بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة
غلَبَ على كثير من الناس تصوّرٌ مُفادُه أن عقيدة المهديّ المنتظر هي عقيدةٌ خاصّةٌ
بالشيعة، بينما هي عند السنّة أصيلة كأصالتها عند الشيعة، لا فَرقَ بين الجميع في:
ثبوت البشارة من النبيّ صلّى الله عليه وآله بالمهديّ المنتظر عليه السّلام، ولا في
مُهمّته العالميّة، ولا في شخصيّته المقدّسة المتميّزة، ولا في علامات ظهوره الشريف.
وقد يكون الفَرق الوحيد بشأن هذه العقيدة.. أنّ الشيعة يعتقدون بأنّه الإمام الثاني
عشر وقد وُلِد سنة 255 هـ، وقد مدّ اللهُ تعالى في عمره المبارك إلى ظهوره، كما مدّ
في عمر الخضر عليه السّلام إلى يومنا هذا وإلى ما يشاء الله جلّت عظمته، فالمهديّ
سلام الله عليه حيٌّ غائب حتّى يأذن الله تعالى له بالظهور المبارك. في حين يرى
غالبيّة علماء السنّة أنّه عليه السّلام سوف يُولَد، ثم يتحقّق على يديه الشريفتينِ
ما بَشّر به رسول الله صلّى الله عليه وآله.
وتظهر أصالة العقيدة بالإمام المهديّ عند السنّة في كثرة أحاديثها من مصادرهم
وأُصولهم الحديثيّة والعقائديّة، وفي فتاوى علمائهم وآرائهم. فرُواة أحاديث المهديّ
المنتظر من الصحابة والتابعين السنّة لا يقلّ عددهم كثيراً عن الرواة مِن الشيعة،
وكذلك مَن دوّن منهم في الأصول والموسوعات الحديثيّة، ومَن ألّف فيه مؤلّفاً خاصّاً.
ولعلّ أقدمَ مؤلَّفٍ سنّيّ وصل إلينا في عقيدة المهديّ هو كتاب (الفتن والملاحم)
للحافظ نعيم بن حمّاد المِرْوَزيّ (ت 227 هـ)، وهو من شيوخ البخاريّ وغيرهِ مِن
مُصنِّفي الصحاح. أمّا بقيّة المصادر الحديثيّة والعقائديّة السُّنيّة التي تعرضّت
لعقيدة المهديّ المنتظر، أو عقدت لها فصلاً، فهي أكثر من خمسين مصدراً، منها كتب
الصحاح، إضافة إلى الرسائل والبحوث الخاصّة بالموضوع، وهي تقارب هذا العدد.
والثابت على مرّ العصور، أنّ عقيدة الإمام المهديّ عليه السّلام كانت وما تزال من
العقائد الثابتة المُتسالَم عليها عند علماء السنّة وجمهورهم، فإن ظهر رأيٌ شاذ
خلاف ذلك تصدّى له العلماء والمحقّقون فردُّوه وأنكروا عليه تشكيكه في واحدةٍ من
عقائد الإسلام كانت قد ثبتت بالأحاديث المتواترة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله.
وهنا لا بأس بذكر بعض الفقرات ممّا كتبته أيدي علماء السنّة وثبّتته في كتبها حول
الإمام المهديّ الموعود صلوات الله عليه.
