بسم الله الرحمن الرحيم
حفلت واقعة الطف بشخصيات خلدها التاريخ، وهذه الشخصيات تعتبر بحق مثلاً أعلى في
تاريخ الإنسانية، وإذا كان على الشباب أن يتخذوا قدوة في الحياة، فهذا أبو الفضل
العباس وعلي الأكبر والقاسم والحر الرياحي وغيرهم أثبتوا في ميدان العمل والجهاد
وفي مختبر كربلاء أنهم قدوات مثالية وجبال شامخة من القيم والأخلاق السامية، وفيما
يلي سيكون الكلام عن واحد من هذه الشخصيات الشامخة وهو: علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب عليهم السلام، المعروف بعلي الأكبر.
ولد علي الأكبر في أوائل خلافة عثمان بن عفان، وروى الحديث عن جدّه علي بن أبي طالب
عليه السلام كما حقّقه ابن ادريس قدس سره في السرائر، ونقله عن علماء التاريخ
والنسب، أو بعد جده عليه السلام بسنتين كما ذكره الشيخ المفيد قدس سره في الإرشاد.
وأُمّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي، و أُمّها ميمونة بنت أبي سفيان
بن حرب بن أُميّة. وأمّها بنت أبي العاص بن أُميّة. و كان يشبّه بجدّه رسول اللَّه
صلى الله عليه واله في المنطق و الخُلق والخَلق.
وروى أبو الفرج أن معاوية قال: من أحقّ الناس بهذا الأمر؟ قالوا: أنت، قال: لا،
أولى الناس بهذا الأمر علي بن الحسين بن علي عليه السلام، جدّه رسول اللَّه صلى
الله عليه واله وفيه شجاعة بني هاشم، وسخاء بني أُميّة، و زهو ثقيف.
وفي علي عليه السلام يقول الشاعر:
لمْ تَرَ عَينٌ نظرتْ مثلَه
من مُحتَفٍ يمشي ومن ناعل
يُغلي نهيء اللحمِ حتّى إذا أنضج لم يُغِل
على الآكل
كان إذا شبّت له ناره
يوقدها بالشرف القائل
كيما يراها بائس مرمل أو فردُ
حيٍّ ليس بالآهل
لا يؤثر الدنيا على دينه ولا يبيع
الحقّ بالباطل
أعني ابن ليلى ذا السدى والندى أعني ابن
بنت الحسب الفاضل
ويكنّى أبا الحسن، ويلقّب بالأكبر لأنّه الأكبر على أصحّ الروايات، أو لأنّ للحسين
عليه السلام أولاداً ستّة ثلاثة أسماؤهم علي، و ثلاثة أسماؤهم عبداللَّه وجعفر
ومحمّد، كما ذكره أهل النسب فهو أكبر من علي الثالث على رواية.
وروى أبو مخنف عن عقبة بن سمعان قال: لمّا كان السحر من الليلة التي بات بها الحسين
عند قصر بني مقاتل، أمرنا الحسين بالإستقاء من الماء، ثمّ أمرنا بالرحيل ففعلنا،
قال: فلمّا ارتحلنا عن قصر بني مقاتل، خفق برأسه خفقة، ثمّ انتبه وهو يقول: "إنّا
للَّه وإنّا إليه راجعون، والحمد للَّه ربّ العالمين"، ثمّ كرّرها
مرّتين أو ثلاثاً، فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين عليه السلام - وكان على فرس له-
فقال: "إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون، والحمدللَّه رب العالمين، يا أبتِ جُعِلت
فداك، ممّ استرجعت وحمدت اللَّه"؟ فقال الحسين عليه السلام: "يا
بنيّ إنّي خَفقتُ برأسي خفقةً فعنّ لي فارس على فرس فقال: القوم يسيرون و المنايا
تسري إليهم، فعلمتُ أنّها أنفسنا نُعيت إلينا"، فقال له: "يا
أبتِ لا أراك اللَّه سوءاً، ألسنا على الحق"؟ قال: "بلى، والذي إليه
مرجع العباد" قال: "يا أبتِ، إذن لا نبالي نموت محقّين" فقال له: "جزاك اللَّه من
وَلَدٍ خير ما جزى وَلَداً عن والده".
