بسم الله الرحمن الرحيم
هـ - تقدير الجهود العلمية:
عمل طلبة الإمام الصادق عليه السلام باجتهاد ومثابرة للحفاظ على آثار أهل البيت
عليهم السلام وقد نقلوا عن الإمام عليه السلام أحاديثَ عديدة في أبواب ومجالات
متعددة ومتنوعة. ومن أبرز الذين نقلوا الرواية عن الإمام عليه السلام: زرارة بن
أعين, وأبو بصير, ومحمد بن مسلم, وبرير بن معاوية، وقد ثمنَّ الإمام هذه الجهود
وقدَّرها. يقول الإمام عليه السلام حول زرارة: "رحم الله
زرارة بن أعين، لولا زرارة لاندرست آثار النبوة وأحاديث أبي"1.
وقد ورد الكثير من العبارات في حقّ الأصحاب 2.
و - إرجاع الناس إلى طلبته:
لعل من أبرز الأمور التي تشير إلى العلاقة الحسنة بين الإمام عليه السلام وطلبته
إرجاع الناس إليهم. وكان الكثير من الناس يأتون من أماكن بعيدة وبما أن البعض لم
يتمكن من الحضور إلى الإمام عليه السلام كان يلتقي ببعض الطلبة ليسأل مسائله.
1 - قوله لفيض بن المختار: فإذا أردت حديثاً فعليك بهذا وأشار إلى زرارة3.
2 - عن ابن أبي عمير بن شعيب العقرقوقي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام ربما
احتجنا أن نسأل عن الشيء فمن نسأل، قال عليه السلام عليك بالأسدي يعني أبا بصير
4.
3 - عن مسلم بن أبي حية، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام في خدمته، فلما
أردت أن أفارقه ودَّعته وقلت: أحبّ أن تزوّدني، قال: أئتِ ابان بن تغلب، فإنه قد
سمع مني حديثاً كثيراً، فما روى لك عني فاروه عني 5.
4 - وجاء رجل شامي إلى الإمام الصادق عليه السلام يريد المناظرة. فقال الإمام عليه
السلام: يا حمران وذلك الرجل، فقال الرجل: إنما أريدك أنت لا حمران فقال أبو عبد
الله عليه السلام: إن غلبت حمران فقد غلبتني فأقبل الشامي يسأل حمران حتى ضجر وملَّ
وعرض وحمران يجيبه 6.
ز - طلب تقرير عن النشاط التبليغي:
عن يونس بن يعقوب أنه قال: كان ذات يوم عند أبي عبد الله عليه السلام جمع من
أصحابه... وكان هشام في هذه الأيام شاباً حديث البلوغ، فقال الإمام عليه السلام له:
قرّر صورة مناظرتك مع عمر بن عبيد رئيس المعتزلة...قال هشام: لما بلغني أن عمرو بن
عبيد في مسجد البصرة يدَّعي بعض المراتب ويتكلم بطريق أسلافه في الإمامة، توجهت إلى
البصرة، فوصلت إليها يوم الجمعة وأتيت إلى المسجد، فرأيت أن عمرو بن عبيد لبس شملة
من الصوف الأسود.. فانفتحت الصفوف وجلست أمامه مؤدباً. فسألت منه أيها العالم أنا
رجل غريب أتأذن لي أن أسأل مسألة فقال: نعم، فسألت: هل لك عين؟ فقال: يا بني أي
سؤال هذا يُسأل مني؟ قلت: إن مسألتي هذه.ثم قال: إسأل وإن كانت مسألتك مسألة
الحمقاء. فقلت: أجبني عن ذلك السؤال، فقال: نعم لي عين. فقلت: أيّ شيء بها تراه؟
قال: الألوان والأشخاص. ثم سألت: هل لك أنف؟ قال: نعم، فقلت: أيّ شيء تعمل به؟
فقال: نستشمّ الرائحة به. ثم سألت: هل لك فم؟ قال نعم، فقلت: أيّ شيء تعمل به؟
قال: ذقت به طعم الأغذية. ثم سألت هل لك قلب؟ قال: نعم، قلت: أيّ شيء تعمل به؟
قال: تميزت به كلما يورد على الأعضاء المذكورة. فقلت إن هذه الأعضاء بريئة غير
محتاجة إليه أم لا؟فقال: لا.