ابن قيّم الجوزيّة:
ذكر في كتابه (المنار المنيف في الصحيح والضعيف 289:1) عدداً من الأحاديث في الإمام
المهديّ عجّل الله تعالى فرَجَه الشريف، وما اختُلف عند الناس في تعيينه، فردّ على
مَن يقول أنّه المسيح ابن مريم عليه السّلام، وعلى مَن يقول أنّه مِن بني العباس،
حتّى إذا وصل إلى القول الثالث كتب ابن قيم: القول الثالث: أنّه رجلٌ من أهل بيت
النبيّ صلّى الله عليه وآله مِن وُلْد الحسن بن عليّ (ونحن نقول أنّه وَلَدُ الحسن
العسكري ابن الإمام عليّ الهادي عليهما السّلام)، من عترته، وأنّه مِن وُلْد فاطمة،
ثابتةٌ أصحُّ من هذا الحديث (لا مهديَّ إلاّ..)، فالحكم بها دونه. قال أبو الحسن
محمّد بن الحسين السجزيّ: قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلّى
الله عليه وآله بمجيء المهديّ، وأنّه من أهل بيته، وأنّه سيملك سبعَ سنين، وأنّه
يملأ الأرض عدلاً، وأنّه يخرج معه عيسى فيساعده على قتل الدجّال بباب "لد " بأرض
فلسطين، وأنّه يَؤُمّ هذه الأمّة، وعيسى يصلّي خلفه.. في طولٍ من قصّته وأمره.
ابن أبي الحديد المعتزليّ:
شارح «نهج البلاغة" لأمير المؤمنين عليه السّلام: قال في شرح قوله عليه السّلام: "وبِنا
يَختِم لا بِكُم ": إشارة إلى المهديّ الذي يظهر في آخر الزمان، وأكثرُ المحدّثين
على أنّه مِن وُلْد فاطمة عليها السّلام، وأصحابنا المعتزلة لا يُنكرونه.. (شرح نهج
البلاغة 146:1).
وقال في شرح قوله: "بأبي آبنَ خِيرَةِ الإماء ": أمّا الإماميّة، فيزعمون أنّه
إمامُهمُ الثاني عشر، وأنّه ابنُ أَمَةٍ اسمُها "نرجس ". أمّا أصحابنا فيزعمون أنّه
فاطميّ يُولَد في مستقبل الزمان لأُمّ ولد، وليس بموجودٍ الآن، وأنّه يملأ الأرض
عدلاً كما مُلئت جوراً، وينتقم من الظالمين وينكّل بهم أشدّ النَّكال.. (شرح نهج
البلاغة 152:1).
ردّ: يَرِد الإشكال على ابن أبي الحديد وعلى مِثْلهِ ممّن يُثبتُ هذا النصَّ لأمير
المؤمنين عليه السّلام، بأنّ المهديّ عليه السّلام ابن خِيرَةِ الإماء، بأنّه إذا
لم يكن هو ابنَ الإمام الحسن العسكريّ عليه السّلام، وأنّه سيُولد في عصرنا مَثلاً،
فأين الإماء وقد انتهى وُجودُهنّ في عصر لا إماء فيه؟!
المناوي:
صاحب (فيض القدير)، قال في شرح حديث: "المهديّ رجلٌ مِن وُلْدي، وجهُه كالكوكب
الدُّرّيّ ": حُكي أنّه يكون في هذه الأُمّة خليفة لا يَفضُل عليه أبو بكر. ثمّ قال:
وأخبار المهديّ كثيرةٌ شهيرة، أفرَدَها غير واحدٍ في التأليف. قال السَّمهوديّ:
ويتحصّل ممّا ثبت في الإخبار عنه أنّه مِن وُلْد فاطمة. وفي (سنن أبي داود) أنّه من
وُلد الحسن (أي الحسن العسكريّ عليه السّلام في عقيدتنا)..
ثمّ قال المناوي: تنبيه: أخبار المهديّ لا يعارضها هذا الخبر: (لا مهديَّ إلاّ عيسى
ابنُ مريم)، لأنّ المراد به كما قال القرطبيّ لا مهديَّ كاملاً معصوماً إلاّ عيسى...
قال ابن الجوزيّ: قال ابن أحمد الرازيّ: حديث باطل، انتهى. وفيه محمّد ابن إبراهيم
الصوريّ، قال: قال في (ميزان الاعتدال) عن ابن الجلاّب: روى عن رود خبراً باطلاً
مُنكَراً في ذِكر المهديّ، ثمّ ساق هذا الخبر (لا مهديّ...) وقال: هذا باطل. (المطامح
54:1).
