بسم الله الرحمن الرحيم
الحسين(عليه السلام) يقرّر الخروج على السلطان الجائر
قال الإمام الحسين(عليه السلام) نقلا عن جدّه المصطفى(صلى الله عليه وآله): "من رأى
منكم سلطاناً جائراً مستحلا لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله،
يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ثمّ لم يغيّر بقول ولا فعل، كان حقيقاً على الله
أن يدخل مدخله"، ثمّ قال(عليه السلام): "وقد علمتم أنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة
الشيطان، وتوّلوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء،
وأحلّو حرام الله، وحرّموا حلاله"1.
ونادى رسول والي يزيد على مكة عمرو بن سعيد يحيى بن سعيد ـ الامام الحسين(عليه
السلام) حينما أراد الخروج إلى كربلاء: "يا حسين ألا تتق الله؟ تخرج من الجماعة،
وتفرّق بين الاُمّة بعد اجتماع الكلمة" فردّ عليه الإمام الحسين(عليه السلام):
"لي
عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون"2.
بنو أُمية كانوا يسمّون المنتمين إلى حكوماتهم الجائرة بـ
"الجماعة"
وكان التعبير بالجماعة يشير إلى السلطات الأموية الحاكمة، وإلى الخلافة
المسيطرة على أُمور المسلمين، وكذلك عمرو بن الحجاج الذي كان أبرز معاوني عمر بن
سعد، قال وهو يستنفر جيوش الظلم الأموية ضدّ سيد الشهداء الحسين بن علي(عليه السلام):
"ألزموا طاعتكم وجماعتكم ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف الإمام"3.
فكان الأمويّون يعتقدون أنّ السلطات الحاكمة الظالمة هي التي تمثّل "الجماعة" وأنّ
الخروج عليها مروق من الدين.
ومن المؤسف أنّ إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق السعدي الجوزجاني الذي كان يسكن في الشام،
وكان ورده سب ولعن علي بن أبي طالب(عليه السلام) يُعبّر عنه بأنّه صلب في السنّة"4، ولا ندري كيف يكون من كان ورده سب علي(عليه السلام) صلباً في السنّة؟! ثم أنّه رأى
رأي الخوارج فأخذ ينكر على السلطان وإن لم يعتقد بوجوب الخروج عليه.
فنلاحظ أنّ تعبير "سنّة الجماعة كان له جذور تمثّل الانتماء والولاء للسلطات
الحاكمة والجهات التي تعادي أهل البيت(عليهم السلام)، ومن أراد أن يراجع فليراجع
كتب رجال الحديث حول ما كتبته عن هذا الرجال "إبراهيم بن يعقوب".
بداية مصطلح "الجماعة"
أمّا مصطلح "الجماعة" فابتدىء به منذ ما سمّي بحروب الردّة في زمن
الخليفة الأوّل، صحيح أنّ الردّة كانت موجودة، وكان يقودها مسيلمة الكذّاب وغيره،
إلاّ أنّ الواقع أنّه ليس كل من رفض حكم الخليفة الأوّل هو مرتد، فقبائل حضر موت
وكندة والبحرين لم تكن مرتدّة عن الدين، ولم تتخلّى عن أصل من أُصول الدين أو فروعه،
إلاّ أنّها لم تعط الزكاة للخليفة الأوّل، لا لأنّها تنكر وجوب الزكاة، وإنّما رفضت
الطاعة للخليفة الأوّل; لأنّها لا تعتقد بأحقيّته بالخلافة، وهذه الأُمور مذكورة في
مصادر التاريخ، ككتاب ابن أعثم5 والمسعودي6 واليعقوبي7 وغيرها من المصادر.
ومن الأدلّة على أنّهم لم يرتدّوا أنّ جهاز الخلافة لم يقتل أسرى هذه القبائل;
لأنّهم لم يرتدّوا عن الدين، وإنّما أبوا طاعة السلطان، ومن المعروف أنّ حكم المرتد
القتل.
عدم طاعة الخليفة لا يعتبر ردّة عن الدين
نحن نعتقد أنّ الذي لا يعتقد بأحقيّة خليفة معيّن ليس مرتدّاً، وأنَّ
هؤلاء ليسوا مرتدّين، ولا ندري لم يحكم البعض بردّتهم; لأنّهم رفضوا حكم الخليفة
الأوّل، ولا يعتبر من خرجوا على حكم الإمام علي(عليه السلام) في الجمل وصفين
والنهروان من المرتدّين؟! ولماذا الباء هناك تجر، وهنا لا تجر؟!
ومن المعروف أنّ أهل السنّة لا يعتقدون أنّ الخلافة من أُصول الدين. إذن لم يحكم
على من لا يعتقد بحكم خليفة مّا بأنّه مرتد؟!
