أوضاع الصلاة وأركانها على الترتيب المعلوم: فإنّ القيام في الركعة الأولى إشارة إلى مقام الفطرة الإنسانيّة وهيئة النفس الناطقة القائمة من بين الموجودات، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم﴾ [التين: 4]. والركوع إشارة إلى مقام النفس الحيوانيّة الَّتي يليها في هذه النشأة الجامعة، فانّ الحيوانات راكعة. والاعتدال إشارة إلى صيرورتها بنور الناطقة نوعاً آخر، له خصوصيّات اعتداليّة وهيأت كماليّة يستوي بها ويعتدل ويتخلَّق بالأخلاق الحميدة الملكيّة، ويتّصف بالفضائل الجميلة الإنسانيّة. والسجود إشارة إلى مقام النفس النباتيّة، فإنّ النبات ساجد، ورفع الرأس منه معلوم من بيان الاعتدال من الركوع. والسجود (الثاني) إشارة إلى أنّ هذه النفس بسبب صيرورتها في الإنسان نوعاً أشرف، ممتازاً عن ساير أنواع النبات بالانقلاع عن الأرض، والتصرّف وتوليد الأخلاط الأربعة وغير ذلك من التصرفات العجيبة الَّتي حصلت لها من خواص الإنسان، المشار إليها برفع الرأس من السجود لم يزد مرتبتها، بخلاف الحيوانيّة المدركة الكاسبة للملكات الفاضلة، بل بقيت على حالها في عدم الإدراك والإرادة والاشتغال بما يخصها من الأفعال النباتيّة بالطبع. وأمّا القيام في الركعة الثانية فهو إشارة إلى عالم العقل وانخراطه بذلك في سلك الجبروت بكمال التجرّد بالتعقل بالفعل. وأمّا ركوعها فهو صورة الانخراط في سلك الملكوت السماويّة بالتنزّه عن ملابس الشهوة والغضب والتأثير في الجهة السفليّة، وأمّا ترفعها عنه بالاعتدال فهو زيادة في مرتبتها باستعداد الولاية وكمال المعرفة. وأمّا سجودها فهو إشارة إلى النفوس الشريفة الكوكبيّة وهيئاتها في إجرامها كما قال تعالى: ﴿وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدان﴾. [الرحمن: 6 ]. وأمّا الاعتدال فمعلوم ممّا مرّ. والرجوع إلى السجود هو البقاء على حال التأثير من العالم الجسماني والإقبال إليه مع شرفها، والتشهد هو بلوغ الروح بهذه العبادة الحقيقية إلى مقام المشاهدة مطلقا إلى ما في العالمين، وأصلاً إلى محلّ القرب بالمتابعة مستقرّاً متمكّناً فيما حصل من المواصلة، معايناً لما أعتقد من حقيقة الشهادتين واجداً لما طلب من متابعة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، محقّقاً لمعنى قوله: « السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصّالحين ». (السلام فيض نازل من عند الله) لأنّ السلام هو الفيض النازل من عند اللَّه، والمدد الفائض الواصل من العالم القدسي إلى هذه النفوس المكمّل ايّاها بتجريدها عن صفات النقص وآفات النفس، وتكميلها بالكمالات الخلقيّة والوصفيّة الإلهيّة، فيجعلها اسماً من أسمائه لاتّصافها بما أمكن لكلّ واحد منها من صفاته. هذا آخر كلام ذلك العارف والحمد للَّه وحده. هذا بالنسبة إلى حكمة أوضاعها المخصوصة بها. وأمّا بالنسبة إلى الصوم وأنّ المصلَّي حين الصّلاة في حكم الصائم وحكم باقي العبادات المذكورة، فذلك يندرج تحت بيان علَّة تقديم الصلاة على غيرها وترجيحها عليه وتحت بيان علَّة حصر الفروع في الأعداد المذكورة، وكلّ ذلك يحتاج إلى ضابطة أخرى كلَّية جامعة لجميع ذلك مفصلا.ضابطة أخرى كلَّية في بحث الفروع وانحصارها في الخمسة، وعلَّة تقدّم الصلاة على غيرها، وأن المصلَّي جامع للكلّ ثمّ علَّة تقديم كلّ واحدة منها على الأخرى اعلم أن الفروع أيضا قد أختلف النّاس فيها، لأنّ بعض الناس أضافوا إلى الصلاة: الطهارة، وإلى الصوم: الاعتكاف، وإلى الزكاة: الخمس، وإلى الحجّ: العمرة، وإلى الجهاد: المرابطة والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
* تفسير المحيط الأعظم والبحر الخظم في تأويل كتاب الله العزيز المحكم - السيد حيدر الآملي -