بسم الله الرحمن الرحيم
وصول الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء في الثاني من محرم سنة 61 للهجرة
كربلاء
إن كربلاء اسم قديم في التاريخ, يرجع على عهد البابليين, وقد استطاع المؤرخون والباحثون التوصل إلى لفظة (كربلاء) من نحت الكلمة وتحليلها اللغوي, فقيل أنها منحوتة من كلمة (كور بابل) العربية, وهي عبارة عن مجموعة قرى بابلية, منها (نينوى) شرق كربلاء, و(الغاضرية), ثم (كربلاء) أو (عقر بابل) ثم (النواويس).
وقد ذكرها الحسين عليه السلام في خطبته المشهورة: "وكأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء".
ويطلق عليها اسم الطف أيضا.
نزول الحسين عليه السلام إلى كربلاء
أجمعت المصادر التاريخية أن الحر بن يزيد الرياحي التقى بالحسين عليه السلام في طريقه المؤدي إلى الكوفة, وكاد الحر يقتنع بالخيارات التي عرضها عليه الإمام الحسين عليه السلام, غير أن ابن زياد أرسل عينا وكتابا إلى الحر جاء فيه: "أما بعد فجعجع بالحسين حين يأتيك كتابي ويقدم عليك رسولي, ولا تنزله إلا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء, وقد أمرت رسولي أن يلزمك فلا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري, والسلام".
فلما قرأ الكتاب, قال لهم الحر: هذا كتاب الأمير يأمرني أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتي كتابه وهذا رسوله قد أمره أن لا يفارقني حتى أنفذ أمره فيكم.
فقال له الحسين عليه السلام: "دعنا ويحك ننزل في هذه القرية (يعني نينوى أو الغاضرية) أو هذه (يعني شفية)".
قال: لا والله لا أستطيع ذلك, هذا رجل قد بعث عينا علي.
فقال له زهير بن القين: إني والله ما أراه يكون بعد الذي ترون إلا أشد مما ترون يا ابن رسول الله, إن قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم, فلعمري ليأتينا بعدهم ما لا قبل لنا به.
فقال الحسين عليه السلام: ما كنت لأبدأهم بالقتال.
ثم نزل وذلك يوم الخميس, وهو اليوم الثاني من المحرم سنة إحدى وستين للهجرة.
لما نزل الحسين عليه السلام بأرض كربلاء, قال: ما هي؟ قالوا: العقر, فقال الحسين عليه السلام: اللهم إني أعوذ بك من العقر.
ثم قال عليه السلام: ما يقال لهذه الأرض؟ فقالوا: كربلاء, ويقال لها أرض نينوى قرية بها, فبكى عليه السلام وقال: كرب وبلاء, أخبرتني أم سلمة قالت: كان جبرائيل عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنت معي فبكيت, فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: دعي ابني. فتركتك فأخذك ووضعك في حجره, فقال جبرائيل: أتحبه؟
قال: نعم.
قال: فإن أمتك ستقتله, وإن شئت أن أريك تربة أرضه التي يقتل فيها.
قال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم.
قالت أم سلمة: فبسط جبرائيل جناحه على أرض كربلاء فقبض منها قبضة فأراه إياها.
فلما قيل للحسين عليه السلام: هذه أرض كربلاء شمها, وقال: "هذه والله هي الأرض التي أخبر بها جبرائيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنني أقتل فيها".
وفي رواية أخرى: لما وصل الحسين عليه السلام المكان الذي جعجع به, قال: ما اسم هذه الأرض؟
فقيل: كربلاء.
فقال عليه السلام: اللهم إني أعوذ بك من الكرب والبلاء.
ثم قال: هذا موضع كرب وبلاء فانزلوا, ها هنا محط رحالنا ومسفك دمائنا, وهنا محل قبورنا, بهذا حدثني جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فنزلوا جميعا ونزل الحر بنفسه وجيشه قبالة الحسين عليه السلام, ثم كتب إلى عبيد الله بن زياد وأعلمه بنزول الحسين عليه السلام بأرض كربلاء.