وكان تعبير سنّة الجماعة يطلق على السلطات الحاكمة والجهات المناوئة لأهل
البيت(عليهم السلام)، كما رأينا في مقالة عمرو بن سعيد، وفي ترجمة إبراهيم بن يعقوب.
حجّة شقّ عصا المسلمين حجّة واهية
ومن هنا استنكر البعض خروج الحسين(عليه السلام) على حكم يزيد بن
معاوية8، وكانوا قد أنكروا على علي بن أبي طالب(عليه السلام) حربه مع معاوية بن أبي
سفيان وأصحاب الجمل، ولِمَ لمْ يساوم الإمام علي(عليه السلام) معاوية؟ ويبقيه في
الحكم، ويخضع لأطماع الطامعين، ويتنازل عن مبادئة، ولا يطبّقها بهذه الحدّة والشدّة;
لكي يوحّد الأُمة ويحفظ دماءها.
صعوبة الظروف التي مرّ بها النبي(صلى الله عليه وآله) في
مواجهة قريش
النبي(صلى الله عليه وآله) عندما بدأ حركته في مكة كان يواجه قريش، ولم
تكن قريش تعبد الأصنام، بل هم على ملّة إبراهيم الحنيفيّة، ومن نسل إبراهيم
وإسماعيل، وهم أهل الكعبة، ولهم حرمة خاصّة، والنبي(صلى الله عليه وآله) كان يواجه
معادلة صعبة في فرض الإسلام بدلا من الحنيفيّة الإبراهيميّة، حتى أنّ بعض المسلمين
كانوا يتخوّفون من مواجهة فكريّة أو مواجهة عسكريّة، حتى قال بعضهم، حينما سألهم
النبي(صلى الله عليه وآله)عن رأيهم في حرب قريش: "إنّها قريش وخيلاءها، ما أمنت منذ
كفرت، ولا ذلّت منذ عزّت..."9.
وأبو سفيان كان يعتبر أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) يخرّب الدين، ويعني بهذا:
الملّة الحنيفيّة.
وقد واجهت النبي(صلى الله عليه وآله) نظم قوميّة وإقليميّة; لأنّ مكّة كانت مهدّدة
من الحبشة، كما دلّلت على هذا سورة الفيل وقصّة أبرهة الحبشي، وكذلك تهديدات من
كسرى الفرس، ومن الروم، في الوقت الذي بقت فيه قريش على دين إبراهيم الحنيف، إذن
كان النبي(صلى الله عليه وآله) يواجه تهديدات قبليّة من قبل قريش، وإقليمية من قبل
دول أُخرى، وتهديدات عسكرية، وتهديدات دينيّة من قبل الديانات الأُخرى، وكانت
الوضعيّة الجغرافية لمكّة وضعيّة تجعلها محاطة بالأعداء الأقوياء.
أسلم بنوا أُمية تحت ضغط السيف، ولمّا سنحت لهم الفرصة عاودوا حرب الإمام علي(عليه
السلام)
النبي(صلى الله عليه وآله) لم يبدأ بالحروب، وإنّما كانت حروبه دفاعيّة، وأنّه
اعتمد لغة الحوار، ولكن الحوار لا يعني الذوبان في الباطل، فدافع النبي (صلى الله
عليه وآله) عن الإسلام، وكان النبي(صلى الله عليه وآله) يعتمد على سيف علي(عليه
السلام)، هذا السيف الذي جعل بني أُمية يسلمون في عام الفتح بالضغط، وأسلم بنو أمية
في الظاهر، ولكن بلا روح; ولذلك حاربوا علياً بعد النبي (صلى الله عليه وآله)
وواجهوا سيفه; لأنّهم لا يمتلكون الإيمان الحقيقي، ولو كانوا مؤمنين حقاً لم يفعلوا
ذلك.
الحجج التي طرحها أعداء الإمام علي(عليه السلام)
السيف الذي شيّد بناء الإسلام هو السيف الذي فرض الله عليه أن يشيّد
الإيمان في حروبه الثلاثة التي خاضها في زمن خلافته(عليه السلام). وكما أنّ
النبي(صلى الله عليه وآله)قد واجه حجج قريش باعتبارهم من أتباع دين إبراهيم الحنيف،
وأنّهم أهل حرم الله، كذلك واجه الإمام علي(عليه السلام) حجج المخالفين له بأنّ من
المخالفين له أُمّ المؤمنين، ووجود كبار الصحابة كطلحة والزبير في الجيش المناوىء
له، أمّا الخوارج فكانت حجّتهم "لا حكم إلاّ لله"، في حين أنّنا نعتقد أنّ التوحيد
في الحاكمية لا يوجد في أيّ مدرسة من المدارس الدينية والفكرية غير مدرسة أهل
البيت(عليه السلام) التي تطبّق التوحيد في الحاكمية من خلال أصل الإمامة الذي تعتقد
به.
