بسم الله الرحمن الرحيم
يظهر من النصوص الموجودة في التوراة والإنجيل، أن الصوم كان موجودا بين اليهود والنصارى، وكانت الأمم الأخرى تصوم في أحزانها ومآسيها، فقد ورد في "قاموس الكتاب المقدس": "الصوم بشكل عام وفي جميع الأوقات كان متداولا في أوقات الأحزان والنوائب بين جميع الطوائف والملل والمذاهب"1. ويظهر من التوراة أن موسىعليه السلام صام أربعين يوما، فقد جاء فيها: "أقمت في الجبل أربعين نهارا وأربعين ليلة لا آكل خبزا ولا أشرب ماء"2. وكان اليهود يصومون لدى التوبة والتضرع إلى الله: "اليهود كانوا يصومون غالبا حينما تتاح لهم الفرصة للإعراب عن عجزهم وتواضعهم أمام الله، ليعترفوا بذنوبهم عن طريق الصوم والتوبة، وليحصلوا على رضا حضرة القدس الإلهي"3. "الصوم الأعظم مع الكفارة كان على ما يبدو خاصا بيوم من أيام السنة بين طائفة اليهود، طبعا كانت هناك أيام أخرى مؤقتة للصوم بمناسبة ذكرى تخريب أورشليم وغيرها"4.
السيد المسيحعليه السلام صام أيضا أربعين يوما كما يظهر من "الإنجيل": "ثم اصعد يسوع إلى البرية من الروح ليجرب من إبليس فبعدما صام أربعين نهارا وأربعين ليلة جاع أخيرا"5. ويبدو من نصوص إنجيل "لوقا" أن حواريي السيد المسيح صاموا أيضا6. وجاء في قاموس الكتاب المقدس أيضا: "... من هنا كانت حياة الحواريين والمؤمنين مملوءة بالابتعاد عن اللذات وبالأتعاب وبالصوم"7. بهذا نستطيع أن نجد في نصوص الكتب الدينية القديمةحتى بعد تحريفها شواهد على ما جاء في القرآن الكريم كما كتب على الذين من قبلكم.
امتياز شهر رمضان:
هذا الشهر إنما اختير شهرا للصوم لأنه يمتاز عن بقية الشهور. والقرآن الكريم بين مزية هذا الشهر في الآية الكريمة بأنه الذي أنزل فيه القرآن أي القرآن الذي يفصل الصالح عن الطالح ويضمن سعادة البشرية. وفي الروايات الإسلامية أن كل الكتب السماوية: "التوراة" و"الإنجيل" و"الزبور" و"الصحف" و"القرآن" نزلت في هذا الشهر8. فهو إذن شهر تربية وتعليم، لأن التربية غير ممكنة دون تعليم صحيح، ومنهج الصوم التربوي يجب أن يكون مرافقا لوعي عميق منطلق من تعاليم السماء لتطهير الإنسان من كل أثم. في آخر جمعة من شهر شعبان، ألقى رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم خطبة أعد فيها المسلمين لاستقبال شهر رمضان المبارك قال فيها: "أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله. أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة، وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم، وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم، وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم..."9.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
1- قاموس الكتاب المقدس، ص 427
2- التوراة، سفر التثنية، الفصل 9، الرقم 9.
3- قاموس الكتاب المقدس، ص 428.
4- نفس المصدر.
5- إنجيل متى، الإصحاح الرابع، الرقم 1 و 2.
6- إنجيل لوقا، الإصحاح الخامس، الرقم 35 - 33.
7- قاموس الكتاب المقدس، ص 428.
8- وسائل الشيعة، ج 7، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 18، الحديث 16.
9- وسائل الشيعة، ج 7، الباب 18 من أبواب أحكام شهر رمضان، ح 20.