بسم الله الرحمن الرحيم
هذه المقالة جاءت في سياق الرد على إشكالية طرحها أحد القسيسين المسيحيين، وقد تصدى للإجابة عنها أحد علمائنا الكرام، وإليكم مضمون الإشكال أولاً ثم الإجابة:"نحن المسيحيون نعتقد أن السيد المسيح عليه السلام قد صلب لتخليص الناس من خطيئة آدم إلى يوم الحساب, والمسلمون يعتقدون أنه لم يصلب وإنما شبه لهم, مع أن القرآن يقول: ﴿إذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيّ﴾1, الدالة على أنه قد مات, فما هي الأدلة على عدم صلبه من غير القرآن والحديث؟"
الإجابة:
لا شك أنه يمكن لأي شخص أن يعتقد ما يشاء, وذلك أن الاعتقاد عبارة عن اقتناع فكري, أو إذعان ذهني, في القضية موضوع الاعتقاد, وهو حالة تكوينية, لا يمكن سلخها, أو سلبها من ذهن الشخص عند تحققها فيه.
إنما الكلام في صحة الاعتقاد المفترض ومدى قبوله ومطابقته للواقع والحقيقة, لأن الاعتقاد بشيء لا يعني صحته كما هو ظاهر, فقد يكون مطابقاً للواقع وقد لا يكون.
وعلى أساس صحة الاعتقاد وعدمها تتبنى مسألة الخلاص, ثبوتاً وعدماً كذلك, الأمر الذي يفترض ملاحظة الأدلة والمبررات والدوافع, التي أدت إلى الاعتقاد المعين, والبحث في مدى دلالتها, ولقبول الاعتقاد ورفضه.
إن هذه الأدلة تستند, لا محالة إلى حكم العقل, على فرض القبول به, أو إلى النقل وملاحظة مدى ثبوت دلالتها على الاعتقاد المفترض.
أما الأدلة النقلية: فلن نستعين بالأدلة الإسلامية من قرآن وسنة, لعلمنا أنكم لا تقبلون الاستدلال بها, ولا ترون فيها حجة عليكم.
وعلى العموم, فإن الأدلة النقلية, الإسلامية منها أو المسيحية أو غيرها, مفتقرة إلى الثبوت, بمعنى ثبوت نسبتها إلى صاحب الدعوى, بعد الفراغ عن قبول أصل دعواه, من اتصاله بمبدأ الوحي سبحانه وتعالى.
ففي الديانة المسيحية, رغم أنها لا ترقى إلى مستوى الثبوت, كما أشرنا إليه في ما سبق, لا تدل على المعتقد الذي تقولون به من صلب السيد المسيح عليه السلام وقيامته, وقد فصلنا الحديث عنها في كتاب "صلب المسيح في الإنجيل", وأثبتنا عدم دلالتها على معتقدكم, بل إن الأناجيل متفقة, في المحصلة النهائية, مع القرآن الكريم, في عدم صلبه عليه السلام , ويمكنك الرجوع إليه, لملاحظة ذلك إن أحببت.
إلا أننا سوف نشير إليها باختصار شديد في المقام, فنقول:عن رسالة السيد المسيح عليه السلام ودعوته الشريفة, قد جاءت في سياق التتميم التاريخي لدعوات أنبياء العهد القديم, ولذلك نرى كثرة الاستناد في تعاليمه عليه السلام إلى أسفار العهد القديم نفسه, وهذا ما يفسر كثرة النبوءات التي ذكرها كاتب إنجيل متى, على أنها أدلة وإشارت إلى السيد المسيح عليه السلام.