فقأت عين الفتنة
ولذلك قال الإمام علي(عليه السلام): "إنّي فقأت عين الفتنة، ولم يكن
ليجترىء عليها"10. فحارب الإمام علي(عليه السلام) في الجمل، وكانت حرب (عليه السلام)
لبعض من يُدعى أنّه من العشرة المبشّرين بالجنّة تكشف زيف هذه الفكرة، وتبثّ الوعي
في الأُمّة، والإمام علي(عليه السلام) الذي قاتل على التنزيل هوالذي قاتل على
التأويل.
اتهام شقّ عصا المسلمين لعلي والحسين(عليهما السلام)
وكما اتُّهم الإمام علي(عليه السلام) بأنّه قد شقّ عصا المسلمين11، كذلك
اتُّهم الإمام الحسين(عليه السلام) بهذا الاتهام12، واعتبر خارجاً عن سنّة الجماعة.
هل يشقّ عصا الأُمّة من اختاره الله للمباهلة دون كبار
الصحابة؟!
الإمام الحسين(عليه السلام) الذي اصطفاه الله للمباهلة13، والذي شارك في
المباهلة هو شريك للنبي(صلى الله عليه وآله) في دعوته، وليس دخيلا عليها، وهو صغير
السن اختاره الله دون باقي الصحابة من أصحاب اللحى والعمائم، هذا الاعتبار الذي
يحمله الحسين، وهذه الشهادة الإلهيّة القرآنية التي برهنت أنّ الله اصطفى هذا الطفل
الصغير من دون سائر المسلمين لمباهلة النصارى، كما اصطفى عيسى للنبوّة وهو في المهد;
لكي ينقدح في عقليّة الأُمّة قدر هذا العملاق، وما يستحق من التكريم والتبجيل الذي
هو أحد إمامين قاما أو قعدا14، وهو الذي يحمل وسام حسين منّي وأنا من حسين15.
كربلاء نجحت في إزالة الشرعيّة عن سلطات بني أُميّة
وقد صدق من قال أنّ كربلاء نجحت في فصل الشرعية عن السلطات الحاكمة
آنذاك، والتي كانت تتذرّع بسنّة الجماعة من أجل اتّهام المصلحين بالمروق والخروج عن
الدين، وقد كشفت دماء الحسين الزكيّة زيف هذه الحكومات الطاغوتية المتجبّرة، وقد
احتجّ من احتجّ منهم على خروج الحسين(عليه السلام) بأنّه يسبّب الهرج والمرج، ونحن
نقول: إنّ تربّع الفساد الخلقي والإداري على رأس السلطة هو الذي يوجب الهرج والمرج،
وإنّ إزاحة هذا الفساد هوالذي يساهم في إزاحة الهرج والمرج والقضاء عليه إذن هدف
الإمام الحسين(عليه السلام) هو الاصلاح في أُمّة جدّه رسول الله(صلى الله عليه وآله)،
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد ضرب الحسين(عليه السلام) مثالا رائعاً
للمعارضة للحكم، هذه المعارضة التي تفرض مراقبتها على السلطات الحاكمة، وتسجّل
اعتراضاتها للفساد الموجود في هذه السلطة.
الذين يفرحون لحزن رسول الله(صلى الله عليه وآله)
أمّا الذين يبتهجون ويفرحون في هذه الليلة ـ ليلة العاشر من المحرم
الحرام ـ فهم مصداق لقوله تعالى:
﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ
تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا﴾.
فهم يفرحون لحزن رسول الله(صلى الله عليه وآله) بالفاجعة الأليمة التي ألمّت به في
كربلاء.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.
* آية الله الشيخ محمد سند- بتصرف
1- بحار الأنوار 44: 382، باب ما جرى
عليه بعد بيعة الناس ليزيد.
2- البداية والنهاية 8: 116. الآية في سورة يونس (10): 41.
3- بحار الأنوار 45: 19، باب ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد.
4- تهذيب التهذيب 1: 181، الرقم 332.
5- كتاب الفتوح 1: 18.
6- التنبيه والاشراف: 247.
7- تاريخ اليعقوبي 2: 89.
8- العواصم من القواصم: 237.
9- بحار الأنوار 19: 247، تاريخ نبيّنا(صلى الله عليه وآله)، باب غزوة بدر الكبرى.
والقائل أبو بكر.
10- ميزان الحكمة 2: 737، الحديث 4668.
11- الأمالي للطوسي: 50، الحديث 66.
12- بحار الأنوار 44: 357، باب ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد.
13- آل عمران (3): 61.
14- ميزان الحكمة 1: 153، الحديث 1117.
15- ميزان الحكمة 1: 158، الحديث 1127.