الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
مراقباتمعاني الصبروَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ

العدد 1643 16 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 19 تشرين الثاني 2024 م

التعبويُّ لا يُهزَم

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع تلامذة المدارس وطلّاب الجامعاتكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادةالصبر ونجاح المسيرة فضل الدعاء وآدابه

العدد 1642 09 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 12 تشرين الثاني 2024 م

جهاد المرأة ودورها في الأحداث والوقائع

مراقبات
من نحن

 
 

 

التصنيفات
الإمام الصادق عليه السلام وسقوط الدولة الأموية
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم


سقوط الدولة الأموية سنة 132ه‍:

من الأحداث الخطيرة التي وقعت في مرحلة إمامة جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) هو سقوط الدولة الأموية، وقيام دولة بنى العباس، وقد قامت دعوة الثورة ضد الأمويين تحت شعار الولاء لأهل البيت النبوي (عليه السلام) والانتصار لهم، الا أن بنى العباس كانوا يعملون سرا لتكون الخلافة لهم، وقد كانت في بداية الدعوة إلى إبراهيم بن محمد العباسي، ولما قتل عهد بالبيعة لأخيه أبى العباس عبد الله بن محمد العباسي، ولما علم أبو سلمة الخلال بموت إبراهيم وانتقال البيعة لأبي العباس، خاف من هذا التحول واتجه إلى الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) بالبيعة، فكتب كتابا بنسختين، إحداهما للإمام الصادق (عليه السلام) والأخرى لعبد الله بن الحسن1، وهو من أشراف العلويين ومن نقبائهم بعد الإمام الصادق (عليه السلام)، ثم أمر الرسول أن يذهب بكتابه إلى الإمام الصادق (عليه السلام). وكان قد دعا الإمام الصادق في هذا الكتاب للحضور إلى الكوفة لتتم البيعة بالخلافة له، وأمر الرسول أن يتعرف على جواب الإمام الصادق (عليه السلام)، فإن أجاب بالموافقة فلا يتوجه بعده إلى أحد، فهو الامام والرجل المؤهل للقيادة، والا فليتوجه (الرسول) إلى عبد الله بن الحسن، فحمل الرسول الرسالة، وتوجه إلى الإمام الصادق (عليه السلام)، فأخبره بما عنده فلم يجبه الصادق (عليه السلام)، ولكنه أخذ الرسالة فأحرقها أمام الرسول، وقال له: عرف صاحبك بما رأيت، ثم أنشأ يقول، متمثلا بقول الكميت بن زيد:
أيا موقدا نارا لغيرك ضوؤها***ويا حاطبا في غير حبلك تحطب2.