التفتازانيّ:
سعد الدين، قال في (شرح المقاصد 214:1): خاتمة: ممّا يُلحَق بباب الإمامة خروجُ
المهديّ ونزول عيسى، وهما مِن أشراط الساعة... وعن أبي سعيد الخُدْريّ قال: ذكَرَ
رسول الله صلّى الله عليه وآله بلاءً يُصيب هذه الأُمّة، حتّى لا يجدَ الرجلُ ملجأً
يلجأ إليه من الظُّلم، فيبعث الله رجلاً من عترتي، فيملأ الأرضَ قسطاً وعدلاً كما
مُلئت ظُلماً وجوراً. قال التفتازانيّ: ذهب العلماء إلى أنّه إمامٌ عادلٌ مِن وُلد
فاطمة رضي الله عنها، يخلقه الله حين يشاء، ويبعثه لنصرة دينه. وقد زعمت الشيعة
الإماميّة أنّه "محمّدُ بنُ الحسن العسكريّ "، اختفى عن الناس خوفاً من الأعداء،
ولا آستحالةَ في طول عمره كنُوحٍ ولقمانَ والخضر عليهم السّلام..
القرمانيّ الدمشقيّ:
في كتابه (أخبار الدُّوَل وآثار الأُوَل 463:1) قال: اتّفق العلماء على أنّ المهديّ
هو القائمُ في آخر الوقت، وقد تعاضدت الأخبار على ظهوره، وتظاهرت الروايات على
إشراق نوره، وستُسِفر ظُلمة الليالي والأيّام بسفوره، وتنجلي برؤيته الظُّلمُ
آنجلاءَ الصُّبح عن دَيجوره، ويسير عدلُه في الآفاق.. فيكون أضوأَ مِن البدر المنير
في مسيره.
ابن عربي:
مُحيي الدين في كتابه (الفتوحات المكّيّة 106:1) يقول: إعلَمْ أيّدنا الله أنّ لله
خليفةً يخرج وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً، فيملأها قسطاً وعدلاً، ولو لم يَبقَ
مِن الدنيا إلاّ يومٌ واحد لَطوّل الله ذلك اليومَ حتّى يَليَ ذلك الخليفةُ مِن
عترة رسول الله صلّى الله عليه وآله مِن وُلد فاطمة، يُواطي آسمُه آسمَ رسول الله
صلّى الله عليه وآله. يشهد الملحمةَ العظمى مأدُبةَ الله بمَرج عكّا، يُبيد
الظُّلْم وأهلَه، يُقيم الدّين فينفخ الروح في الإسلام بعد موته... يُظهر مِن الدين
ما هو عليه في نفسه ما لو كان رسول الله صلّى الله عليه وآله لَحَكَم به، يرفع
المذاهبَ مِن الأرض فلا يبقى إلاّ الدينُ الخالص.. يفرح به عامّةُ المسلمين أكثر من
خواصّهم، ويبايعه العارفون مِن أهل الحقائق عن شهودٍ وكشفٍ بتعريفٍ إلهي. له رجالٌ
إلهيّون يُقيمون دولته وينصرونه، هم الوزراء، يحملون أثقال المملكة، ويُعينونه على
ما قلّده الله.
شهداؤه خير الشهداء، وأُمناؤه أفضل الأُمناء، وإنّ الله يستوزر له طائفةً خبّأهم له
في مكنون غَيبه، أطلَعَهم كشفاً وشهوداً على الحقائق، وما هو أمرُ الله عليه في
عباده...
وأمّا هو نفسه.. فيعرف من الله قَدْرَ ما تحتاج إليه مرتبته ومنزلته، لأنّه خليفةٌ
مسدَّد، يفهم منطق الحيوان، يَسري عدلُه في الإنس والجانّ..
