كلام في التوبة للمرجع الشيخ محمد أمين زين الدين في باب الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر تحت عنوان "جهاد النفس" في كتابه "كلمة التقوى" تجب التوبة على العبد إذا هو:
تَرَكَ واجباً من واجبات الله سبحانه صغيراً كان أم كبيراً، أو اقترف ذنباً، أو أصرَّ
على ذنب صغير، أو فعل كبيرة من كبائر الذنوب وأصرَّ على فعلها، بل وإن تمادى به
الغيُّ فارتكب عدة من الكبائر وأصرَّ على فعلها مدة من حياته، فإذا ندم على ما فعل،
وتاب إلى الله توبة نصوحاً مما اقترف، وكَمُلَت له شروط التوبة وأخلص لله فيها،
قَبِلَ الله منه توبته، فإن الله ﴿يُحِبُّ
التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾
كما يقول في كتابه الكريم، وفي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : "التائب
من الذنب كمن لا ذنب له". وعن أمير المؤمنين عليه السلام : "لا شفيع أنجح من
التوبة". وعن أبي جعفر عليه السلام : "فأما الظلم الذي بينه وبين الله فإذا
تاب غفر له".
الندم أول شؤون التوبة:
يجب على العبد المذنب أن يندم على معصيته ندامة يأسى بها على ما فرط، ويستحي مما
واجه به ربّه من جرم، وخصوصاً إذا كان ما عمله كبيرة أو إصراراً على معصية، والندم
أول شؤون التوبة، بل هو أول الواجبات المقومة لها، وعن الرسول صلى الله عليه وآله
وسلم: "كفى بالندم توبة".
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "إن الندم على الشئ يدعو إلى تركه"، فإذا
ندم الرجل واستحيا من سيئ عمله، وعزم في نفسه عزماً صادقاً على أن لا يعود إلى فعله
ما بقي في الحياة، فقد حصل منه الركن الأساس من توبته، وهو التوبة النصوح.
ما يترتب على التوبة النصوح:
يجب على النادم التائب من ذنوبه أن: يؤدي كل فريضة واجبة تركها قبل توبته إذا كانت
الفريضة مما يجب قضاؤها، ويلزمه دفع كفارتها إذا كانت مما تجب فيه الكفارة، ويجب
عليه أداء الكفارات الأخرى التي اشتغلت بها ذمته ككفارات النذور والعهود والأيمان
والمخالفات التي ارتكبها. ويجب عليه أن يؤدي للناس حقوقهم وأموالهم التي استولى
عليها بغير حق، فيؤديها إلى أصحابها، أو يستبرئ ذمته منهم بوجه شرعي آخر، ولا تصح
توبته بغير ذلك مع القدرة والتمكن، وإذا عجز عن ذلك ولم يمكنه أن يرد المظالم إلى
أهلها، وجب عليه الاستغفار للمظلومين.
وجوب تجديد التوبة عند تجدد الذنب:
يجب على العبد أن يجدد التوبة كلما تجدد منه الذنب، وتصح منه توبته إذا اجتمعت
الشروط التي ذكرناها وإن تكررت، ولا يجوز له أن ييأس من روح الله أو يقنط من رحمته،
فعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: "يا محمد بن مسلم ذنوب المؤمن
إذا تاب منها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة، أما والله
إنها ليست إلا لأهل الإيمان. قلت: فإن عاد بعد التوبة والاستغفار من الذنوب وعاد في
التوبة؟ قال عليه السلام : يا محمد بن مسلم أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه
ويستغفر منه ويتوب ثم لا يقبل الله منه توبته؟! قلت: فإن فعل ذلك مرارا يذنب ثم
يتوب ويستغفر، فقال: كلما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة عاد الله عليه بالمغفرة،
وإن الله غفور رحيم يقبل التوبة ويعفو عن السيئات، فإياك أن تقنط المؤمنين من رحمة
الله".