فخرج الرسول من عنده، وأتى عبد الله بن الحسن فتناول الكتاب وقرأه فسر به، الا أنه لم يستطع تقرير موقف، أو إتخاذ قرار بأمر خطير كهذا، دون أن يطلع الإمام الصادق (عليه السلام)، وكان يتصور أنه سيلقى التأييد والترحاب بهذا الطلب من الإمام الصادق (عليه السلام)، الا أن الامام أخبره بالذي حدث منه مع الرسول، ونهاه عن الاستجابة، وحذره من العاقبة. فقد كان الإمام الصادق (عليه السلام) يعرف سير الاحداث ويدرك نتائجها، ولديه علم عن أبيه الباقر عن آبائه (عليه السلام) عن جدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما سيجري لهم ويحدث كما روينا ذلك عن الباقر (عليه السلام) آنفا. وقد جاء في الروايات أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لأهل بيته: انا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء و تشريدا وتطريدا، حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود، فيسألون الخير فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه، حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملأها قسطا كما ملأوها جورا، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبوا على الثلج3. الا أن عبد الله بن الحسن لم يستجب لنصيحة الصادق (عليه السلام) وقال: انما بريد القوم ابني محمدا لأنه مهدي هذه الأمة، فقال أبو عبد الله جعفر: والله ما هو مهدي هذه الأمة ولئن شهر سيفه ليقتلن، فنازعه عبد الله القول حتى قال له: والله ما يمنعك من ذلك إلا الحسد، فقال أبو عبد الله: والله ما هذا الا نصح منى لك4. وصدق الامام، وتمت البيعة لأبي العباس السفاح، قبل أن يعود الرسول إلى أبى سلمة الخلال. ويتسلط العباسيون على السلطة، فيتنكرون لآل البيت (عليهم السلام)، ويفتكون بهم، بعد أن كانت دعوتهم تتستر تحت شعار الدفاع عن آل البيت (عليهم السلام) وتعرض مظلوميتهم وتستميل الناس بحبهم، فعانى العلويون أشد المعاناة كما عانى غيرهم من ظلم بنى العباس وجورهم و استبدادهم، حتى أن خليفتهم الأول (أبا العباس) سمي بالسفاح لكثرة ما أراق من الدماء، فاشتدت المحنة على الإمام الصادق (عليه السلام) وضيّق عليه. ولذلك نجد أبا العباس السفاح يستدعى الإمام الصادق (عليه السلام) إلى الحيرة، ويضيق عليه، خوفا من منافسته وشموخ زعامته، ثم يحول الله بينه وبين الإمام (عليه السلام) فيعود الامام إلى المدينة، ليمارس مهامه العلمية والتوجيهية هناك. وحينما تولى أبو جعفر المنصور الخلافة ازدادت مخاوفه من الإمام الصادق (عليه السلام)، واشتد حسده لتفوّق شخصية الإمام (عليه السلام) وعلو منزلته في النفوس، وذيوع اسمه في الآفاق، وشموخ مكانته العلمية، حتى غطت شخصيته كل الشخصيات العلمية والسياسية في عصره، لذلك عمد أبو جعفر المنصور إلى استدعاء الإمام الصادق (عليه السلام)، وجلبه من المدينة إلى العراق مرات، ليحقق معه ويتأكد من عدم قيادته لحركات سرية ضد الحكم العباسي، لأن أبا جعفر المنصور كان يعرف اتجاه الأمة وميلها للإمام الصادق (عليه السلام)، ويعرف أهليته وقوة شخصيته، بالإضافة إلى ذلك فهو يشاهد العلويين يتحركون لإنهاء التسلط العباسي، وإعادة القيادة لآل البيت النبوي. وكم حاول أبو جعفر المنصور أن يستميل الإمام الصادق (عليه السلام) إلى جانبه، الا أنه فشل، لأن الإمام (عليه السلام) كان يفرض مقاطعة على الحكم العباسي، وكان يعرف أن مقاطعته ترسم موقفا شرعيا للمسلمين، وتكشف انحراف السلطة فتضعف مركزها في النفوس، وتسلب الصفة الشرعية منها وتهيئ الأجواء المناسبة لهدمها والتخلص منها، ليكون موقفه هذا طريقا ومنهجا وأسلوبا لكل العلماء والمفكرين من السلطات الظالمة. وقد كتب أبو جعفر المنصور إلى الإمام الصادق (عليه السلام) كتابا يطلب فيه قرب الصادق، و مصاحبته، ومما جاء في الكتاب: لم لا تغشانا كما يغشانا الناس؟ فكتب إليه الصادق (عليه السلام): ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنئك، ولا نراها نقمة فنعزيك. فكتب إليه المنصور: تصحبنا لتنصحنا. فأجابه الصادق (عليه السلام): من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك5. وكان أبو جعفر المنصور يزداد غيظا على الإمام الصادق (عليه السلام) ويخشى مركزه وموقفه، إلى درجة أصبح المنصور معها حائرا عاجزا عن تحديد موقف من الإمام الصادق (عليه السلام) حتى قال فيه هذا الشجن6 المعترض في حلوق الخلفاء الذي لا يجوز نفيه، ولا يحل قتله، ولولا ما تجمعني وإياه من شجرة طاب أصلها، وبسق فرعها، وعذب ثمرها، وبوركت في الذرية، و قدست في الزبر، لكان منى ما لا يحمد في العواقب، لما بلغني من شدة عيبه لنا، وسوء القول فينا7.

