﴿...الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ يظهر للمتأمل في الآية المباركة أن فيها جملة معترضة تبدأ من قوله عزّوجل ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ ﴾ إلى قوله ﴿الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ بحيث أنها لو حذفت لكان المعنى متصلا ًفي خصوص أحكام اللحوم المحرم أكلها وهذا من أسرار القران التي يكشف عنها التدبر مقروناً بالتمسك بالثقل الأصغر. ما يلي إضاءة على معنى اليوم المقصود في الآية كما جاء في التفسير الأمثل لآية الله مكارم الشيرازي: متى أكمل الله الدين للمسلمين: لقد قال المفسرون الكثير في هذا المجال ولا ريب أن يوماً عظيماً في تاريخ حياة النبي صلى الله عليه واله وسلم كهذا اليوم لا يمكن أن يكون يوماً عادياً كسائر الأيام: وقد ورد المفسرون احتمالات ستة لتفسير هذه الآية وكلها رد عليها بالأدلة والقرائن منها المراد بهذا اليوم يوم عرفة أو يوم فتح مكة أو أحكام الحلال والحرام من اللحوم ويبقى لدينا احتمال أخير ذكره جميع مفسري الشيعة في تفاسيرهم وهو يوم غدير خم أي اليوم الذي نصب النبي صلى الله عليه واله وسلم علياً أمير المؤمنين عليه السلام بصورة رسمية وعلنية خليفة له حيث غشي الكفار في هذا اليوم سيل من اليأس وقد كانوا يتوهمون أن دين الإسلام سينتهي بوفاة النبي صلى الله عليه واله وسلم وان الأوضاع ستعود إلى سابق عهد الجاهلية لكنهم شاهدوا أن النبي أوصى بالخلافة بعده لرجل كان فريداً بين المسلمين في علمه وتقواه وقوته وعدالته وهو علي بن أبي طالب عليه السلام ففي يوم غدير خم أصبح الدين كاملاً ولو لم يتم تعيين خليفة للنبي صلى الله عليه واله وسلم لم تكتمل الشريعة ولم يكن ليكتمل الدين وهنا قرائن أخرى في دعم وتأييد هذا التفسير منها: لقد ذكرت تفاسير الرازي وروح المعاني والمنار في تفسير هذه الآية أن النبي صلى الله عليه واله وسلم لم يعش أكثر من واحد وثمانين يوماً بعد نزول هذه الآية .
الأول: بحسب الروايات الواردة في مصادر جمهور السنة وحتى في روايات الشيعة التي ذكرها الكليني في كتابه الكافي نستنتج أن نزول الآية بالضبط في يوم الثامن عشر من ذي الحجة الحرام وهو يوم الغدير .
الثاني: ذكرت روايات كثيرة نقلتها مصادر السنّة والشيعة أن هذه الآية الكريمة نزلت في غدير خم بعد أن ابلغ النبي صلى الله عليه واله وسلم بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام ومنها:ما نقله ابن جرير الطبري في كتاب الولاية عن زيد بن أرقم أن هذه الآية نزلت في غدير خم في شأن علي بن أبي طالب عليه السلام ما نقله الحافظ أبو نعيم الأصفهاني عن أبي سعيد ألخدري أن الآية نزلت في حق علي في غدير خم ما رواه الخطيب البغدادي في تاريخه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أن الآية نزلت عقيب حادثة غدير خم والعهد بولاية علي عليه السلام فيتضح لنا أن الروايات والإخبار التي وردت ليست من نوع أخبار الآحاد لكي يمكن تجاهلها عن طريق اعتبار الضعف في بعض أسانيدها بل هي أخبار إن لم تكن في حكم المتواتر فهي على اقل تقدير من الأخبار المستفيضة التي تناقلتها المصادر الإسلامية المشهورة. وقد وردت في الآية (55) من سورة النور نقطة مهمة جديرة بالانتباه فالآية تقول: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾.
والله يقطع في هذه الآية وعداً على نفسه بان يرسخ دعائم الدين الذي ارتضاه للمؤمنين في الأرض ولما كان نوزل سورة النور قبل نزول سورة المائدة ونظرا إلى جملة ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ والتي نزلت في حق علي بن أبي طالب عليه السلام لذلك نستنتج أن حكم الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله ووعد بترسيخ دعائمه وتعزيزه وبعبارة أوضح أن الإسلام إذا أريد له أن يعم العالم كله يجب عدم فصله عن ولاية أهل البيت عليهم السلام. والأمر الثاني الذي نستنتجه في هذه الآية هو أن الآية الأولى قد أعطت للمؤمنين وعوداً ثلاثة: الخلافة في الأرض
الثاني: تحقق الأمن والاستقرار لكي تكون العبادة لله وحده.
الثالث: استقرار الدين الذي يرضاه الله في الأرض وقد تحققت هذه الوعود الثلاثة في يوم غدير خم بنزول آية اليوم أكملت لكم دينكم والرواية التي تصرح بان آية سورة النور نزلت في شأن الإمام المهدي عجل الله فرجه أن عبارة ﴿آمَنُوا مِنكُم﴾ْ لها معنى واسع تحقق واحد من مصاديقه في يوم غدير خم وسيتحقق على مدى أوسع واعم في زمن ظهور المهدي عجل الله فرجه.