قال أبو الفرج وغيره: وكان أوّل من قتل بالطف من بني هاشم بعد أنصار الحسين عليه
السلام علي بن الحسين عليه السلام، فإنّه لمّا نظر إلى وحدة أبيه تقدّم إليه وهو
على فرس له يدعى ذا الجناح، فاستأذنه للبراز- وكان من أصبح الناس وجهاً، وأحسنهم
خلقاً- فأرخى عينيه بالدموع وأطرق ثمّ قال: "أللهمّ إشهد أنّه قد برز إليهم غلام
أشبه الناس خلقاً و خلقاً و منطقاً برسولك، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إليه،
ثمّ صاح: "يابن سعد، قطع اللَّه رحمك كما قطعت رحمي و لم تحفظني في رسول اللَّه صلى
الله عليه واله "، فلمّا فهم علي الإذن من أبيه شدّ على القوم وهو يقول:
أنا علي بن الحسين بن علي
نحن و بيت اللَّه أولى بالنبي
و اللَّه لا يحكم فينا ابن الدعي
فقاتل قتالًا شديداً، ثمّ عاد إلى أبيه وهو يقول: يا أبت، العطش قد قتلني، و ثقل
الحديد قد أجهدني، فبكى الحسين عليه السلام و قال: (واغوثاه
أنّى لي الماء، قاتل يا بنّي قليلًا واصبر، فما أسرع الملتقى بجدّك محمّد صلى الله
عليه واله فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمؤ بعدها أبداً).
فكرّ عليهم يفعل فعل أبيه وجدّه. فرماه مرّة بن منقذ العبدي بسهم في حلقه.
و قال أبو الفرج: قال حميد بن مسلم الأزدي: كنت واقفاً و بجنبي مرّة بن منقذ، وعلي
بن الحسين يشدّ على القوم يمنة ويسرة فيهزمهم، فقال مرّة عليّ آثام العرب إن مرّ بي
هذا الغلام لأثكلنّ به أباه، فقلت: لا تقل، يكفيك هؤلاء الذين احتوشوه. فقال:
لأفعلنّ، و مرّ بنا علي و هو يطرد كتيبة فطعنه برمحه فانقلب على قربوس فرسه فاعتنق
فرسه فكرّ به على الأعداء فاحتووه بسيوفهم فقطّعوه.
فصاح قبل أن يفارق الدنيا: السلام عليك يا أبتي، هذا جدّي المصطفى قد سقاني بكأسه
الأوفى و هو ينتظرك الليلة، فشدّ الحسين عليه السلام حتّى وقف عليه وهو مقطّع فقال:
"قتل اللَّه قوماً قتلوك يا بنيّ، فما أجرأهم على اللَّه
و على انتهاك حرمة الرسول"، ثمّ استهلت عيناه بالدموع، و قال: "على
الدنيا بعدك العفا".
وروى أبو مخنف، و أبو الفرج عن حميد بن مسلم الأزدي أنّه قال: و كأنّي أنظر إلى
امرأة قد خرجت من الفسطاط و هي تنادي: يا حبيباه يابن أُخيّاه، فسألت عنها، فقالوا:
هذه زينب بنت عليبن أبي طالب عليه السلام، فجاءت حتّى انكبّت عليه، فجاء الحسين
عليه السلام إليها و أخذ بيدها الى الفسطاط، و رجع فقال لفتيانه: "إحملوا أخاكم"
فحملوه من مصرعه، ثمّ جاءوا به فوضعه بين يدي فسطاطه.
و قتل و لا عقب له.
و فيه أقول:
بأبي أشبه الورى برسول
اللَّه نطقاً و خلقة و خليقه
قطعته أعداؤه بسيوف
هي أولى بهم وفيهم خليقه
ليت شعري ما يحمل الرهط منه جسداً أم عظام خير
الخليقه
وقال الشاعر:
آتي النديَّ فلا يقرّب مجلسي
وأقود للشرف الرفيع حماري
أبصارالعين في أنصارالحسين - بتصرّف