حقيقة الزّيارة ومنتهاها إلى الله تعالى
ما ورَدَ من أنّ زائر الحسين عليه السلام ؛ عارفاً بحقّه، يكون كمَن زارَ الله فوق
عرشهِ؛ يُعرَف [معناه] بالانتباه إلى أمور، منها:
الأوّل: أنّ العرش المذكور في الآيات والروايات ليس عرشاً ماديّاً؛ فإنّه
اسمُ عِلمٍ وقُدرة، كما ورد في الخبر، وهو يوافق الجَمّ الكثير من الروايات التي
تناولتْ ما يصدر عن هذا العرش. ففي هذا العرش مكنونُ ما كان وما يكون مِن عالَم
الإيجاد والتدبير وعالَم الدِّين والمُداينة.
الثاني: قد تقدّم أنّ سيّدنا محمّداً وآله؛ صلوات الله عليهم، هم عينُ
الحقائق الإلهيّة لعالَم الدِّين والمُداينة، وهو ما استفدناه من روايات كثيرة،
وبهذا يكون العرش مصدرَ آثارهم وحقائقهم وولايتهم؛ وهو ما ذكرتْه بعض الأخبار، وهو
أنّهم عليهم السلام، يوفون (يوافون) على العرش كلّ ليلةِ جُمعة فلا تُردُّ أرواحهم
إلى أبدانهم إلاّ بعِلمٍ مُستفادٍ، ولولا ذلك لنفدَ ما عندهم كما نصّت تلك
الأخبار.وعلى هذا فعبارة: "مَنْ زَارَ الحُسَيْنَ عليه السلام كَمَنْ زارَ اللهَ
فَوْقَ عَرْشِهِ" دالّةٌ على قُرب الزائر من تلك الحقائق الإلهية المكنونة في عرشهِ،
التي فيها ما شاء وما أراد، وهو ما لا يكون إلّا بهم عليهم السلام، وبمواضع وأفعالٍ
تنفذُ إليهم عليهم السلام. من هذه الروايات:
1- قول الصادق عليه السلام: "مَن زارَ قَبْرَ الحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ
وَهُوَ يُريدُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، شَيَّعَهُ جَبْرَئيلُ وَميكائيلُ وَإِسْرافيلُ
حَتّى يُرَدَّ إِلى مَنْـِزلِهِ".
2- قوله عليه السلام: "سَمِعْتُ أَبي يَقولُ لِرَجُلٍ مِنْ مَواليهِ - وَسَأَلَهُ
عَنِ الزِّيارَةِ - فَقالَ لَهُ: مَنْ تَزورُ وَمَنْ تُريدُ بِهِ؟ قالَ: اللهَ
تَبارَكَ وَتَعالى، فَقالَ: مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ صَلاةً واحِدَةً يُريدُ بِها اللهَ،
لَقِيَ اللهَ يَوْمَ يَلْقاهُ وَعَلَيْهِ مِنَ النّورِ ما يَغْشى لَهُ كُلُّ شَيْءٍ
يَراهُ، وَاللهُ يُكْرِمُ زُوّارَهُ...".
حقُّ الإمام عليه السلام
فمثلاً؛ ورد التأكيد - في روايات الزّيارة - على (إعلان الموالاة لسيّد الشهداء
عليه السلام )، فهل تظنّ أنّ ذلك لحاجةٍ في سيّد الشهداء عليه السلام لموالاتنا
إيّاه؟ أبداً، إنّ ذلك لحاجةٍ فينا؛ فإنّ التأكيد على موالاته تكرارً ومراراً تأكيدٌ
لنا على (اصطناع) موالاته شيئاً فشيئاً؛ حتّى يقذفَ الله في قلوبنا حُبَّه عليه
السلام ؛ فتكون؛ حينئذٍ، موالاتنا له موالاةً حقيقيّة. وهذا معنى: "الحُسَيْنُ عليه
السلام مِصْباحُ الهُدَى". وهذا (الاصطناع) لا يؤتي أُكُلَهُ المرجوّة إلّا إذا
تزامن معه (تنظيف القلب) من [أدران المعاصي والتعلُّقات الباطلة]، التي تحولُ دونَ
دخول أهل البيت الأطهار إلى القلب! لأنّ القلب لا يحبُّ ولا يبغضُ على نحو الحقيقة
كلّاً من الحقِّ والباطل في آنٍ واحد! بل يُحبُّ أحدهما ويبغضُ الآخَر، أو أنّه لا
يُحِبُّ الآخرَ أبداً.وتنظيف القلب؛ غالباً، ما يكون بالتدريج ".." إنّ اتّساع
المساحة المحرّرة [من القلب] لأجل (سيّد الشهداء) يؤدّي - بعد توفيقه سبحانه - إلى
إزاحة تلك النقائض حقيقةً؛... حتى يكونَ القلبُ حُسينيّاً!
* (من كتاب زيارة الحسين عارفا بحقه للشيخ علي التميمي)