قال عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم،فألهمك الله الرشد - أتاني كتابك،
فامتحنتنا به من تعنّتك لتجد إلى الطعن سبيلاً إن قصَّرنا فيها، واللهُ يكافيك على
نيَّتِك، وقد شرحنا مسائلك، فأصغِ إليها سمعك، وذلّل لها فهمك، واشغل بها قلبَك،
فقد لزمتك الحجَّةُ والسلام.
*سألتَ عن قول الله جلّ وعزّ: (قالَ الَّذي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ)
فهو آصف بن برخيا، ولم يَعجز سليمان عليه السلام عن معرفة ما عَرَفَ آصف، لكنّه
صلوات الله عليه أحبَّ أن يُعرِّف أُمَّته من الجنِّ والإنس أنه الحجَّة من بعده،
وذلك من علم سليمان عليه السلام أودعه عند آصف بأمر الله، ففهَّمه ذلك لئلاّ يختلف
عليه في إمامته ودلالته.
*وأمّا سجود يعقوب عليه السلام وولده، فكان طاعة لله ومحبَّة ليوسف عليه السلام.
*وأمّا قوله: (فَإن كُنْتَ في شَكٍّ مِمَّا أنْزَلْنا إلَيْكَ فَاسْألِ الَّذينَ
يَقْرَؤونَ الكِتابَ)، فإنَّ المُخَاطب به رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم
ولم يكن في شكّ ممّا أُنزل إليه، ولكن قالت الجهلة: كيف لم يبعث الله نبيَّاً من
الملائكة، إذ لم يفرّق بين نبيِّه وبيننا في الاستغناء عن المآكل والمشارب والمشي
في الأسواق، فأوحى الله إلى نبيّه: (فَاسْألِ الَّذينَ يَقْرَؤونَ الكِتابَ)
بمحضر الجهلة، هل بعث الله رسولا قبلك إلاّ وهو يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ولك
بهم أُسوة، وإنّما قال: (فَإن كُنْتَ في شَكٍّ) ولم يكن شكّ، ولكن للنَّصَفَة.
*وأمّا قوله: (وَلَوْ أنَّ ما في الأرْضِ مِنْ شَجَرَة أقْلامٌ وَالبَحْرُ
يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أبْحُر ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) فهو كذلك،
لو أنّ أشجار الدنيا أقلام والبحر يمدُّه سبعةُ أبحرٍ، وانفجرت الأرض عيوناً،
لَنَفِدَت قبل أن تُنفد كلمات الله، وهي عين الكبريت، وعين التمر، وعين بَرَهوت،
وعين طبرية، وحمة ماسبذان، وحمة إفريقية، وعين بحرون، ونحن كلمات الله التي لا تنفد
ولا تُدرك فضائلنا.
*والشجرة التي نهى الله عنها آدم عليه السلام وزوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد، عهد
إليهما أن لا ينظرا إلى من فضَّل الله على خلائقه بعين الحسد، فنسي ونظر بعين الحسد،
ولم يجد له عزماً.
*وأمّا قوله: (أوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإناثاً) أي يُولد له ذكورٌ،
ويُولد له إناث، يُقال لكلِّ اثنين مُقرنين زوجان، كلّ واحد منهما زوج، ومعاذ الله
أن يكون عنى الجليل ما لبَّستَ به على نفسك تطلب الرخص لارتكاب المآثم (وَمَنْ
يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أثاماً * يُضاعَفُ لَهُ العَذابُ يَوْمَ القَيامَةِ
وَيَخْلُدْ فيهِ مُهاناً) إن لم يتب.
*وأمّا شهادة المرأة وحدَها التي جازت، فهي القابلة، جازت شهادتها مع الرضا، فإن لم
يكن رضىً فلا أقلّ من امرأتين تقوم المرأتان بدل الرجل للضرورة، لأنّ الرجل لا
يمكنه أن يقوم مقامها، فإن كانت وحدها قُبل قولها مع يمينها.
*وأمّا قول عليّ عليه السلام في الخنثى فهي كما قال: ينظر قومٌ عدولٌ يأخذ كلّ واحد
منهم مرآة، وتقوم الخنثى خلفهم عريانة، وينظرون في المرايا، فيرون الشبح فيحكمون
عليه.
*وأمّا الرجل الناظر إلى الراعي وقد نزا على شاة، فإن عرفها ذبحها وأحرقها، وإن لم
يعرفها قَسَمَ الغنم نصفين، وساهم بينهما، فإذا وقع على أحد النصفين فقد نجا النصف
الآخر، ثمّ يفرّق النصف الآخر، فلا يزال كذلك حتّى تبقى شاتان، فيقرع بينهما،
فأيّتها وقع السهم بها ذبحت وأُحرقت، ونجا سائر الغنم.
*وأمّا صلاة الفجر، فالجهر فيها بالقراءة، لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان
يغلّس بها فقراءتها من الليل.
*وأمّا قول عليّ عليه السلام: بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار، فهو لقول رسول الله (ص)،
وكان ممّن خرج يوم النهروان، فلم يقتله أمير المؤمنين عليه السلام بالبصرة، لأنّه
علم أنّه يُقتل في فتنة النهروان.
*وأمّا قولك: إنّ علياً عليه السلام قتل أهل صفّين مقبلين ومدبرين، وأجاز على
جريحهم، وإنّه يوم الجمل لم يتبع مولّياً، ولم يجز على جريح، ومن ألقى سلاحه آمنه،
ومن دخل داره آمنه، فإنّ أهل الجمل قُتل إمامهم، ولم تكن لهم فئة يرجعون إليها،
وإنّما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين ولا مخالفين ولا منابذين، رضوا بالكفّ
عنهم، فكان الحكم فيهم رفع السيف عنهم، والكفّ عن أذاهم، إذ لم يطلبوا عليه أعواناً،
وأهل صفّين كانوا يرجعون إلى فئة مستعدّة وإمام يجمع لهم السلاح الدروع والرماح
والسيوف، ويسني لهم العطاء، يهيّئ لهم الأنزال، ويعود مريضهم، ويجبر كسيرهم، ويداوي
جريحهم، ويحمل راجلهم، ويكسو حاسرهم، ويردّهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم، فلم
يساوِ بين الفريقين في الحكم، لما عرف من الحكم في قتال أهل التوحيد، لكنّه شرح ذلك
لهم، فمن رغب عُرِض على السيف، أو يتوب من ذلك.
*وأمّا الرجل الذي اعترف باللواط، فإنّه لم تقم عليه بيّنة، وإنّما تطوّع بالإقرار
من نفسه، وإذا كان للإمام الذي من الله أن يعاقب عن الله، كان له أن يمنّ عن الله،
أما سمعت قول الله: (هذا عَطاؤنا). قد أنبأناك بجميع ما سألتنا عنه، فاعلم ذلك،
والحمد لله ربّ العالمين.