*الهدف: بيان أنّ الإيمان في حياة الإنسان مسألة تحتاج لمراقبة دائمة وهي مرتبطة بثباته على هذا الإيمان مهما بلغت التحديّات.
*تصدير الموضوع: قال الإمام الحسين عليه السلام:"الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا مُحّصوا بالبلاء قلّ الديّانون"1.
مقدّمة
إنّ مسألة الثبات تتلازم تلازماً أكيداً مع الأخطار والتحديّات التي تواجهها الأمّة، وكلّما اشتدّت هذه التحديّات كلّما احتاجت الأمّة إلى الرجال الأشدّاء الثابتين في إيمانهم والراسخين على مواقفهم، وبالتالي كلّما خلّد التاريخ هؤلاء الصفوة القادة، وهذا من أبرز العبر في كربلاء الحسين عليه السلام.
*محاور الموضوع
الثبات وحسن العاقبة في الدعاء
ممّا ورد في دعاء أبي حمزة الثماليّ:"وأعنّي على نفسي بما تعين به الصالحين على أنفسهم واختم عملي بأحسنه واجعل ثوابي منه الجنّة برحمتك".
ولا يخفى أنّ من آثار سوء العاقبة حبط الأعمال كما ورد في القرآن الكريم:﴿وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾2.
وفي الدعاء أيضاً:"يا مثبّت القلوب ثبّت قلوبنا على دينك"3.
وورد أيضاً:"اللهم لا تخرجنا من هذه الدنيا قبل أن ترضى عنّا".
وورد في دعاء يوم الجمعة:"إلهي ثبّتني على دينك ما أحييتني ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني".
الثبات في البعد الثقافيّ
يرتبط مفهوم الثبات وحسن العاقبة ارتباطاً وثيقاً بفهم أمرين أساسيّين:
أوّلاً:مفهوم الابتلاء:وأنّ ساحة الحياة الدنيا هي في حقيقتها وجوهرها ساحة ابتلاء وامتحان للإنسان، بل إنّ الابتلاء أمر طبيعيّ وضروريّ لتكامل الفرد والأمّة وجعلهما على مستوى التحديّات مهما تعاظمت.
قال تعالى:﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾4.
وقال تعالى:﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾5.
وقال تعالى:﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ﴾6.
ثانياً:وضوح التكليف والالتزام به: فمن أكبر الأمراض التي تصيب الإنسان أن يضعف أو يتهاون أو يعتبر أنّه تكليف بما لا يطاق أو رضوخه للمغريات الدنيويّة وسوى ذلك، بل ينبغي أن يبقى واعياً لحركة الابتلاء في حياته مشخّصاً تشخيصاً دقيقاً لتكليفه وملتزم به التزاماً حقيقيّاً.
من شواهد التاريخ على الثبات وحسن العاقبة
ثبات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:وهو يجيب قريش التي أرسلت له مع عمّه أبي طالب تعرض عليه مالاً وجاهاً ونساءً مقابل تركه الدعوة قائلاً: "والله يا عمّ لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتّى يظهره الله أو أهلك دونه"7.
ويؤكّد أمير المؤمنين أنّ عدم الثبات على الهدى والإيمان سيفتح على الإنسان أبواباً أخرى من البلاء أشدّ وأصعب عليه من موضوع الثبات نفسه، فيقول عليه السلام : "لا يترك الناس شيئاً من دينهم لإصلاح دنياهم إلّا فتح الله عليهم ما هو أضرّ منه"8.
ثبات أصحاب الحسين عليه السلام:رغم قلّة الصديق والناصر وكثرة العدوّ ويقينهم بالشهادة بقوا على موقفهم وثباتهم فلم يتراجعوا أو يجبنوا أو يستسلموا أو يتنازلوا عن أيّ شيء.
ومن أكبر الشواهد على حسن العاقبة في كربلاء الحرّ بن يزيد الرياحيّ الذي التحق بمعسكر الحسين عليه السلام قبل نشوب القتال وأعلن توبته بين يدي الإمام، ثمّ كان أوّل من قاتل واستشهد من أصحاب الحسين عليه السلام.
*زاد عاشوراء,نشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافيّة ,الطبعة التاسعة: تشرين الأول 2010م - 1431هـ/ ص:105
1-تحف العقول، ابن شعبة الحرانيّ، ص245.
2-البقرة: 217.
3-ميزان الحكمة، ج2، ص955
4-الملك: 2.
5-البقرة: 155.
6-البقرة: 214.
7-الغدير، الشيخ الأمينيّ، ج7، ص356.
8-خصائص الأئمّة، الشريف الرضيّ، ص97.