البرزنجيّ:
صاحب كتاب (الإشاعة في أشراط الساعة) قال فيه: يخرج في آخر الزمان وقد امتلأت الأرض
جوراً وظلماً، فيملأها قسطاً وعدلاً. ثم قال ابن قيّم يُدلي رأيه: وأكثرُ الأحاديث
على هذا تدلّ..
ابن حجر الهيثميّ:
في (الصواعق المحرقة 420:1) كتب في ظلّ الآية الكريمة: وإنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ
(سورة الزخرف:61): قال مقاتل بن سليمان ومَن تبعه من المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت
في المهديّ، وستأتي الأحاديث المُصرِّحة بأنّه من أهل البيت النبويّ، وحينئذٍ ففي
الآية دلالة على البركة في نسل فاطمة وعليّ رضي الله عنهما، وأنّ الله لَيُخرج
منهما كثيراً طيّباً، وأن يجعل نسلَهما مفاتيح الحكمة، ومعادنَ الرحمة. وسِرُّ ذلك
أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله أعاذها وذريّتَها من الشيطان الرجيم، ودعا لعليٍّ
بمِثل ذلك. وشرحُ ذلك كلِّه يُعلَم بسياق الأحاديث الدالّة عليه.
ابن كثير:
في كتابه (البداية والنهاية 296:1) دوّن: فصلٌ في ذِكر المهديّ الذي يكون في اخر
الزمان. ثمّ كتب تحته: وهو أحد الخلفاء الراشدين والأئمّةِ المهديّين، فقد نطقت به
الأحاديثُ المرويّة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأنّه يكون في آخر الدهر...
السيوطيّ:
كتب في مؤلَّفه (الحاوي للفتاوي 396:1) قال في التعليق على الحديث الموضوع (لا مهديَّ
إلاّ عيسى ابنَ مريم): قال القرطبيّ في (التذكرة): إسناده ضعيف. والأحاديث عن النبيّ
صلّى الله عليه وآله في التنصيص على خروج المهديّ.
واعلمْ أنّ الأحاديث الواردة في المهديّ، على اختلاف رواياتها، لا تكاد تنحصر، فقد
قال محمّد بن الحسن الدستوريّ في كتابه (مناقب الشافعيّ): قد تواترت الأخبار عن
رسول الله صلّى الله عليه وآله بِذِكر المهديّ وأنّه مِن أهل بيته صلّى الله عليه
وآله، انتهى.. جاء عن ابن سيرين أنّ المهديّ خيرٌ من أبي بكرٍ وعمر، قيل: يا أبا
بكر (هي كنية ابن سيرين)، خيرٌ من أبي بكرٍ وعمر ؟! قال: قد كان يَفضُل على بعض
الأنبياء. وعنه أيضاً: لا يَفضل عليه أبو بكر ولا عمر. قال السيوطيّ في (العَرف
الوردي في أخبار المهدي): هذا إسنادٌ صحيح.
ثمّ قال البرزنجيّ: وتقدّم من الشيخ (ابن عربي) في (الفتوحات المكيّة) أنّ المهديّ
معصوم في حُكمه، مُقْتَفٍ أثرَ النبيّ صلّى الله عليه وآله لا يُخطئ أبداً. ولا شكَّ
أنّ هذا لم يكن في الشيخَين، وأنّ الأمور التسعة التي مرّت لم تجتمع كلّها في إمامٍ
مِن أئمّة الدين قَبلَه، فمِن هذه الجهات يجوز تفضيله عليهما (أبي بكرٍ وعمر). قال
الشيخ علي القاري في (المشرب الوردي في مذهب المهدي): وممّا يَدُلّ على أفضليّته أنّ
النبيّ صلّى الله عليه وآله سمّاه "خليفة الله "، وأبو بكر لا يُقال له إلاّ خليفةَ
رسول الله. (الإشاعة في أشراط الساعة 480:1).
