اليوم الرابع ولادة المولى أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين عليه السلام:
الوليد
العظيم: وكان أول مولود زكي للسيدة أم البنين هو سيدنا المعظَّم أبو الفضل العباس
عليه السلام ، وقد ازدهرت يثرب، وأشرقت الدنيا بولادته وسرت موجات من الفرح والسرور
بين أفراد الأسرة العلوية، فقد ولد قمرهم المُشرق الذي أضاء سماءَ الدنيا بفضائله
ومآثره، وأضاف إلى الهاشميين مجداً خالداً وذكراً نديّاً عاطراً. وحينما بشَّر
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بهذا المولود المبارك سارع إلى الدار فتناوله،
وأوسعه تقبيلاً، وأجرى عليه مراسيم الولادة الشرعية فأذَّن في أُذنه اليمنى، وأقام
في اليسرى، لقد كان أولَّ صوت قد اخترق سمعه صوت أبيه رائد الإيمان والتقوى في
الأرض، وأنشودة ذلك الصوت . "الله أكبر. ." . "لا إله إلا الله".وارتسمت هذه
الكلمات العظيمة التي هي رسالة الأنبياء، وأنشودة المتقين في أعماق أبي الفضل،
وانطبعت في دخائل ذاته . وفي اليوم السابع من ولادة أبي الفضل عليه السلام ، قام
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بحلق شعر رأسه، والتصدّق بزنته ذهباً أو فضة على
المساكين، وعقّ عنه بكبش كما فعل ذلك مع الحسن والحسين عليه السلام عملاً بالسنّة.
تسميته: سمىّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وليده المبارك )بالعباس) وقد استشف
من وراء الغيب أنه سيكون بطلاً من أبطال الإسلام، وسيكون عبوساً في وجه المنكر
والباطل، ومنطلق البسمات في وجه الخير، وكان كما تنبأ فقد كان عبوساً في ميادين
الحروب التي أثارتها القوى المعادية لأهل البيت عليهم السلام ، فقد دمرّ كتائبها
وجندل أبطالها، وخيّم الموت على جميع قطعات الجيش في يوم كربلاء، ويقول الشاعر فيه:
عبست وجوه القوم خوف الموت***والعباس فيهم ضاحك متبسم
كنيته: وكني سيدنا العباس عليه السلام بما يلي: أبو الفضل: كني بذلك لأن له ولدا
اسمه الفضل فهو - حقاً - أبو الفضل، ومصدره الفياض فقد أفاض في حياته ببره وعطائه
على القاصدين لنبله وجوده، وبعد شهادته كان موئلاً وملجأً لكل ملهوف، فما استجار به
أحد بنية صادقة إلا كشف الله ما ألم به من المحن والبلوى ... وتركه- سيد الشهداء-
في مكانه لسر مكنون أظهرته الأيام وهو أن يدفن في موضعه منحازا عن الشهداء ليكون له
مشهد يقصد بالحوائج والزيارات وبقعة يزدلف إليها الناس وتتزلف إلى المولى سبحانه
تحت قبته التي ضاهت السماء رفعة وسناء فتظهر هنالك الكرامات الباهرة وتعرف الأمة
مكانته السامية ومنزلته عند الله تعالى فتؤدي ما وجب عليهم من الحب المتأكد
والزيارات المتواصلة ويكون عليه السلام حلقة الوصل فيما بينهم وبين الله تعالى،
فشاء حجة الله أبو عبد الله عليه السلام كما شاء المهيمن سبحانه أن تكون منزلة "أبي
الفضل" الظاهرية شبيهة بالمنزلة المعنوية الأخروية فكان كما شاءا وأحبا.
اليوم الخامس ولادة الإمام زين العابدين عليه السلام:
ومن كلام له عليه السلام لمحمّد بن مسلم بن شهاب الزُّهْرِيّ يعظه: "إحفظ عليك لسانك، تملك به إخوانك". قال الزُّهري: يا بن رسول الله، إني أحسن إليهم بما يَبْدُرُ من كلامي . قال عليّ بن الحسين عليه السلام: "هيهات هيهات، إيّاك أن تعجب من نفسك بذلك، وإيّاك أن تتكلّم بما يسبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره، فليس كلّ من تسمعه شرّاً يمكنك أن توّسعه عذراً ." ثُمَّ قال: "يا زُهْرِيّ، مَن لم يكن عقله من أكمل ما فيه، كان هلاكه من أَيسر ما فيه" . ثُمَّ قال: "يا زهري، أما عليك أن تجعل المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك، فتجعل كبيرهم بمنزلة والدك، وتجعل صغيرهم بمنزلة ولدك، وتجعل قربك منهم بمنزلة أخيك، فأيّ هؤلاء أن تظلم، وأيّ هؤلاء تحبّ أن تدعو عليه، وأيّ هؤلاء تحبّ أن تهتك ستره".