كلمات في أهداف الوعظ والإرشاد في أيام محرم الحرام للمرجع الديني الشيخ الوحيد
الخراساني:
في مناسبة أيام عاشوراء يوجد أمران مهمان، أرجو أن تتأملوا فيهما بعمق: للعلامة
الحلي أعلى الله مقامه كتابان: التبصرة، ألفه لعامة الناس، والتذكرة ألفها للفقهاء.
المطلب الأول: ما هو واجبكم في موسم عاشوراء؟
عاشوراء لها حكم ربيع القلوب، فكما أن الأرض في الربيع تستعد لإنبات النبات وتنميته،
فإن قلوب الناس تستعد في موسم عاشوراء لتقبل بذور الحكمة والموعظة الحسنة، ومن
المهم جداً أن نستفيد من ربيع قلوب الناس من أجل تربيتها.. فماذا يجب عمله ؟ لقد
عيَّن الله تعالى في كتابه واجبنا بقوله تعالى:
﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَر مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ
مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا
رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون﴾(1). ، فواجبكم أمران:
التفقه في الدين، والإنذار، وإنه لا يصح ولا يناسب أن نملأ وقت الناس بالقصص ومواد
الجرائد، فواجبنا تجاه أنفسنا التفقه، وتجاه الناس الإنذار:
﴿رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ
حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً﴾(2)، للقرآن
في تربية البشر طريقتان: إحداهما التخويف من المسؤولية والمستقبل, والثانية بعث
الرجاء والأمل في نفوسهم. فلماذا نرى التأثير في الناس قليلاً، وتطبيقهم للأحكام
الشرعية قليلاً؟ إنَّ السبب يكمن في تبليغنا وخطابنا للناس عندما لا يكون على أساس
صحيح، فنحن لم نستفد كما ينبغي من طريقة الرسل والأنبياء عليهم السلام في تحريك
الفطرة التي فطر الله الناس عليها! إن طريق تربية الناس توجب أولاً أن نتفقه نحن!
أرجو أن تتأملوا أن كلمة (تفقُّه) من باب (التفعّل) الذي يعني قبول الفقه، وأن تكون
شخصية أحدكم بلون الفقه، لا أقصد اللون الظاهري فقط، بل أن يرسخ الفقه في الأعماق،
فينعكس لونه على الشخصية. فإن حصلتم على هذه المرحلة، فقد حصلتم على التفقه. وإذا
صار الإنسان متفقهاً، فمحال أن لا يحدث في سلوكه تحول! من روايات الإمام الحسن
العسكري عن أمير المؤمنين عليهما السلام أنه قال: "مَنْ كان من شيعتنا عالماً
بشريعتنا، فأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الذي حبوناه به، جاء يوم
القيامة على رأسه تاج من نور، يُضئُ لجميع أهل العَرَصَات"(3). هذا واجبكم في
عاشوراء.
والمطلب الثاني: أن تُفهموا الناس ما هي عاشوراء ؟ ومن هو
صاحب عاشوراء ؟
ونقصد بذلك قدر استطاعتنا من الفهم، وإلا فلا يمكن أن ندّعي أننا نفهم عاشوراء
وصاحب عاشوراء صلوات الله عليه، لا أنا ولا أنتم ولا ملايين من أمثال الشيخ
الأنصاري، والطوسي، والعلامة، أعلى الله مقامهم. إنها قضية بلغت من أهميتها وعظمتها
أن الإنسان مهما زاد تبحّره في المعقول والمنقول، لم يرجع من الغور فيها إلا
بالإكبار والحيرة والذهول !إن قضية الإمام الحسين عليه السلام فوق الوصف والتقرير !
بل إن ذلك الغلام الأسود الذي استشهد معه، فوق وصفنا وبياننا ! لأنه بلغ مقاماً أنّ
سيد المرسلين وخاتم النبيين يحضر من عالمه الأعلى بنفسه فيحفرَ له قبره ويدفنه !نعم،
خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم الشخص الأول في عوالم المخلوقات، لكنه هو
الذي يتولى حفر قبر أصحاب الحسين سلام الله عليه، ورضوان الله عليهم! ! إنها عظمة
قضية كربلاء، وعظمة الحسين عليه السلام ! فلنفكر في هذا الأمر، وفيما يستلزمه !
(1) (سورة التوبة: 122)
(2) (سورة النساء: 165)
(3) (الاحتجاج للطبرسي: 1 / 7)