ولهذا أكد كُتَّاب الأناجيل: أنه قد أُرسل إلى بني إسرائيل دون سواهم "لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة", وأنه يشكل آخر حلقة من سلسلة النبوات في بني إسرائيل, وهذا ما يستدعي البحث عن خصوصية الخلاص, وطبيعته, وغايته في أسفار العهد القديم أولاً, ثم محاولة التعرف عليها, وملاحظة ما إذا بقيت محافظة على هذه الخصائص في العهد الجديد, أم أنه قد طرأ تغير ما في النظرة إليه وإلى مفاعيله, وبالتالي مدى دلالة الأناجيل على مفهوم الخلاص الذي يعتقدون به, وهو متوقف على مدى دلالتها على صلبه وقتله وقيامته, وعدم دلالتها على ذلك, كما يتوقف, على تقدير ثبوت صلبه وقيامته, على صحة مقولة فداء خطيئة العالم, وهل يتحقق الخلاص بذلك أم لا؟!.
لا يخفى عليكم أن قتل أي إنسان, أو صلبه, يعتبر أمراً عادياً, ومألوفاً في حياة الناس, يمكن أن يحصل في كل يوم, بل هو ما يحصل فعلاً, كما نراه في حياتنا العادية.
وما هو غريب وغير مألوف في حياة الناس, وتستبعده النفوس وتستنكره الأذهان, قصة قيامته من الأموات, وقهره للموت حسب اعتقادكم, في عالم الدنيا, وما يترتب عليه من مبدأ الخلاص استناداً إلى فكرة الفداء لخطيئة العالم حسب تعبير إنجيل يوحنا, أو خطيئة آدم, حسب تعبيرك, المترتبة على صلبه وقتله.
فقد كان من الممكن أن يتحقق الخلاص, من الناحية النظرية, بغير هذه الطريقة القاسية بحق أقدس إنسان وأطهر مولود في عصره.
ومهما يكن من أمر, فإن هذه المسألة, ونظراً لخطورتها وأهميتها, كونها تمثل باعتقادكم خلاصة وعصارة, بل غاية دعوة المسيح عليه السلام , ولا يصح أن تترك دون بيان وتأكيد عليها, لتألفها الأذهان وتقبلها القلوب, سواء من قبل السيد المسيح نفسه, أو من قبل الأنبياء السابقين "عليهم السلام", وهو ما يقتضي أن لا يترك فرصة سانحة إلا ويستفيد منها, لبيان هذه القضية والتأكيد عليها, نظراً لغرابتها وبعدها عن الأذهان.
وإلا, فعلى فرض كونها صحيحة في نفسها, ومع ذلك لم يذكرها بما يتناسب مع خطورتها وأهميتها, فضلاً عن كونها غاية بعثته, سيكون مقصراً في القيام بمهمته التي جاء من أجلها, وبالتالي سوف لن يكون مؤهلاً للقيام بأصل الدعوة, ما دام لم يبين أهم مسألة فيها وأخطرها على الإطلاق.
هذا، مع أنه عليه السلام قد أعلن في نهاية خطبته التي ألقاها على الجبل أمام تلاميذه, أنه قد قام بعمله أتم قيام, وفعل ما هو مطلوب منه على أكمل وجه, فيقول:"وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويعرفوا يسوع المسيح الذي أرسلته, أنا مجدتك على الأرض, العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته"2.
وهو إعلان صريح منه عليه السلام على نهاية مهمته ودعوته, وهو يعني أن كل ما سيحدث بعدها, لا يشكل جزءاً من دعوته, ولا هو مرتبط بها, ذلك أنه خارج عن اختياره وإرادته, وعلى فرض حصوله بالفعل فهو يمثل إدانة لشخص المسيح, وليس فداء لغيره كما سنرى بعد قليل.
إن عدم تعرضه لذكر قيامته وفدائه لخطيئة العالم, يكشف عن عدم كونها غاية من غايات دعوته الشريفة, فضلاً عن أن تكون هي الغاية, إذ لو كان قد بينها, تصريحاً وتلويحاً, لعلم بها تلاميذه قبل جميع الناس, إن لم يقتصر علمها عليهم وحدهم.
لكنك إذا طالعت سيرة التلاميذ بعد حادثة الصلب وتأملت بها, لوجدت أنهم "لم يكونوا بعد يعرفون الكتَّاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات"3, ولذلك لم يبالوا بما حدث له.
فعندما جاءت مريم المجدلية والنساء اللواتي كن معها, وأخبرن الرسل بما جرى معهن "فتراءى كلامهن لهم كالهذيان ولم يصدقوهن4.