خير الدين الآلوسيّ:
قال في (غالية المواعظ 158:2): فمِنها (أي علامات الساعة) خروجُ المهديّ رضي الله
تعالى عنه على القول الأصحّ عند أكثر العلماء، ولا عِبرةَ بِمَن أنكر مجيئَه من
الفضلاء، ففي مجيء المهديّ أحاديثُ كثيرة عديدة.. (ثمّ استعرض قسماً منها وقال:)
وهذا الذي ذكرناه في أمر المهديّ هو الصحيح من أقوال أهل السنّة والجماعة.
الشيخ محمّد الخضر حسين:
شيخ الأزهر السابق، قال في مقالةٍ نشرتها له مجلّة (التمدّن الإسلاميّ) بعنوان:
نظرة في أحاديث المهديّ، جاء فيها: ولم يَرِدْ في (الجامع الصحيح) للبخاريّ حديثٌ
في شأن المهديّ، وإنّما ورد في (صحيح مسلم) حديثٌ لم يُصرَّح فيه بآسمه، وحمَلَه
بعضهم على أنّ المراد منه "المهديّ "، أو المشار فيها إلى بعض صفاته. أمّا بقيّة
كتب الحديث، فروى أحاديثَ المهديّ: أحمد بن حنبل، وأبو داود، والترمذيّ، وابن ماجة،
والطبرانيّ، وأبو نُعَيم، وابن أبي شيبة، وأبو يَعلى، والدارقطنيّ، والبيهقيّ،
ونُعيم بن حمّاد.. وغيرهم. وجُمِعت هذه الأحاديث في رسائل مستقلّة، مثل: (العَرف
الوردي في حقيقة المهدي) للملاّ علي القاري، و (التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر
والدجّال والمسيح) للشوكاني. وقد صرّح الشوكانيّ في رسالته هذه بأنّ هذه الأحاديث
بلغت مبلغ التواتر قائلاً: والأحاديث التي أمكن الوقوف عليها، منها خمسون فيها
الصحيح والحَسَن، والضعيف المنجبر، وهي متواترةٌ بلا شكّ، بل يصدق وصفُ التواتر على
ما دونها، على جميع الاصطلاحات المحرَّرة في الأصول.
وقال شيخ الأزهر محمّد الخضر مضيفاً: يقول بعضُ المنكرين لأحاديث المهديّ جملة: إنّ
هذه الأحاديث مِن وضع الشيعة لا محالة. ويَرِد عليه بأنّ هذه الأحاديث مرويّةٌ
بأسانيدها، وقد تقصّينا رجال سندها فوجدناهم ممّن عُرِفوا بالعدالة والضبط، ولم
يتّهمهم أحدٌ من رجال التعديل والجرح بتشيّع، مع شُهرة نقدهم للرجال. وقد اتّخذ
مسألة المهديّ كثيرٌ من القائمين لإنشاء دولٍ وسيلةً إلى الوصول إلى غاياتهم،
فادَّعَوُا المهدويّةَ ليتهافت الناس على الالتفاف حولهم... وإذا أساء الناسُ فهمَ
حديثٍ نبويّ، أو لم يحسنوا تطبيقه على وجهه الصحيح حتّى وقعت جرّاءَ ذلك مفاسد، فلا
ينبغي أن يكون ذلك داعياً للشكّ في صحة الحديث، أو المبادرةِ إلى إنكاره، فإنّ
النبوّة حقيقةٌ واقعة بلا شُبهة، وقد ادّعاها أناسٌ كَذِباً وافتراءً فأضلّوا
بدعواهم كثيراً من الناس، والأُلوهيّة ثابتةٌ بأوضح مِن الشمس في كبد السماء، وقد
ادّعاها قومٌ لزعمائهم على معنى أنّه جلّ شأنه يَحلّ فيهم.. فليس من الصواب إنكارُ
الحقّ مِن أجلِ ما أُلصِق به من باطل. (مجلّة التمدّن الإسلاميّ 210).