ثورة محمد بن عبد الله بن الحسن (النفس الزكية) (145ه‍):

أما الحدث الخطير الآخر الذي وقع في عصر الإمام الصادق (عليه السلام)، فهو ثورة محمد ذي النفس الزكية في عصر أبى جعفر المنصور، فقد تسلم أبو جعفر المنصور السلطة سنة (136 ه‍) بعد أخيه أبى العباس السفاح وكان من أشد الحكام الذين سبقوه نقمة وعداوة لآل البيت النبوي (عليه السلام). وكان عصره عصر ضيق وشدة على عموم المسلمين، فحركت هذه الاحداث محمد بن عبد الله بن الحسن - ابن عم الإمام الصادق (عليه السلام) -، وقد عرضنا فيما سبق من البحث موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من تصدى عبد الله بن الحسن وولده محمد للخلافة، وأنه كان على يقين من فشل الحركات العلوية، وقد كان في حواره مع عبد الله بن الحسن في بداية الدعوة العباسية - قبل ثلاثة عشر عاما - قد أخبره بأن الخلافة لا تكون الا لبني العباس، وأن ابنه محمدا يقتله المنصور، فقد جاء في حوار الإمام الصادق (عليه السلام) مع عبد الله بن الحسن. ان هذا - يعنى أبا جعفر المنصور - يقتله على أحجار الزيت، ثم يقتل أخاه بعده بالطفوف، وقوائم فرسه في الماء. ثم قام مغضبا يجر رداءه، فتبعه أبو جعفر (يعنى المنصور وكان حاضرا المحاورة) فقال: أتدري ما قلت يا أبا عبد الله؟ قال: إي والله أدريه، وانه لكائن8. فلما ولى أبو جعفر الخلافة سمى جعفرا (الصادق)، وكان إذا ذكره قال: قال لي الصادق جعفر بن محمد كذا وكذا، فبقيت عليه9.

