بسم الله الرحمن الرحيم
العيد في اللغة:
العيد في اللغة من "العود" أي الرجوع. وفي أعيادنا الإسلامية، بعد شهر من طاعة الله في صوم شهر رمضان، وبعد أداء فريضة الحج، يعود للنفس طهرها ونقاؤها على الشكل الذي فطرت عليه، أي يرجع الإنسان كما ولدته أمه، فيكون هذا عيدا له، ولأنه عيد له فينبغي أن يبتهج فيه ويفرح لأنه أطاع الله عزوجل، ولأنه خرج منتصراً نقياً طاهراً في معركته مع النفس الأمارة.
ويركز سماحة القائد دام ظله على هذا الجانب فيقول: (إن عيد الفطر في الواقع عيد حقيقي للناس السعداء والمؤمنين. إنه بالفعل يوم تسلم المكافأة من الله تعالى، عن شهر رياضة اختيارية، تحمّل اختياري، تحمل اختياري للجوع والعطش، عن شهر ضبط الشهوات البشرية والإنسانية طوال النهار...)1.
وكما يلاحظ فإنه (دام ظله) يركز على أن هذه الطاعة وهذا الصوم وهذا التحمل للمشاق هو اختياري، وليس جبرياً.. لأن مناط الحصول على المكافأة، ومعيار الرجوع إلى الحضرة الإلهية بنقاء وطهر هو أن يفعل الإنسان أفعاله بإرادته واختياره، وإلا لبطل التكليف والثواب والحساب.
وكلام القائد (دام ظله) عن كون يوم العيد هو يوم تسلم المكافأة هو مضمون بعض الروايات التي وردت عن العترة الطاهرة (عليهم سلام الله)، فعن جابر، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا نظر إلى هلال شهر رمضان، استقبل القبلة بوجهه، ثم قال: اللهم أهله علينا بالأمن والايمان، والسلامة والاسلام، والعافية المجللة، والرزق الواسع، ودفع الأسقام، وتلاوة القرآن، والعون على الصلاة والصيام، اللهم سلمنا لشهر رمضان وسلمه لنا وتسلمه منا حتى ينقضي شهر رمضان وقد غفرت لنا. ثم يقبل بوجهه على الناس فيقول: يا معشر المسلمين، إذا طلع هلال شهر رمضان غلت مردة الشياطين، وفتحت أبواب السماء وأبواب الجنان وأبواب الرحمة، وغلقت أبواب النار، واستجيب الدعاء، وكان لله عز وجل عند كل فطر عتقاء يعتقهم من النار، ونادى مناد كل ليلة: هل من سائل؟ هل من مستغفر؟ اللهم أعط كل منفق خلفا، وأعط كل ممسك تلفا، حتى إذا طلع هلال شوال نودي المؤمنون أن اغدوا إلى جوائزكم، فهو يوم الجائزة. ثم قال أبو جعفر ( عليه السلام ): أما والذي نفسي بيده، ما هي بجائزة الدنانير والدراهم)2.
شهر رمضان علاج لألم البشرية:
يمكن اعتبار شهر رمضان عيادة إلهية متخصصة في علاج الكثير من مشاكل البشرية المادية والمعنوية. ولكن يبقى على الإنسان أن يأخذ بإرشاداتها. وما نود الإشارة إليه ضمن هذا العنوان هو جانب واحد من جوانب بركات هذا الشهر الكريم على المجتمع البشري. فمما لا شك فيه أن مضامين شهر رمضان لو طبقت، ولو أخذ بها كل فرد من أفراد الامة الإسلامية لأكل الناس وتنعموا من خيرات الله التي لا تنضب أبداً. فشهر رمضان يدني الصائم من جوع الفقراء، ويقربه إلى الطبقات المسحوقة والمحتاجة في المجتمع، ولذلك هو يختم بالدعوة الإلهية لدفع زكاة الفطرة صبيحة يوم العيد لهم. فالله عزوجل فرض الصيام مرّة كل سنة حتى يذكّر الصائمين بهذا المضمون دائماً ودون انقطاع.
ثم إن مجاهدة النفس في شهر الله، والامتناع عن النظر والكلام والفعل المحرم، كله ينعكس إيجاباً على الإنسان في معاملاته وسلوكياته واجتماعياته خلال شهر رمضان وبعده أيضاً. ومما هو معلوم أن هيبة شهر رمضان وأجواءه الخاصة تساعد كثيراً على انضباط الإنسان والابتعاد عن المعاصي.
يقول القائد (دام ظله): (تتحول هذه التمارين إلى ذخيرة للإنسان كي يتمكن وعلى مدى حياته أن يلجم ويضبط رغباته المضلة بإرادة وعزم راسخين. نحن البشر نحتاج إلى هذا العزم الراسخ لضبط أنفسنا. إن ضغيان الأنفس وتعدّيبها للحدود هو ما يجعل الحياة شاقة علينا وعلى الآخرين. إن هذا التمرين الذي وضعه الله لكل البشر... هو في الحقيقة علاج للألم الكبير للبشر، الذي هو عبارة عن اتباع أهواء النفس، اتباع الشهوات، الاستسلام مقابل أطماع أنفسنا..)3.
وبالتالي، فإن معاناة البشرية جمعاء بحسب هذا الكلام هو بسبب طغيان بعض النفوس البشرية... لا حظوا أن قسماً كبيراً من شعوب العالم يعاني الفقر والاستضعاف بسبب حفنة صغيرة من الطغاة المستكبرين. وشهر كشهر رمضان جعله رب هذا الكون لمعالجة هذا النوع من الأمراض والمشاكل...
1- خطاب الولي 2011، مركز نون للتأليف والترجمة، ص 366.
2- الأمالي - الشيخ الصدوق - ص 102 - 103
3- م.ن.