بسم الله الرحمن الرحيم
الإمام علي بن الحسين عليه السلام , الملقب بزين العابدين والسجاد, هو الإمام الرابع من الأئمة الإثني عشر المعصومين من عترة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
هو الإمام الزاهد العابد زين العابدين وسيد الساجدين, علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب, وأمه شاه زنان بنت يزدجرد, وقيل شهربانو, وقيل شهربانويه بنت كسرى, وقيل اسمها غزالة.... إلى غير ذلك مما ورد في أسمائها عليه السلام .
وروي عنه أنه كان يقول: أنا ابن الخيرتين.
وقال الشاعر في مدحه عليه السلام :
وإن وليدا بين كسرى وهاشم لأكرم من نيطت عليه التمائم
كان مولده عليه السلام بالمدينة المنورة في الخامس من شعبان سنة ثمان وثلاثين من الهجرة, فقضى مع جده أمير المؤمنين عليه السلام سنتين, ومع عمه الحسن اثني عشرة سنة, ومع أبيه اثني وعشرين سنة, وبعد أبيه أربعا وثلاثين سنة, وقيل أربعين سنة.
لقد كانت فاجعة مقتل أبيه وإخوته وبني عمومته التي شاهدها أمام عينيه في واقعة الطف وتجرع مرارتها, وهو مريض يعاني من وطأة المرض خلال أحداث الطف الفظيعة, تنغص عليه حياته كلها فتلك الصور لم تفارق مخيلته, ومع هذا نهض بمهام الإمامة ونشر الأحكام والأخلاق وتفقد الفقراء والمساكين, وكان عليه السلام رأس مدرسة الفقه والحديث التي كانت تضم الموالي والتابعين.
امتاز علي بن الحسين عليه السلام بقوة الشخصية وبعد النظر فضلا عن العلم والتقوى حتى عرف بزين العابدين, وقد تقدم على أهل زمنه علما وفهما حتى غدا قبلة الطلاب والوافدين إلى مكة والمدينة, وتظهر بعض ألقابه الكثيرة تلك المكانة: فهو "وارث علم النبيين, وخازن وصايا المرسلين". وفيه قال ابن شهاب الزهري: "... كان أفضل هاشمي أدركناه...".
كان الإمام زين العابدين عليه السلام فصيحا بليغا, وكان إذا وقف يخطب تقشعر له الأبدان من قوة حججه وسلامة منطقه. كما أتقن اللغة الرومية التي احتك المسلمون بأهلها بعد فتح الشام, وكذلك كان له اهتمام شديد بالقرآن, حيث كان عليه السلام يقول: "لو مات ما بين المشرق والمغرب, لما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي". واهتم بأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ما منعوا من تدوين الأحاديث الشريفة بحجة اختلاط الحديث بالآيات القرآنية, إلا أن الأئمة عليهم السلام عمدوا إلى تدوينه, وكذلك فعل شيعتهم سرا, فساهم هذا التدبير في حفظ أحكام الشريعة.
كما استخدم الإمام زين العابدين عليه السلام الدعاء كوسيلة تربوية إصلاحية وأثار في أدعيته كل القضايا التي تهم الإنسان والمجتمع, وقد جمعت تلك الأدعية في كتاب عرف فيما بعد بـ"الصحيفة السجادية". كما كان يعقد الحلقات الدينية والفكرية في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حتى أصبحت مجالسه محجة للعلماء والفقهاء وتخرج من هذه المدرسة قيادات علمية وفكرية حملت العلم والمعرفة والإرشاد إلى كافة البلاد الإسلامية. ولم يترك الإمام عليه السلام بحكم كونه إماما, الجانب الإنساني والاجتماعي حيث نجد في الروايات أنه كان يخرج في الليالي الظلماء يحمل الجراب على ظهره فيقرع الأبواب ويناول أهلها من دون أن يعرف, كما كان يشتري في كل عام مئات العبيد ليحررهم في الفطر والأضحى بعد أن يربيهم التربية الإسلامية المباركة.
