بسم الله الرحمن الرحيم
يتسم كتاب نفس المهموم للمحدث الشيخ عباس القمي رضوان الله عليه بطابع الاستيعاب
والشمول لسائر مجريات النهضة الحسينية، معتمدا على مختلف المصادر التاريخية، سواء
منها الموالية والمخالفة، وتعرض في كثير من المواطن أن يذكر الروايات المتخالفة
فيما بينها، ليرجح ما يراه أقرب إلى الواقع والحقيقة التاريخية، عبر الإشارة إلى
القرائن المؤيدة وغيرها، متحريا حقيقة الأمر فيما حدث.
ولا غرابة في ذلك، فهو الخبير بالروايات، والحافظ للأخبار، والمدقق فيها، فجاء
كتابه متوازنا في مضمونه، بحيث لم تحرفه موضوعيته وتحريه عن الحق عن التحيز إلى
المعسكر الحسيني عليه السلام، كما لم ينأ به تحيزه لأهل البيت عليه السلام
ومظلوميتهم عن الأمانة التاريخية والموضوعية في ما سعى إليه.
لقد مهد الشيخ المؤلف لغايته من الكتاب بتمهيدين:
الأول: ذكر فيه اربعين حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل
البيت عليهم السلام في ثواب البكاء على مصيبة الحسين عليه السلام وأهل بيته، وهو لا
يخلو من الدلالة على امرين:
أحدهما: أن البكاء على مصيبة الحسين عليه السلام مطلوب لنفسه من قبل الشارع
بما لا يقبل الشك، أي أنه بلغ حد التواتر، الأمر الذي يقطع الطريق على جميع الدعوات
التأويلية في مسألة البكاء وذكر الواقعة، التي تحاول إبعاد هذه القضية عن المسار
الذي أراده لها أئمة الهدى عليهم السلام.
والآخر: ان الالتزام بذكر الأربعين حديثا لا يخلو من دلالة على امتثاله
الحديث الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من حفظ على أمتي أربعين
حديثا ينتفعون بها بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما".
التمهيد الثاني: تعرض فيه لذكر أربعة من أعاظم أصحاب أمير المؤمنين عليه
السلام الذين قتلهم الأمويون بدءا من معاوية وهم: حجر بن عدي، وميثم التمار، ورشيد
الهجري وعمرو بن الحمق الخزاعي، متعرضا لبعض فضائلهم وكراماتهم، وظلم الأمويين لهم،
في اشارة ذات دلالة على حقد الأمويين وكراهيتهم لأهل البيت عليهم السلام وشيعتهم،
مما يعني أنه وبغض النظر عن عدم اهليتهم للحكم بحسب موازين الإسلام، فإنهم غير
جديرين بحمل أمانة هذه الأمة حتى بمقاييس أهل الدنيا، من خلال ذكره للروايات التي
تعرضت لكيفية قتلهم رضوان الله عليهم والحوارات التي جرت بينهم وبين جلاديهم.
وهذا يعني ان معاوية بن أبي سفيان الذي قتل هؤلاء العظام، هو الذي أخذ البيعة لولده
يزيد من الأمة عنوة مما يدل على أن حكومة الأمويين لم تقم إلا على دماء المسلمين،
وكيف يمكن لحكومة كهذه أن تنال خلافة المسلمين وتحظى بتأييدهم وطاعتهم.
وختم رحمه الله كتابه بذكر الأحداث التي حصلت بعد واقعة كربلاء من حركة التوابين
وما جرى عليهم، وخروج المختار بن عبيد الله الثقفي وانتقامه من قتلة الحسين عليه
السلام، وادخاله السرور على أهل البيت عليهم السلام والهاشميين عموما.
وما بين التمهيد والخاتمة، ذكر أحداث الواقعة بالتفصيل، مبتدئا بقصة أخذ البيعة
ليزيد وما رافقها وما تلاها من أحداث ومواقف، في ما يتعلق بأهل البيت عليهم السلام
وكبار المسلمين، سواء في المدينة المنورة، ومكة المكرمة، والعراق مما له علاقة
بحركته عليه السلام، ثم ذكر تفاصيل ما جرى في كربلاء، من مقاتل الاصحاب وأهل البيت
ثم مقتله عليه السلام، معتمدا في كل ذلك على مختلف المصادر المعتمدة عند الفريقين.
ولم يفته أن يبدأ كتابه بذكر ولادته عليه السلام وما رافقها من كرامات وخصوصيات،
اختص بها مولده الشريف، وما قاله وفعله رسول الله بحقه حينها، وإخباره بقتله ظلما
على يد زبانية يزيد، وبكائه لأجله مما ذكره مؤرخو الطرفين، بما لا يبقي أدنى شبهة
لدى المنصف في تمييز حقه عليه السلام من باطل أعدائه.
والحاصل أن الكتاب قد جاء شاملا موثقا، يمكن أن يستفيد منه القارئ والمثقف والباحث،
فيمكن الاستغناء به، ولا يصح الاستغناء عنه.
* سماحة الشيخ حاتم إسماعيل