في ختام خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله في شهر رمضان والمروية عن أمير المؤمنين
عليه السلام ما يلي: " قال أمير المؤمنين عليه السلام فقمت وقلت: يا رسول الله
ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال: يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر:
الورع عن محارم الله عز وجل". فما هو المراد من الورع؟ في مجمع البحرين للطريحي:
" الورع في الأصل الكفّ عن المحارم والتحرّج منها":
الورع شرعاً: ضد عدم الاجتناب عن الحرام التنزه والاحتياط عنه وهو الورع
بأحد أطلاقيه. فان الورع قد يُفسر بملكة التنزه والاجتناب عن مال الحرام أكلاً
وطلباً وأخذاً واستعمالاً، وقد يُفسّر بكفّ النفس عن مطلق المعاصي ومنعها عما لا
ينبغي.. ثم الظاهر أن التقوى مرادفة للورع فعن أمير المؤمنين عليه السلام:" قرن
بالتقى، فان للتقوى تفسيرين".
احدهما: الاتقاء عن الأموال المحرّمة وقد أطلقت التقوى في بعض الأخبار على
هذا المعنى كما ورد عن الأمير عليه السلام: " إنما الورع التحرّي في المكاسب".
وثانيهما: ملكة الاتقاء عن مطلق المعاصي خوفاً من سخط الله تعالى وطلباً
لرضاه. عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "من لم يكن له ورع يرده عن معصية الله
تعالى إذا خلا بها لم يعباً الله بسائر عمله فذلك مخافة الله في السر والعلانية،
والاقتصاد ي الفقر والغنى، والعدل عند الرضا والسخط". وقسم بعض العلماء الورع
والتقوى عن الحرام على أربع درجات:
1- ورع العدول: وهو الاجتناب عن كل ما يلزم
الفسق باقتحامه وتسقط به العدالة ويثبت به العصيان والتعرض للنار وهو الورع عن كا
ما تحرمه فتوى المجتهدين عن علي عليه السلام: " أصل الورع الآثام والتنزه عن
الحرام".
2- ورع الصالحين: وهو الاجتناب عن الشبهات عن
النبي صلى الله عليه وآله: " الورع الذي يقف عند الشهبة".
3- الورع عما يخاف أداؤه: إلى محرم أو شبهة
أيضاً وإن لم يكن في نفسه حراماً ولا شبهة فهو ترك ما لا بأس به مخافة ما به بأس عن
النبي صلى الله عليه وآله: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فانك لن تجد فقد شيءٍ
تركته لله".
4- ورع الصديقين: وهو الاجتناب عن كل ما ليس
لله تعالى ويتناول لغير الله وغير نيته التقوّى على عبادته وان كان حلالاً صرفاً لا
يخاف أداؤه إلى حرام أو شبهة، الصديقون الذين هذه درجتهم هم الموحدون المتجردون عن
حظوظ أنفسهم، المتفردون لله تعالى:
﴿قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي
خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾1.
ونحن في محضر أمير المؤمنين عليه السلام وسيّد الوصيين، وإمام الورعين في ذكرى
شهادته لما ضربه اللعين ابن ملجم رفع صوته قائلاً: " بسم الله وبالله وعلى ملة
رسول الله قتلني ابن ملجم، قتلني ابن اليهودية، فزت ورب الكعبة، أيها الناس لا
يفوتنكم الرجل". ثم أحاطوا بأمير المؤمنين عليه السلام وهو يشد رأسه بمئزره
والدم يجري على وجهه ولحيته وقد خضبت بدمائه وهو يقول: " هذا ما وعد الله ورسوله
وصدق الله ورسوله".
اليوم في سيف أشقى العالمين هوى***شخصُ الوصيّ وفي محرابه
صُرعا
سيفٌ أُصيب به رأس الوصيّ لقد***أصاب قلب الهدى والعلِم والورعا
1- سورة الأنعام الآية:91