بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بُعِثَ لِمهمّات الأمور التـي منها كونه
مُعتاماً أي مُخْتاراً لشرح حقائق العالم كما قال امير المؤمنين عليه السلام فـي
نَعْتِهِ صلى الله عليه وآله: "وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الُْمجْتَبَى مِنْ خَلائِقِهِ وَالْمُعْتَامُ
لِشَرْحِ حَقَائِقِهِ وَالُْمخْتَصُّ بِعَقَائِلِ كَرَامَاتِهِ وَالْمُصْطَفَى
لِكَرَائِمِ رِسَالاَتِهِ وَالْمُوَضَّحَةُ بِهِ أَشْرَاطُ الْهُدَى وَالَْمجْلُوُّ
بِهِ غِرْبِيبُ الْعَمَى"؛ وليس فـي العالم إلاّ حقائق الأسماء الحسنى
ومظاهرُها والرسول صلى الله عليه وآله قد اختير لشرح تلك الحقائق.
والانسان مُغتَرّ بما يراه حَسَناً فيزعمه زينةً لنفسه مع أنّ جُلّ ما يراه فـي
الخارجِ عن نفسه لا قيمة له أوّلاً, وليس زينةً له بل انما هو زينة للأرض او السماء
ثانياً, فليس للانسان ان يَغْترَّ بذلك و يراه حسناً وجمالاً وليس له انْ يحسبه
زينةً لنفسه؛ ونموذج ذلك، الشمس والقمر وسائر الكواكب الدرّية حيث إنّها مسبوقة
بمقدارٍ من الدخان اذ لا واقعية لها غير ذلك وملحوقةٌ بالتكوير والإنتثار، وما بين
ذلك زينةٌ للسماء لا للانسان، كما انّ ما على الأرض مِن الأبنية والأشجار والبساتين
والمزارع، مسبوقة بتراب وملحوقة به ايضاً، و ما بين ذلك زينة للأرض لا لمن عليها
كما يدل عليه قوله تعالى:
﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً
لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ﴾.
وامّا فيما يرجع الى الكواكب فيدل عليه قوله تعالى:
﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخَانٌ
فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً﴾
وقوله تعالى:
﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخَانٍ
مُبِين﴾
بناءً على صيرورته دخاناً لا تكوّن الدخان فيه وقوله تعالى:
﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ٭ وَإِذَا النُّجُومُ
انكَدَرَتْ﴾
و قوله تعالى:
﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فـي يَوْمَيْنِ
وَأَوْحَى فـي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيَا
بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ﴾.
والمستفاد من هذه الآيات هو انّ اصل السماء وكواكبها ومصابيحها وزينتها كان دخاناً
لا قيمة له لولا التسوية والتكميل والصنع الخاص الالهي الذي يُصَيّره شمساً مضيئةً
وقمراً منيراً وسيكون دخاناً ايضاً او شيئاً آخر لا قيمة له، وهو حين الإضاءة
والتنوير زينة للسماء لا للانسان، فلو جدّ الانسان واجتهد وبلغ ما بلغ وتملّك
الكواكب الدرّية لم يصر مُزداناً بشيء مِن ذلك لانّه كلّه زينة غيره لا زينَتُه
وانّما زينة الانسان المُكمّلة لروحه الموجبة لِرُقّيه وصعوده وعروجه ودنوّه وعلوّه
واعتلائه حسب استعداده، هو الايمان بالحق والعمل الصالح كما يدل عليه قوله تعالى:
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ
يُطِيعُكُمْ فـي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ
إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فـي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكُفْرَ
وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾.
فهذا نبذٌ من الحقائق التـي شرحها الرسول فـي ضوء تلك الآيات للناس وبالحقيقة يكون
الرسول صلى الله عليه وآله مُفَسّراً لها و شارحاً ايّاها فيؤول القرآن تفسيراً
وشرحاً للتكوين والتشريع معاً لان العالَمَيْنِ متطابقان، فالتفسير الصائب للقرآن
هو الذي يلاحظ الكيان والشريعة معاً لا بِعطفِ القرآن على الرأي والهوىٰ بل
بِعطفِهما على القرآن الذي لا يعادله شيء من الكتب والكلمات والصحف والزّبُر لأنّه
الْمُهَيْمِنُ على ذلك كله تبصّر تجد.
آية الله الشيخ جوادي آملي