فقلت له: كيف تحتاج هذه الأعضاء إلى القلب مع أن لها قوى مدركة حاسة للذوق والشمّ
والبصر وتكون صحيحة وسليمة.فقال: يا بني حصل لي شك فيما بصرت وذقت وشممت رجعت إلى
القلب، فيحصل لي اليقين ويزول الشك. فإذن قلت: إنّ الباري تعالى خلق القلب لتميّز
شك الجوارح للخلق.فقال: نعم.فقلت: لا جرم فوجود القلب لازم لرفع شبهة الجوارح؟
فقال: نعم.فقلت: إنكم تزعمون أن الله تعالى لم يخلو هذه الجوارح من إمام ترجع إليه
لتميّز الشك واليقين الصحيح والسقيم منها، فكيف يمكن أن يخلو الخلائق الكثيرة من
إمام يرجعون إليه عند الحيرة والشك؟ فسكت وصار متأملاً، ثم بعد لحظة ارتفع رأسه
والتفت إليّ وقال: هل أنت هشام بن الحكم؟ قلت: لا. ثم قال؛ هل أنت مجالسه؟ فقلت:
لا.فقال: من أهل أي محلة؟ فقلت: من الكوفة. فقال: أنت هشام ثم قام وأجلسني في مقامه
ولم يتكلم بكلام حتى خرجت من المجلس.فإذا أتممت القصة ضحك ثم قال عليه السلام: ممن
تعلمت هذا المضمون؟قلت: يا بن رسول الله لم أتعلم من أحد إلا أنه أجرى الله على
لساني.
ح - الارشاد والتذكير:
مهما كان العالم قوياً من الناحية العلمية إلا أنه يحمل بعض الضعف الذي يظهر في
أوقات معينة حيث يجب استبدال الضعف بالقوة. وهكذا كان الإمام الصادق عليه السلام
كلما شاهد نقطة ضعف عند أصحابه وطلابه، كان يعمل لتحويلها إلى نقطة قوة 7.
ط - الغضب من الإساءة للطلاب:
ينقل جميل بن الدراج قصة دخوله على الإمام الصادق عليه السلام حيث شاهد شخصاً يخرج
من عنده. وقد سأل الإمام عليه السلام جميل إن كان قد التقى ذاك الرجل، فقال له:
نعم، وهو من أصحابنا. فحدّثه الإمام عن هؤلاء الأشخاص ومدى أهمية مرتبتهم التي
كانوا يحوزونها عند آبائه وأخبره أن الله تعالى يرفع العذاب عن البشر بواسطتهم
8.
ي - التأثر من موت الأصحاب:
كان الإمام الصادق عليه السلام يتأثر لموت بعض الأصحاب والطلاب، فعندما وصل خبر
وفاة إبان بن تغلب إلى الإمام، ترحَّم عليه 9.
ك - الترحم وطلب المغفرة:
سمع الأصحاب من الكلمات كلمات هامة وقيمة عن بعض الأصحاب والطلاب الذين كانوا قد
رحلوا عن الدنيا. حيث أثبت الإمام عليه السلام بالإضافة إلى عدالة ووثاقة هؤلاء
الأشخاص، أنهم من أهل الإيمان والجنة. ولعل أفضل أمثلة على ذلك ما جاء حول حمران بن
أعين وعبد الله بن أبي يعفور ويونس بن ظبيان وبكير بن أعين.
1 ـ تحدث الإمام الصادق عليه السلام بعد وفاة يونس بن ظبيان فقال عليه السلام: "رَحِمه
الله وبنىَ له بيتاً في الجنة كان والله مأموناً على الحديث..." 10.
2 - وقال عليه السلام بعد وفاة حمران بن أعين: "مات والله
مؤمناً"11.
3 - وقال عليه السلام بعد وفاة بكير بن أعين: "والله لقد
أنزله بين رسوله وأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليهما"12.
ل - زيارة قبور الأصحاب:
كان عبد الملك بن أعين الشيباني الكوفي من أصحاب الإمام عليه السلام الأوفياء. وقد
زار الإمام الصادق عليه السلام قبره بعد وفاته ودعا له وأوصى أصحابه بزيارة قبره
13.
مجلة مبلغان
1- الاختصاص، المفيد،
ص61.
2- تنقيح المقال، ج1، ص165.
3-منتهى الآمال، ج2، ص171.
4- المصدر نفسه، ص175.
5-رجال النجاشي، ص10.
6- منتهى الآمال، ج2، ص170؛ تنقيح المقال، ج1، ص371.
7- الارشاد، المفيد، ص262؛ الاحتجاج، الطبرسي، ج2، ص122.
8- تنقيح المقال، ج1، ص165.
9- معجم رجال الحديث، ج1، ص25.
10- منتهى الآمال، ج2،ص180.
11- جامع الرواة، ج1، ص278؛ تنقيح المقال، ج1، ص370.
12- معجم رجال الحديث، ج3، ص353.
13- جامع الرواة، ج1، ص519.