هذا مع أنها عندما جاءت إلى القبر ولم تجده فيه أخذت تبكي, وإذا ملاكين (رجلين) بثياب بيض, "فقالا لها: يا امرأة لماذا تبكين؟
قالت لهم:" أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه"؟!5.
إن عدم اهتمام التلاميذ وعدم معرفتهم بقضية القيامة هذه, يدل دلالة واضحة ويقينية على أن المسيح عليه السلام لم يخبرهم بذلك, ولم يحصل ما تعتقدون به أصلاً, ألم يخبرنا كُتَّاب الأناجيل أنه قد أعطاهم أسرار الملكوت, ومفاتيح السماوات, ومعرفة كل شيء كما أشرنا إليه من قبل؟!.
وأما مسألة الفداء وتكفير الخطيئة, فلم يخبر السيد المسيح عليه السلام , ولا أخبر بها تلاميذه, كما لم يتحدث عن أي من أسفار الأنبياء "عليهم السلام", وإنما هي من اجتهاد كاتب إنجيل يوحنا, وهو اجتهاد غريب ومستهجن كما سنرى بعد قليل, ولابد من الإشارة هنا, إلى أنه لم يثبت أن كاتب الإنجيل هو يوحنا بن زيدي الحواري, كما تعلم.
ولو فرضنا صحة مسألة الفداء وثبوتها, فهي فداء لبني إسرائيل دون سواهم, فلا يشملك فداؤه, كما لا يشمل غيرك من المسيحيين, الذين لا يتحدَّرون من أصول يهودية أو إسرائيلية.
نقول ذلك, لأن فكرة الفداء كان قد ابتدعها ألدُّ خصومه, والباحثين عن أية حجة يقتلونه بها ولم يجدوا, أجل إن مبتدعها هو رئيس الكهنة آنئذٍ "قيافا", والذي كان في مقام المفاضحة مع أصحابه, محاولاً إقناعهم بأن في قتل عيسى عليه السلام خلاص الشعب, وإلا فسيعم الجميع البلاء والنكبات.هذا، مع أن فكرة قتله فداء عن الشعب الواردة في كلام "قيافا", مغايرة لما فهمتموه منها, وحملتموها على غير معناها المراد, من دون الاستناد إلى أية قرينة تدل عليها, سوى الرغبة في ذلك.
يقول كاتب إنجيل يوحنا: إن "قيافا" هو الذي أشار على اليهود أنه خير أن يموت إنسان واحد عن الشعب6, وفي تفاصيل الحادثة يقول: "فجمع رؤساء الكهنة والفريسيون مجمعاً وقالوا: ماذا نصنع؟ فإن هذا الإنسان يعمل آيات كثيرة, إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به فيأتي الرومانيون ويأخذون موضعنا وأمتنا, فقال لهم واحد منهم, وهو قيافا، وكان رئيساً للكهنة في تلك السنة: أنتم لستم تعرفون شيئاً, ولا تفكرون أنه خير أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها"7.
وهنا يُعمِل كاتب الإنجيل, أو بعض النساخ, اجتهاده ورأيه, فيُخرج الواقعة عن مدلولها, وعن مضمونها الواقعي, ويعزلها عن سياقها الطبيعي, فيعطيها بعداً آخر مغايراً, متأثراً في ذلك بالفكر الغرنصي, وأنت تعلم أنه كتب الإنجيل على طريقتهم, للرد عليهم, بعد انتشار الغرنصية, يقول الكاتب مفسراً:"ولم يقل هذا من عند نفسه بل إذا كان رئيساً للكهنة في تلك السنة تنبأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمة, وليس عن الأمة فقط بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد"8.
