بسم الله الرحمن الرحيم
إن مرحلة الشباب مرحلة خطيرة جدّاً في حياة الإنسان، وهي مرحلة تتخلّلها فترة المراهقة الحسّاسة، وإن الحديث عنها والبحوث حولها عديدة ومكثفة، فلهذا سنستعرض فيما يلي عاملين من عوامل التربية الاسلامية للشباب وهما:
1- التربية الدينية المتضمنة للمنهج العبادي المربي والمقوم لسلوك الشباب.
2- التربية النفسية المرتبطة بتقويم دواخل الشباب وزرع الثقة والاطمئنان في نفوسهم.
1- التربية الدينيّة والقرآنيّة:
إن الله تبارك وتعالى خلق عباده وأودع فيهم مواهب وقدرات، وخلق لهم السماء والأرض والبحار، وسخّر لهم ما فيها جميعاً، وأغدق على الإنسان نعمه المستفيضة، ممّا يوجب طاعته والشكر له وعبادته، وهو سبحانه القائل: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾1.
وإن العبادة تتّخذ أشكالاً منوّعة، يؤدّيها كل مخلوق حسب خلقته وقدرته وإدراكه، كما يفهم ذلك من قوله تعالى: ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَه﴾.
والأفضل للمرء أن يتجه إلى ربّه في كل الأمور، يسيرها وعسيرها، فيعوّد نفسه منذ صغر سنّه على الصلاة وإقامتها في أوقاتها، في السرّ والعلانية، ليحصل على أكبر قدر ممكن من الثواب باكتساب فضيلتها.
وقد حبّب الله عزَّ وجلَّ للمصلّين أن يقيموها في أوقاتها الشرعيّة المخصّصة لها، وبيّن الباري لهم فضل ذلك وأجره، إذ قال عزّ من قائل: ﴿وَأَقِمِ الصَّلوةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾2.
وقال صلّى الله عليه وآله: "علّموا صبيانكم الصلاة، وخذوهم بها إذا بلغوا الحلم".
كما أن الإمام زين العابدين عليه السلام كان يعّود الصبيان والشباب على إقامة الصلاة في وقتها، وذلك لكسب فضيلتها وأجرها، إضافة إلى أجر الصلاة ذاتها.
وقد روى أنّه عليه السلام كان يأمر مَنْ عنده من الصبيان بأن يصلّوا الظهر والعصر في وقت واحد، والمغرب والعشاء في وقت واحد، فقيل له في ذلك، فقال عليه السلام: "هو أخفّ عليهم، وأجدر أن يسارعوا إليها ولا يضيّعوها، ولا يناموا عنها، ولا يشتغلو".
وكان لا يأخذهم بغير الصلاة المكتوبة، ويقول عليه السلام في هذه المجال: "إذا طاقوا الصلاة فلا تؤخّروها عن المكتوبة".
أمّا في مسألة تلاوة القرآن الكريم وحفظه، فقد ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنه قال: "من قرأ القرآن وهو شابّ مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه، وجعله الله عزَّ وجلَّ مع السفرة الكرام البررة".
وينبغي أن نعي بأن الآباء لو ربّوا أبناءهم على ذكر الله عزَّ وجلّ، وأداء الصلاة في أوقاتها، والمواظبة على تلاوة القرآن الكريم، فسيكون لهم عند الله جلّ وعلا أجراً عظيماً وثواباً كريماً.
وأن الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله قد حث الأبوين على تعليم الأبناء المواظبة على تلاوة القرآن الكريم: ﴿… ومن علّمه القرآن دعي بالأبوين فيُكسيان حلّتين، يضيء من نورها وجوه أهل الجنّة﴾.
2- التربية النفسيّة والسلوكيّة:
يسعى الدين الإسلاميّ الحنيف إلى معالجة الأفراد معالجة نفسيّة، وإعدادهم ليكونوا أعضاء صالحين نافعين في المجتمع الإسلاميّ.
وهو بذلك يرمي إلى غرس روح الثقة والاطمئنان والأمان والهدوء والراحة النفسيّة عند الإنسان، خاصّة عندما يعده بالأجر والثواب والمغفرة وقبول التوبة والجنّة.
فعلى كل من الوالدين والأسرة والمعلّم والمجتمع والدولة والمتصدّين لعمليّة التربية، أن يجتهدوا في زرع الثقة والطمأنينة في نفوس الأبناء.
فبذلك يتمكنوا أن يحرروهم من تأثيرات الخوف والاضطراب والقلق والشعور بالدناءة والضعة وكل ما يؤدّي إلى سحق شخصيّاتهم وانهيارهم النفسيّ ليخرجوا إلى المجتمع الإسلاميّ صحيحين سالمين وذوي شخصيات قادرة على أداء دورها المسؤول والنافع بأفضل صورة ممكنة.
وتفيد بحوث وتجارب المحلّلين النفسانيّين والأطبّاء والعلماء وخبراء علم النفس وعلم الاجتماع، بأنّ جانباً كبيراً من السلوك البشري يتكوّن من استجابة داخليّة لمؤثّرات خارجيّة، مثل المال والجنس والجاه وغير ذلك.
وأنّ ردّ الفعل المتكوّن عند الإنسان لكلّ منها إنّما يتحدّد بطبيعة ملكته النفسيّة، وقدرته على مجابهة ما يشعر بضرره له، فلا ينقاد إليه، وعلى هذا يتحدّد موقفه من هذا المؤثّر أو ذاك.
ومّما يذكر أن تربية الإنسان المتوازنة نفسيّاً وأخلاقـيّاً وسلوكيّاً لها أثرها الكبير على استقرار شخصيّته، وسلامتها من الأمراض النفسيّة، والعقد الاجتماعيّة والحالات العصبيّة الخطيرة وحالات القلق والخوف التي كثيراً ما تولّد لديه السلوك العدوانيّ، فينشأ فرداً مجرماً خبيثاً مضرّاً فاسداً في المجتمع.
والشريعة الإسلامية ترى بأن من أهم الأمور المؤدية إلى طمانينة النفس وارتقاء مستوى وعي الإنسان وبالتالي إلى توازنه النفسي والمعيشي في ظل الحياة الطيبة هو ذكر الله، وذلك لأن الذكر كما ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: "الذكر نور العقل، وحياة النفوس، وجلاء الصدور".
و لهذا ورد في الدعاء الذي علّمه الإمام عليّ عليه السلام لكميل بن زياد رضوان الله عليه: "اللهمّ اجعل لساني بذكرك لهجاً، وقلبي بحبّك متيّم".
وذلك ليبقى الإنسان المؤمن في ظل ذكره لله عزَّ وجلَّ متمتعاً بالصيانة التي تردعه عن ارتكاب ما يخل في توازنه النفسي أو اعتدال سلوكه.
مركز آل البيت "عليهم السلام" العالمي - بتصرّف
1- النور: 41
2-هـود: 114