتحن الله عباده بصنوف المحن والإبتلاءات والتحديّات التي لا ينبغي أن تزلزل الإنسان عن ثباته على النهج القويم.
مقدّمة
لا شكّ أنّ فترة غيبة الإمام عليه السلام من الفترات القاسية على الأمة لا سيّما من الناحية السياسيّة، وأنّ كيد الأعداء ومؤامراتهم تقوى وتشتدّ في محاولةٍ لإقصاء هذه الأمّة عن الظهور ومصادرة أبسط حقوقها في ظرف غياب القائد الحقيقيّ والوليّ المنصَّب من الله، ولذلك فإنّ الثبات على إمامته والمضيّ في مشروعه من أوجب الواجبات التي ينبغي الإلتزام بها مهما علت التضحيات.
حال الأمّة في عصر الغيبة
ففي الرواية عن أبي جعفر الثاني - أي الإمام الجواد عليه السلام -، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام: "للقائم منَّا غيبةٌ أمدها طويل،كأنّي بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقسُ قلبه لطول أمد غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة"، ثم قال عليه السلام: "إنّ القائم منَّا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه"2.
والمستفاد من الرواية الشريفة أنّ المؤمنين في عصر الغيبة، في ابتلاء وامتحان شديد، وسيتخلّى عن القول بإمامة الحجّة الكثير من الناس، وسيثبت آخرون على الاعتقاد به، وما سبب هذا إلّا كثرة الامتحانات، من الدعوات الباطلة والمشكّكين وكثرة الابتلاءات مع قلّة الصبر على طول الغيبة.
ضرورة الثبات في عصر الغيبة
في الرواية عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام ، قال: "إذا فقد الخامس من ولدِ السابع من الأئمّة فالله الله في أديانكم لا يزيلنَّكُم عنها أحد، يا بنيّ إنّه لا بدَّ لصاحب هذا الأمر من غيبة، حتّى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنّما هي محنةٌ من الله امتحن الله بها خلقه"3.
وفي الرواية عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: "يا منصور إنّ هذا الأمر لا يأتيكم إلّا بعد إياس لا والله حتّى تميّزوا، لا والله حتّى تمحصوا، لا والله حتّى يشقى من يشقى، ويسعد من يسعد"4.
وفي رواية أخرى عنه عليه السلام: "إنَّ لصاحبِ هذا الأمرِ غيبة، المتمسّك فيها بدينه كالخارط للقتاد" ثمّ قال: "هكذا بيده" ثمّ قال: "إن لصاحب هذا الأمر غيبة فليتقّ الله عبد وليتمسّك بدينه"5.
وهذه التعابير التي عبّرت بها الروايات الشريفة عن هذا الأمر بالغربلة والتمحيص والمحنة والتمييز والخارط للقتاد كاشفة عن أنّ الناس ستغربل بشدّة ليبقى الصالح منها، ويرمى الفاسد ويهمل، ففي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "والله لتميَّزن و الله لتمحَّصن والله لتُغربلُن كما يُغربَل الزُؤان من القَمح"6.
وامتدحت الروايات أولئك الذين يؤمنون بصاحب العصر والزمان دون رؤيته معتبرةً إيّاهم أصحاب إيمان عجيب ويقينٍ عظيم، فعن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، عن آبائه في وصيّة النبيّ صلى الله علية واله وسلم لعليّ عليه السلام قال: "يا عليّ أعجب الناس إيماناً وأعظمهم يقيناً قوم يكونون في آخر الزمان، لم يلحقوا النبيّ صلى الله علية واله وسلم وحجب عنهم الحجّة فآمنوا بسواد على بياض"7.
* خير الزاد في شهر الله، المركز الإسلامي للتبليغ، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، تموز 2010م.
1- بحار الأنوار، ج36، ص250.
2- بحار الأنوار، ج51، ص110.
3- بحار الأنوار، ج52، ص113.
4- بحار الأنوار، ج52، ص111.
5- بحار الأنوار، ج52، ص111.
6- بحار الأنوار، ج52، ص114.
7- وسائل الشيعة، ج27، ص92.