سعى الإمام عليه السلام لتكريس حياته كلها لإبراز خصائص الثورة الحسينية وتحقيق أهدافها في مواجهة المشروع الأموي الذي كان يشكل الخطر الأكبر على الإسلام. وقد تجلى دوره العظيم في عدة مجالات نذكر منها:
1- عندما دخل موكب السبايا إلى الكوفة, تتقدمه السيدة زينب عليه السلام بطلة كربلاء, والإمام السجاد عليه السلام . واحتشد الناس لاستقبال الموكب. ودخل أبناء علي بن أبي طالب عليه السلام إلى الكوفة حيث جعلها علي عليه السلام حاضرة البلاد الإسلامية بالأمس القريب. وتتقدم زينب عليه السلام بين الناس وكأنها لم تغادرهم بالأمس القريب مع أخيها الحسين إلى المدينة. وأهل الكوفة يعلمون جيدا من هم هؤلاء السبايا والأسرى. لذلك أراد الإمام السجاد أن يصور لهم حجم المجزرة التي تسببوا بها بخذلانهم إمامهم الحسين عليه السلام : "أنا ابن من انتهكت حرمته وسلبت نعمته وانتهب ماله وسبي عياله, أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير دخل ولا ترات ..." ويعلوا البكاء فيقطعه صوت زينب عليه السلام : "فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا فلقد ذهبتم بعارها وشنارها. قتل سليل خاتم النبوة وسيد شباب أهل الجنة فتعسا لكم وسحقا فلقد خاب السعي وتبت الأيدي وبئتم بغضب من الله ورسوله..." لقد سمعوا من خلالها صوت علي بن أبي طالب خليفتهم وهو يستصرخهم ويخاطب ضمائرهم فاهتز وجدانهم لذلك واعترتهم موجة من السخط والغليان لا تلبث إلا قليلا حتى تتفجر ثورات وبراكين لتضيف مسمارا إلى نعش المشروع الأموي الطاغي.
2- انتقل الموكب إلى الشام حيث يوجد الخليفة يزيد بن معاوية الذي يريد أن يستشعر نشوة النصر فأقاموا له عيدا وفرحا كبيرا. لقد انتصر "خليفة رسول الله!!!" ولكن على من؟! إنهم لا يعرفون حقيقة هؤلاء الأسرى والسبايا, فانبرى الإمام السجاد عليه السلام ليكشف لهم الحقيقة: "أيها الناس, أنا ابن مكة ومنى, أنا ابن زمزم والصفا, أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا, أنا ابن من صلى بملائكة السما, أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى, أنا ابن فاطمة الزهراء, أنا ابن خديجة الكبرى, أنا ابن المرمل بالدما, أنا ابن ذبيح كربلاء..." وانقلب العيد إلى دهشة غمرت الوجوه, وتحولت الفرحة إلى تساؤلات ترتسم في الأذهان, وانفلت زمام الأمر من يد يزيد, لقد فضحت هذه الكلمات الحكم الأموي وساهمت في تعريته أمام أهل الشام.
فتحت ثورة الحسين عليه السلام وحركة الإمام السجاد عليه السلام في الكوفة والشام, الباب على مصراعيه أمام ثورات لاحقة كانت تنفجر من حين لآخر. وتختلف فيما بينها, إلا أنها تجتمع على أمر واحد وهو مقارعة المشروع الأموي, لقد كسر الإمام الحسين عليه السلام الحاجز, وساهم الإمام السجاد عليه السلام في إثارة الرأي العام, فكانت ثورة المدينة بقيادة عبد الله بن حنظلة الأنصاري الذي طرد آل أمية من المدينة. ثم جاءت ثورة مكة بقيادة عبد الله بن الزبير التي لم تنته إلا بعد محاصرة مكة ورميها بالمنجنيق, ثم انفجرت ثورة التوابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي تحت شعار "وجوب التكفير عن ذنبهم لعدم نصرتهم الحسين عليه السلام ".
وأخيرا جاءت ثورة المختار الثقفي الذي تتبع قتلة الحسين عليه السلام فقتل منهم مائتين وثمانين رجلا منهم عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد والشمر بن ذي الجوشن.