ثم دعا الحسين عليه السلام بدواة وقرطاس, وكتب إلى أشراف الكوفة ممن كان يظن أنه على رأيه:
"بسم الله الرحمن الرحيم, من الحسين بن علي إلى سليمان بن صرد, المسيب بن نجبة, ورفاعة بن شداد, وعبد الله بن وال, وجماعة المؤمنين, أما بعد:
فقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قال في حياته:" من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله, يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان, ثم لم يغيّر بقول ولا فعل كان حقا على الله أن يدخله مدخله, وقد علمتم أن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتولوا عن طاعة الرحمن, وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود, واستأثروا بالفيء, وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله, وإني أحق بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد أتتني كتبكم, وقد قدمت علي رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني ولا تخذلون, فإن وفيتم لي ببيعتكم فقد أصبتم حظكم ورشدكم, ونفسي مع أنفسكم وأهلي وولدي مع أهاليكم وأولادكم, فلكم بي أسوة, وإن لم تفعلوا ونقضتم عهودكم, وخلفتم بيعتكم, فلعمري ما هي منكم بنكر لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي, والمغرور من اغتر بكم, فحظكم أخطأتم ونصيبكم ضيعتم, ومن نكث فإنما ينكث على نفسه, وسيغني الله عنكم والسلام".
ثم طوى الكتاب وختمه ودفعه إلى قيس بن مسهر الصيداوي.
ولما علم ابن زياد بنزول الحسين عليه السلام بكربلاء كتب إليه يقول: أما بعد يا حسين فقد بلغني نزولك بكربلاء, وقد كتب إلي أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسد الثير ولا أشبع من الخمير أو ألحقك باللطيف الخبير أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد بن معاوية, والسلام.
فلما ورد كتابه على الحسين عليه السلام وقرأه رماه من يده ثم قال: لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق.
فقال الرسول: جواب الكتاب أبا عبد لله؟
فقال عليه السلام: ما له عندي جواب لأنه قد حقت عليه كلمة العذاب.
فرجع الرسول إليه فأخبره بذلك, فغضب عدو الله من ذلك أشد الغضب, والتفت إلى عمر بن سعد وأمره بقتال الحسين عليه السلام, وقد كان ولاه الري قبل ذلك فاستعفى عمر من ذلك, فقال ابن زياد: فأردد إلينا عهدنا. فاستمهله ثم قبل بعد يوم خوفا من أن يعزل عن ولاية الري.
فأقبل في ذلك الجيش حتى نزل بالحسين عليه السلام.
فلما بلغ عمر بن سعد كربلاء نزل نينوى وبعث إلى الحسين عليه السلام عروة بن قبس الأحمسي فقال: ائته فاسأله ما الذي جاء بك وماذا تريد؟ وكان عروة ممن كتب إلى الحسين عليه السلام فاستحى منه أن يأتيه, فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه فكلهم أبى ذلك وكرهه, فقام إليه كثير بن عبد الله الشعبي وكان فارسا شجاعا لا يرد وجهه شيء فقال له: أنا أذهب إليه والله لئن شئت لأفتكن به. فقال له عمر: ما أريد أن تفتك به ولكن ائته فاسأله ما الذي جاء به؟ فأقبل كثير إليه, فلما رآه أبو ثمامة الصائدي قال للحسين عليه السلام: أصلحك الله يا أبا عبد الله قد جاءك شر أهل الأرض وأجرأه على دم وأفتكه.
وقام إليه فقال له: ضع سيفك.
قال: لا ولا كرامة, إنما أنا رسول فإن سمعتم مني بلغتكم ما أرسلت به إليكم وإن أبيتم انصرفت عنكم.
قال: فإني آخذ بقائم سيفك ثم تكلم بحاجتك.
قال: لا والله لا تمسه.
فقال له: فاخبرني بما جئت به وأنا أبلغه عنك ولا أدعك تدنوا منه فإنك فاجر. فاستبا وانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر.
فدعا عمر بن سعد قرة بن قيس الحنظلي فقال له: ويحك يا قرة إلق حسينا فاسأله ما جاء به؟ وماذا يريد؟
فأتاه قرة, فلما رآه الحسين عليه السلام فقبلا قال: أتعرفون هذا؟
فقال له حبيب بن مظاهر: نعم هذا رجل من حنظلة تميم وهو ابن أختنا وقد كنت أعرفه بحسن الرأي وما كنت أراه يشهد هذا المشهد.
فجاء حتى سلم على الحسين عليه السلام وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه, فقال له الحسين عليه السلام: كتب إلي أهل مصركم هذا أن أقدم فأما إذ كرهتموني فأنا أنصرف عنكم. ثم قال له حبيب بن مظاهر: ويحك يا قرة أين ترجع إلى القوم الظالمين أنصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك الله بالكرامة.
فقال له قرة: أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي.
قال: فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر.
فقال عمر: أرجو أن يعافيني الله من حربه وقتاله.