الغايات التي تَداولها
الأصحاب بالبحث عنها ثمان1:
الأولى: الرياء ولا يَرتاب في إخلالها بالإخلاص، وتتحقق بقصد مدح الرآئي
إياه أو التسبّب للانتفاع به أو لدفع ضرره، وفي العبادات المَشوبة بالتقية، أصل
العبادة تقع على وجه الإخلاص، وما فُعل منها تقيه فله اعتباران: بالنظر إلى أصله
وهو قربة لله تعالى، وبالنظر إلى ما طرأ من استدفاع الضرر وهو لازم، لذلك فلا يقدح
في اعتباره(اعتبار العمل) وأما إحداث صلاة -مثلا- تقية فمن باب الرياء قطعاً.
الثانية: قصد الثواب أو الخلاص من العقاب أو قصدهما معاً.
الثالثة: فِعلُ العبادة شكراً للنعم واستجلاباً للمزيد.
الرابعة: حياءً من الله تعالى.
الخامسة: حباً لله تعالى.
السادسة: تعظيماً لله تعالى ومَهابة وانقياداً وإجابة.
السابعة: موافقة لإرادته وطاعة لأمره.
الثامنة: لكونه سبحانه أهلاً للعبادة وهذه الأخيرة غاية لذاتها بخلاف ساير
الغايات كالحب والامتثال والطاعة، ومُجمعٌ على كون العبادة بها تقع صحيحة معتبرة،
وهي أكمل مراتب الإخلاص وقد أشار إليها أمير المؤمنين صلوات الله عليه بقوله:"ما
عبدتك طمعاً في جنتك ولا خوفاً من نارك بل وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك". و غاية
الثواب والعقاب قد قطع الأصحاب بان قصدها منشأ لفساد العبادة وكذلك الاستجلاب،وأما
الباقية كالحب والمهابة والطاعة فقد اختُلِف فيها، والظاهر أنها غير ضائرة في النية
وفاقاً لقول شيخنا المحقق الشهيد رفعت درجاته في قواعده لان الغرض بها الله في
الجملة، ونِعْمَ ما قال في (الذكرى) "ويكفي عن الجميع قصد الله سبحانه الذي هو غاية
كل مقصد". ثم النظر إنما هو في التعرض لتلك الغايات في النية حين الفعل، وأما كون
الطمع والرجاء والشكر والحياء بحيث تنبعث عنها العبادة ومن الأسباب الباعثة عليها
وان لم تدخل في النية حين إيقاعها فلا كلام في عدم استضرار صحة العبادة بها، ولذلك
اشتمل الكتاب والسنة على المُرهِبات من الحدود والتعزيزات والذمّ والإيعاد
بالعقوبات وعلى المرغِّبات من المدح والثناء في العاجل والجنة ونعيمها في الآجل،
إلا ان تلك من درجات العابدين ودرجة العارفين ارفع منها، فزهد غير العارف يرجع إلى
تجارة ما كأنه يجري مجرى تاجرٍ يشتري بمتاع الدنيا نعيمَ الآخرة، وعبادته إلى
مؤاجرة ما، كأنه يجري مجرى أجير يعمل عاجلاً ليستعيض عنه باجرة يأخذها آجلاً، وأما
العارف فحيث استيقن ان قاطبة ما سوى الله سبحانه مهيّآت باطلة، وهويّات هالكة في حدّ
أنفسها في الآزال و الآباد، ولا حظّ لها من الحقيقة إلا الاستناد إلى القيوم الحق
استناد المجعولية والمصنوعية لم يكن لغير الله تعالى في نفسه وقعٌ يتوصل إليه
بوسيلة العبادة.
1- مقتطف من (اثنا
عشر رسالة) للمحقق السيد الداماد