قال رسول الله صلى الله علية واله وسلم: "للصائم فرحتان، فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربّه"1.
الهدف:
بيان الآثار التي رسّختها فريضة الصوم في النفس الإنسانيّة والجوانب التي يتوجّب على المرء تقيّيمها والتدقيق بحجم التغيير الذي أصابها.
مقدّمة
يتلازم مفهوم العيد عرفاً وشرعاً مع مفهوم الفرح والسرور، هذا الفرح الذي ينشأ من أمرين أساسيّين: أوّلهما: فوز الإنسان على نفسه من خلال أدائه للتكليف الذي أمره الله تعالى به، وثانيهما من خلال وديعة الأجر والثواب الذي يستحقّه يوم لقاء الله نتيجة قبول أعماله.
فعن الإمام عليّ عليه السلام: "إنّما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه"2.
إنّ العبادة التي أدّاها الإنسان خلال شهر رمضان المبارك ينبغي أن تتجلّى في سلوكه وأدائه وأن تُحدث تحوّلاً جوهريّاً في أخلاقه وممارساته مع كلّ ما يحيط به، ويوم العيد هو اليوم الذي جعله الله مؤشّراً يحاسب فيه المرء نفسه ويراقب مستوى التغيّر الذي اكتسبه.
ويمكن هنا الإشارة إلى عدّة جوانب أساسيّة ينبغي أن يطالها التغيّير على المستوى الشخصيّ
1- التقوى: بما تختزنه من مواظبة على الطاعات وترك نهائيّ للمحرّمات والمعاصي، وقد جعلها الله هدفاً لهذه العبادة إذ قال: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون ﴾َ 3.وفي روايةٍ عن أمير المؤمنين عليه السلام: "كلّ يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد"4.
2- الإخلاص: وذلك من خلال تصفية النيّة والتوجّه إلى الله وحده دون سواه، وقد أشار الحديث الشريف إلى ضرورة بناء هذه العلاقة وتمتينها مع الله عندما اعتبر أنّ: "الصوم لي وأنا أجزي به"5.
3- التعوّد على تحمّل المشاق: فإنّ ألم الجوع والعطش من شأنه أن يكسب الإنسان القدرة على تحمّل أعباء الحياة أكثر، وأن يمنحه همّةً عالية على مواجهة الصعاب والتحديّات وخوض معالي الأمور بكلّ حزم وثبات.
4- الصبر: وليس المراد هنا الصبر على أداء العبادات بل الصبر على المكاره وأذى الآخرين وتحمّل سوء أخلاقهم والتجاوز عنهم بل أكثر من ذلك الصبر على مبادلة القطيعة بالصلة والإساءة بالإحسان والأذى بالعفو والحقد بالمحبّة والكلمة السيئة بالكلمة الطيّبة وهكذا في سائر الآداب والأخلاق الإسلاميّة.
5- المواظبة على فعل الخيرات والعمل الصالح: وقد عدّ رسول الله صلى الله علية واله وسلم في خطبته الكثير من الأعمال الصالحة التي حثّنا على القيام بها خلال شهر رمضان المبارك، ووعدنا بمضاعفة الأجر عند أدائها، وما ذلك إلّا لتعويد الإنسان على هذه الأعمال، وبالتالي لتكون هذه الطاعات متجذّرة في النفوس، وبالتالي يستمر المرء بالقيام بها بعد يوم العيد.
ولا ننسى في يوم العيد الرأفة بالفقراء والمحتاجين الذين لا يقدرون على توفير الحاجات الماديّة المطلوبة ومساعدتهم ليشاركوا إخوانهم بهذا الفرح، فقد ورد عن ابي عبد الله عليه السلام: "من نفّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا نفّس الله عنه كرب الآخرة وخرج من قبره وهو ثلج الفؤاد"6.
ولا بدّ من عيادة المرضى ومواساتهم لا سيّما الجرحى، وزيارة أهل القبور لا سيّما قبور الشهداء.
كما لا ننسى الدعاء للمجاهدين المرابطين على الثغور حفظاً لكرامة الأمّة وعزّتها، الذين يمضون يوم العيد مع بنادقهم وفي متاريسهم.
* خير الزاد في شهر الله، المركز الإسلامي للتبليغ، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، تموز 2010م.
1- فقه الرضا، ص205.
2- وسائل الشيعة، ج15، ص308.
3- البقرة: 183.
4- نهج البلاغة، ج4، ص100.
5- مدارك الأحكام، ج6، ص10.
6- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص199.