الشيخ ناصر الألبانيّ:
كتب في مقالٍ له نشرته (مجلّة التمدّن الإسلاميّ ص 228) تحت عنوان: حول المهديّ،
قال: وأمّا مسألة المهديّ، فَلْيُعلم أنّ في خروجه أحاديثَ كثيرةً صحيحة. وأنا
مُورِدٌ هنا أمثلةً منها، ثمّ مُعقِّبٌ ذلك بدفع شبهة الذين طعنوا فيها. (ثمّ ذكر
الألبانيُّ أمثلةً منها ومن آراء العلماء بتواترها، ثمّ قال:) إنّ رشيد رضا أو غيره
لم يتتبّعوا ما ورد في المهديّ من الأحاديث حديثاً حديثاً، ولا توسَّعوا في طلبِ ما
لكلِّ حديثٍ منها من الأسانيد. ولو فعلوا لوجدوا منها ما تقوم به الحُجّة، حتّى في
الأمور الغيبيّة التي يزعم البعض أنّها لا تثبت إلاّ بحديثٍ متواتر.
وممّا يدلّك على أنّ رشيد رضا ادّعى أنّ أسانيد هذه الأحاديث لا تخلو عن شيعيّ، مع
أنّ الأمر ليس كذلك على إطلاقه، فالأحاديث الأربعة التي ذكرتُها ليس فيها رجلٌ
معروفٌ بالتشيّع. على أنّه لو صحّت هذه الدعوى لم يَقدح ذلك في صحّة الأحاديث، لأنّ
العِبرة في الصحّة إنّما هو الصدق والضبط، وأمّا الخلاف المذهبيّ فلا يُشترَط في
ذلك، كما هو مُقرَّرٌ في مصطلح علم الحديث. ولهذا روى الشيخان (البخاري ومسلم) في
صحيحَيهما لكثيرٍ من الشيعة وغيرهم من الفِرق المخالفة، واحتجّا بأحاديث هذا النوع.
وفي خاتمة حديثه قال الألبانيّ: وخلاصة القول: أنّ عقيدة خروج المهديّ عقيدةٌ ثابتةٌ
متواترةٌ عنه صلّى الله عليه وآله، يجب الإيمان بها، لأنّها من أمور الغَيب،
والإيمان بها من صفات المتّقين، كما قال تعالى:
﴿ذلكَ الكِتابُ لا رَيبَ فيهِ هُدىً
لِلمُتّقينَ * الَّذينَ يُؤْمنُونَ بالغَيب﴾،
وأنّ إنكار هذه العقيدة لا يصدر إلاّ عن جاهل، أو مُكابر. أسأل اللهَ أن يتوفّانا
على الإيمان بها، وبكلّ ما صحّ في الكتاب والسُّنّة.
العَدَويّ المصريّ:
قال في (مشارق الأنوار 62:2): وجاء في بعض الروايات أنّه ينادي عند ظهوره فوق رأسه
مَلَك: هذا المهديُّ خليفة الله فاتّبِعُوه. فيُقبل الناس عليه ويُشرَبون حُبَّه.
وأنّه يملك الأرض شرقها وغربها، وأنّ الذين يبايعونه أوّلاً بين الركن والمقام بعددِ
أهل بدر، ثمّ تأتيه: أبدال الشام، ونجباء مصر، وعصائب أهل الشرق.. وأشباههم. ويبعث
الله جيشاً من خراسان براياتٍ سُودٍ نُصرةً له، ثمّ يتوجّه إلى الشام، وفي روايةٍ
إلى الكوفة، والجمعُ ممكن، وأنّ الله يؤيّده بثلاثة آلافٍ من الملائكة، وأنّ أهل
الكهف مِن أعوانه. قال الأستاذ السيوطيّ: وحينئذ فُسِّر تأخيرهم (أي أهل الكهف) إلى
هذه المدّة إكرامهم بشرفهم بدخولهم في هذه الأُمّة، وإعانتهم للخليفة الحقّ. وأنّ
على مقدّمة جيش المهديّ جبرئيل، وميكائيل على ساقته.
* الشيخ حسين أنصاريان