لقد ثار محمد ذو النفس الزكية ضد ظلم أبى جعفر المنصور وتسلطه، ولم يكن الإمام الصادق (عليه السلام) يحمل في نفسه ضد المنصور، الا نفس الموقف والاحساس الذي يحمله محمد بن عبد الله بن الحسن، الا أن الفارق بينهما هو وضوح الرؤية، وشخوص الحقيقة للإمام الصادق، وخفاؤها على ابن عمه محمد، لذلك كان (عليه السلام) يعارض الحركة، لأنه يعلم فشلها وما تجر من مآس ومحنة على آل البيت (عليه السلام) عامة، وقد صدق ما أخبر به الإمام الصادق (عليه السلام). وقد حدثنا التاريخ أن محمدا ذا النفس الزكية قد دعا لنفسه وعاش فترة متخفيا، و عندما قبض على أبيه وأبناء عمومته وأهله، أعلن الثورة في المدينة ثم فشلت الثورة وقتل محمد، كما قتل ابنه علي في مصر من بعده، وابنه عبد الله في السند، وقبض على ابنه الحسن في اليمن فحبس فيها ومات، واغتيل أخوه إدريس بالسم في بلاد المغرب، وأعلن الثورة أخوه إبراهيم من البصرة، وتوجه مع أنصاره باتجاه الكوفة، ولما بلغ المنصور خروجه، تحول فنزل الكوفة، حتى يأمن غائلة أهلها، وألزم الناس بلبس السواد - شعار الولاء للدولة العباسية - وجعل يقتل كل من اتهمه، أو يحبسه10. وقد أدى ذلك إلى القضاء على معظم مؤيدي الحركة، وأخيرا قتل إبراهيم على مقربة من الكوفة. وهكذا انتهت الثورة العلوية وجرت معها الكوارث والويلات على آل البيت (عليه السلام)، ولم يكن الإمام الصادق (عليه السلام) ليسلم من هذه المحنة، فقد كان الخليفة العباسي (المنصور) يطارده الخوف والشك من الإمام الصادق (عليه السلام)، ويتصوره اليد المحركة لكل حركة وثورة ضد بنى العباس، لذلك نجده يستدعى الإمام الصادق (عليه السلام) إلى العراق عندما اشتد ساعد الدعوة التي قام بها محمد ذو النفس الزكية، ويتهم الامام بالمناوأة وإسناد ذي النفس الزكية، ويضيق عليه ويجرى معه محاكمة ليشعره بالرقابة والمتابعة، ثم يقتنع أبو جعفر بعد أن يستمع إلى ردود الإمام الصادق (عليه السلام) بعدم صدق التقارير والوشايات الواردة فيخلى عنه. كما استدعاه مرة أخرى من المدينة إلى العراق بعد مقتل محمد ذي النفس الزكية واتهمه بجمع الأموال والسلاح من أتباعه وأنصاره والإعداد للثورة، ثم يحضر الجواسيس الذين نقلوا التقارير والمعلومات الكاذبة لمقابلة الامام ومواجهته بما نسبوه إليه، فيحضر الرجل ويطلب الإمام الصادق منه أن يقسم بأن ما نقله ونسبه إلى الإمام الصادق هو صحيح فأقسم بقوله: والله الذي لا اله الا هو الغالب الحي القيوم، فيرد عليه الإمام الصادق (عليه السلام): لا تعجل في يمينك فانى أستحلفك. فيسأل المنصور الإمام الصادق (عليه السلام): ما أنكرت من هذه اليمين؟ فيرد الصادق بمعرفة العالم بالتوحيد والربوبية: إن الله حي كريم، إذا أثنى عليه عبده لا يعاجله بالعقوبة، ولكن قل أيها الرجل: (أبرأ إلى الله من حوله وقوته وألجأ إلى حولي وقوتي انى لصادق فيما أقول). فقال المنصور: احلف بما استحلفك أبو عبد الله به. فحلف الرجل بهذه اليمين، فلم يستتم الكلام حتى خر ميتا، فاضطرب المنصور وارتعدت فرائصه، وقال للصادق (عليه السلام): يا أبا عبد الله سر من عندي إلى حرم جدك، ان اخترت ذلك، وان اخترت المقام عندنا لم نأل في اكرامك وبرك، فوالله لا قبلت قول أحد بعدها أبدا11.

* السيد لطيف القزويني - بتصرّف


1- جاء في بعض الاخبار أنه كتب كتابا لعمر والأشرف، وهو علوي بارز.
2- المسعودي / مروج الذهب / ج 3 / ص 254.
3- ابن ماجة / سنن ابن ماجة / ج 2 / ص 1366.
4- المسعودي / مروج الذهب / ج 3 / ص 254.
5- محمد أبو زهرة / الإمام الصادق / ص 139.
6- الشجن: العود الصغير الذي إذا اعترض في فم الانسان فمن الصعب ابتلاعه أو لفظه خارج الفم.
7- محمد أبو زهرة / الإمام الصادق / ص 138.
8- أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص 256.
9- أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبين / ص 256. الشهرستاني / الملل والنحل / ج 1 / ط (القاهرة) / ص 139، وفيه: (وأخبرهم الصادق بجميع ما تم عليهم).
10- الذهبي / العبر في خبر من غبر / ط (بيروت) / ج 1 / ص 53.
11- 1-يراجع الإمام الصادق لمحمد أبو زهرة / ص 46. 2- الشيخ المفيد / الارشاد / ص 270. 3- السيد محسن الأمين / أعيان الشيعة / ج 1 / ص 661.

11-09-2012 | 07-35 د | 2159 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net