أوليس من الغريب أن يكون الباحث عن قتله حائزاً على مثل هذه الكرامة؟! فيتنبأ, أن معنى النبوءة: أنه يخبر عن الله تعالى, وهو لا يخلو في الحقيقة, من أن يكون ممتثلاً لأمر الله فيه, وإلا لما اختصه بالوحي والكرامة المفترضة, إن قبلنا تفسير كاتب الإنجيل, وهذا بنفسه يثبت وقوع السيد المسيح عليه السلام نفسه في الخطيئة, التي تستحق الموت, نعوذ بالله من ذلك, وبالتالي يسقط مسألة الفداء من أساسها.
وهل أراد بولس الرسول أن يثبت وقوع السيد المسيح في المعصية واستحقاق الموت عندما قال: "المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة"؟9.
وإذا كان الأمر كذلك, فما معنى هجوم المسيح على الكتبة الفريسيين, بأنهم شهدوا على أنفسهم أنهم أبناء قتلة الأنبياء, وأنهم قتلوا زكريا بن برخيا بين الهيكل والمذبح؟! وتوعده لأرشليم, بالخراب والدمار لأنها قاتلة الأنبياء وراحمة المرسلين حسب تعبيره, اللهم إلا إن كنتم تفسرون كل ذلك بأنه مدح لهم, كما فعلتم بكلام بولس المتقدم.
وأما إذا كانت النبوءة المذكورة لـ "قيافا" صادرة عن غير الله تعالى, أو أنه قد ابتدعها من رغبات نفسه, فأحرى بها أنها لا تستحق الوقوف عندها, ولا أن تعطى دلالات مقدسة, ومعان سامية, لأن أنباء الشيطان أو أحاديث النفس لا يمكن أن تتصف بالقداسة والاعتبار على كل حال, وهو ما يؤدي في المحصلة إلى عدم صحة فكرة الفداء هذه.
ولا شك أن جنابك تعلم, أن تعيين رئيس الكهنة وعزله بيد الرومانيين حينذاك, وهو ما يدعوه إلى استرضائهم, والعمل على خدمتهم, الإخلاص لهم, ولولا ذلك لما استحق هذه الحظوة عندهم.
وبناء عليه, فهل تعتقد أن الله تعالى كان ينتظر الحاكم الروماني حتى يعين له من يتحدث باسمه ويتنبأ عنه؟!.
وإذا كان الأمر كذلك, فلماذا تدينون يهوذا الأسخريوطي, على خيانة سيده, وتسليمه إياه لليهود الذين يريدون قتله, ما دام كل ذلك حاصل بأمر الله تعالى؟! أوليس أحق بالتكريم والاحترام والتقدير بناء على ما تعتقدون؟!.
ولو تجاوزنا عن كل ذلك, وافترضنا صحة الفداء والخلاص, بالطريقة التي تفترضون, فلا يبقى أي معنى لحزن المسيح واكتئابه ليلة اعتقاله, وسهره الليل كله, متوسلاً وداعياً الله تعالى, أن يجيز عنه كأس الموت, كما لا يبقى أي معنى لصراخه ساعة صلبه, ساخطاً ومعاتباً الله تعالى, بقوله: "إلهي إلهي لماذا تركتني"؟.
وأما الأدلة العقلية, فمع أنكم لا تُعمِلون العقل في مسألة الإيمان, وترون أنه غير قادر على إدراكها وتحليلها, وترفضون الأحكام الصادرة عنه, إن كانت متعلقة بها, إلا أننا نشير: إلى أن العقل حاكم بأن المخطئ هو الذي يستحق المحاكمة والعقاب, ومن أقبح الأمور عند العقل أن يخطئ زيد, وتعاقب عمرواً جزاء لما اقترفه زيد, بزعم أنك تريد إنقاذ زيد من العقاب, والتكفير عن خطيئته, بل وإسقاط جريمته من الأساس, حتى كأنه لم يقترف ذنباً, ولا ابتلي بخطيئة, أوليس من الظلم, برأيك, أن تعاقب عمرواً على ذنب اقترفه غيره؟!.