منزلة الإمام علي بن الحسين عليه السلام عند المسلمين:
حج هشام بن عبد الملك فحاول أن يلمس الحجر الأسود فلم يستطع من شدة الازدحام, كرر محاولته اليائسة للمس الحجر ولكنه رجع خائبا, وكان قد جلب معه الرجال والحشم ليحفظوا له أبّهته وفخامته, وكان هؤلاء صاغرين إزاء عظمة الحج وسموه المعنوي, فأمر بأن ينصب له عرش على مكان مرتفع حتى يقيّض له النظر إلى الحجيج وليملأ عينيه بتفرجه على هذا الاجتماع المهيب.
وبينما هو وحاشيته على هذه الحال, إذ شاهد رجلا يعلو سيماه التقوى والورع, يغطي جسمه قميص أبيض مثل سائر الحجاج, بدأ بالطواف حول الكعبة ثم توجه بخطوات مطمئنة يريد لمس الحجر الأسود, فانفرج له الناس ووقفوا جانبا تعظيما له حتى لمس الحجر وقبله ومضى, فعاد الناس إلى ما كانوا عليه.
دهش الشاميون لهذا المنظر العجيب ولم يستطع أحد أن يمسك نفسه عن أن يسأل هشام قائلا: من هذا يا أمير المؤمنين؟ فأجاب هشام: لا أعرفه.
والحقيقة أن هشاما كان يعرفه حق المعرفة, إلا أنه قال ذلك حتى لا يرغب أهل الشام به.
وصادف أن كان الفرزدق الشاعر واقفا فأجابه: هذا علي بن الحسين بن علي, ثم أنشد فيه قصيدته المشهورة التي يقول فيها:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم
وليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من أنكرت والعجم
فغضب هشام لسماع هذه القصيدة وقال للفرزدق: ألا قلت فينا مثلها؟ فقال الفرزدق: هات جدا كجده وأبا كأبيه وأما كأمه حتى أقول فيك مثلها؟ فأمر هشام بحبسه في "عسفان" بين مكة والمدينة, فحبس ولكنه لم يأبه بذلك, فلما بلغ خبره علي بن الحسين عليه السلام بعث إليه باثني عشر ألف درهم وقال: اعذرنا يا أبا فراس فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به, فردها الفرزدق وقال: يا ابن رسول الله ما قلت فيك الذي قلت إلا غضبا لله ورسوله وما كنت أريد أن ارزق عليه شيئا. فردها الإمام عليه السلام ثانية إليه وقال: بحقي عليك, تقبلها فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك, عند ذلك قبلها الفرزدق.
تزوج الإمام علي بن الحسين عليه السلام من ابنة عمه فاطمة بنت الحسن عليه السلام , فأنجبت له محمد الباقر عليه السلام , وسائر أولاده هم من إماء, وكان أبرزهم زيد بن علي الشهيد.
شهادة الإمام عليه السلام :
هذه المسيرة الإصلاحية الهادفة لم تخف عن عيون عبد الملك بن مروان التي بثها في المدينة لتراقب تحركات الإمام عليه السلام فسرعان ما تبرم هذا الحاكم من حركة الإمام عليه السلام التي أثمرت في توسيع القاعدة الشعبية والفكرية المتعاطفة معه, فاعتقله وأحضره إلى دمشق مقيدا, لكن قوة شخصية الإمام عليه السلام أثارت الاحترام في نفس السلطان فأمر بإطلاقه وإعادته سالما إلى المدينة. وأخيرا قرر الوليد بن عبد الملك تصفية الإمام عليه السلام فأوعز إلى أخيه سليمان فدس السم له, وكانت شهادته عليه السلام يوم السبت الخامس والعشرين من محرم كما هو المشهور, وقيل في الثامن عشر منه, وقيل في الثاني والعشرين منه. وأما السنة, فقيل سنة اثنتين وتسعين, وقيل: أربع وتسعين, وقيل: خمس وتسعين. ودفن مع عمه الحسن عليه السلام في مقبرة البقيع.