أظن أننا متفقون وإياك, بأنه لو حصل مثل هذا الحكم في أي مكان من العالم, وبحكم أي قاض من القضاة, فقد حكم بالظلم, بل لا نشك بأنك ستحاول وبشتى الوسائل, أن تثنيه عن ذلك, وأن تعيده إلى الحكم الصحيح, والقضاء العادل, فما ظنك بالله تعالى, أترى أن من الممكن أن يأمر بالعدل ولا يقيمه, أو أن ينهى عن الظلم والجور ويبتلى به دون سائر مخلوقاته؟!.
ولماذا يتحمل السيد المسيح عليه السلام وحده عقوبة ذنوب جميع الناس, جريرة خطاياهم؟! ألا رحمة بهذا المسكين الذي حمَّلتموه أمراضنا وأعطيتموه أسقامنا, لكي يتم ما قيل بأشعياء النبي10, لا شيء إلا "لأن هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية"11.
أوهكذا تكون محبة الخاطئين, أم أنه لم يكن محباً لابنه؟! أعاذنا الله تعالى وإياك من الزلل في القول والعمل.
هذا كله, مع أن الكتاب المقدس صريح: بأن "النفس التي تخطئ هي تموت. والابن لا يحمل من إثم الأب, والأب لا يحمل من إثم الابن. بر البار عليه يكون, وشر الشرير عليه يكون"12.
وإذا قتل المسيح فداء لخطايا الناس, فلا يبقى أي معنى لأمر بولس الرسول بتوبيخ الخاطئين دون سواهم, عندما يقول: "الذين يخطئون وبخهم أمام الجميع ليكون عند الباقين خوفاً"13.
ولابد أنك تتذكر: أن من أساليب شفاء السيد المسيح عليه السلام للمرضى, أنه كان يقول للمريض: "مغفورة خطاياك", والذي يعني في بعض دلالاته: أن المرض أو البلاء إنما أصابه نتيجة اقترافه ذنباً أو ذنوباً معينة, يعمل المسيح عليه السلام , بدعائه له, على إبطال مفاعيلها, ويعيد له صحتها, وهو كاشف عن أن عقاب الخطيئة والذنب يصيب مقترفه دون سواه, فلاحظ. وأما بالنسبة للآيات القرآنية الشريفة, والتي حاولتَ الإيحاء بتنافيها, من خلال الآيتين اللتين أوردتهما, فإنك لو أعملت بعض التأمل فيها لتبين لك أنهما غير متنافيتين, وذلك:
لأن الوفاة مشتقة من الفعل وفى, والذي يعني: أنه أدى ما عليه أداؤه, وكثرة استعمالها بمعنى الموت في ألسنة الناس, لا تخرجها عن معناها الأصلي, ولا تخرجها عن المجازفة كما تعلم من أصول اللغة العربية.
وبناء عليه, فيكون معنى قوله تعالى: ﴿يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾14, هو أن مهمتك التي بعثتك من أجلها قد تمت وانتهت, فتكون على وزان قوله عليه السلام في الإنجيل "العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته, وأما كونه قد مات فعلاً أو لم يمت فتلك مسألة أخرى, والآية غير ناظرة إليها.
فغاية ما تدل عليه الآية الشريفة: أنها أثبتت نجاته من الموت على الصليب, وليست في مقام نفي وقوع الموت عليه أصلاً, فلابد من التماس دليل آخر, لإثبات ما إذا وقع عليه الموت فعلاً, أم أنه سيقع في المستقبل, وهو عندنا السنة النبوية المطهرة.
سماحة الشيخ حاتم اسماعيل
1-الآية 55 من سورة آل عمران.
2-يوحنا: 17/ 3 ـ 4.
3-إنجيل يوحنا: 20/ 9.
4- إنجيل لوقا: 24/11.
5- إنجيل يوحنا: 20/11 ـ 13.
6- إنجيل يوحنا: 18/14.
7- إنجيل لوقا: 24/11.
8- إنجيل يوحنا: 11/51 ـ 52.
9-رسالة غلاطية: 3/13.
10- إنجيل متى: 8/ 17.
11- إنجيل يوحنا: 3/ 16.
12-سفر حزقيال: 18/ 20.
13- رسالته الأولى إلى تيموثاوس: 5/ 20.
14- الآية 55 من سورة آل عمران.