بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد:
تنتسب هذه الفرقة إلى مؤسسها محمد بن عبد الوهاب (1700- 1792م.)، ولد وعاش في بيئة
بدوية في بعض قرى نجد واسمها "عينية"، بعيدا عن كل معالم الحضارة والمعرفة، الناتجة
عن احتكاك المسلمين والعرب بالأمم الأخرى، وبعبارة موجزة عاش طبيعة البادية البسيطة،
بعيدا عن تعقيدات الحضارة. وهذا في ما يبدو شكل ميزة أساسية في فكر محمد بن عبد
الوهاب، الذي ظل طوال حياته يبحث عن الدين كما فهمه العرب الأوائل، واعتبر أن ما
فهموه يشكل الدين الصحيح والمنهل العذب، فكان شديدا وعنيفا في حملاته ضد كافة
محاولات التطوير في الفكر الديني، ومعاديا لكل بحث عقلي أو تأمل في الأحاديث
ودلالاتها واعتبر أن التبسط في الدين، ومتابعة العرب الأوائل في فهمهم له، تجديدا
دينيا.
درس المذهب الحنبلي على يد والده، الذي كان من فقهاء الحنابلة، وكان قاضيا في بلدة
عينية، ومن خصائص محمد أنه كان عنيفا ضد الكثير من الشعائر الدينية التي كانت تقام
في نجد، وبعدما انصرف من مناسك الحج وذهب إلى المدينة المنورة فأخذ يستنكر على
الناس توسلهم بالمرقد النبوي المقدس، وذهب إلى البصرة والاحساء وبلاد الشام وغيرها،
وكان في كل موطن يهاجم الناس الكثير من عقائدهم وشعائرهم الدينية، وكان الكثيرون
يثورون ضده ويخرجونه من بلادهم، وقد أعلن هذه الحروب بشكل أساسي وواضح بعد وفاة
والده الشيخ عبد الوهاب.
وتأثر محمد بن عبد الوهاب بشكل رئيسي بابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية، وهما من
علماء المذهب الحنبلي الذي ينتمي إليه محمد بن عبد الوهاب، ومن أشد الناس عنفا ضد
مخالفي المذهب الذي ينتميان إليه.
خصائص المذهب الحنبلي:
وهو المذهب الذي أسسه الإمام أحمد بن حنبل، بعدما درس مدة على الشافعي، وترك
الشافعي بغداد وتوجه نحو مصر، واستقر أحمد فيها بالدرس والرواية، وأسس مذهبه الذي
اشتهر باسم مذهب أهل الحديث، فالتزموا بحرفية النصوص الحديثية، وامتنعوا عن إعمال
العقل في محاكمتها، وهو ما انعكس جمودا على حرفية النصوص في كثير من المواضع حيث
ذهبوا إلى التجسيم وغيره، وزعموا إلى أن هذا هو مذهب السلف الصالح، حتى تعرضوا بسبب
ذلك إلى أشد النكبات، ومحنة أحمد بن حنبل في قصة خلق القرآن خير شاهد على ذلك، فإنه
لما طلب منه القول بأن القرآن مخلوق امتنع عن الحكم فيها إثباتا أو نفيا، حتى سجن
وعذب بسبب ذلك.
ومن المعروف عن أتباع المذهب الحنبلي أنهم جفاة قساة، لا يتورعون عن سفك الدماء،
وإيقاد الفتن ضد كل من يخالفهم الرأي، إذ هم يحكمون بكفره ويستحلون دمه وماله وعرضه،
لأدنى شبهة تعرض له أو لهم فيه. هذا مع أن إمامهم قد روى في مسنده عن ربيعة بن أمية
بن خلف الجمحي وهو ممن أسلم عام الفتح، وشهد حجة الوداع، وروى عن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم، ثم لحق بالروم وتنصر في خلافة عمر[1]، والتاريخ حافل بذكر الفتن
والمشاكل التي أثارها الحنابلة ضد من خالفهم الرأي، يستندون في ذلك إلى الأحاديث
التي رووها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مع أن الكثير من علمائهم يروون
الحديث ولا يفهمون معناه، كما صرح بذلك الحافظ ابن الجوزي وهو من كبار فقهائهم[2].
وهذه المشكلة – أي مشكلة عدم التبصر في مضمون الأحاديث، والاكتفاء بروايتها- ليست
خاصة ببعضهم، وإنما هي عامة في رجال المذهب، لتشمل أحمد بن حنبل نفسه، فإنه قد برع
في الحديث، ولكنه لم يكن ذا باع في الفقه والفتوى، فقد روى الفقيه البغدادي في
تاريخه بالإسناد قال: كنت عند أحمد بن حنبل فسأله رجل عن الحلال والحرام، فقال له
أحمد: سل عافاك الله غيرنا، قال الرجل: إنما نريد جوابك يا أبا عبد الله، قال: سل
عافاك الله غيرنا، سل الفقهاء، سل أبا ثور.
وهذا يدل على أنه كان يتحفظ عن الفتوى، ويشهد لذلك أنه لم يصنف في الفقه ولا في
الأصول، ولم يكتب إلا في الحديث[3]، وأخذ عنه كل من محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم
النيسابوري.
ومما يدل على سطحية أحمد بن حنبل وعدم تفقهه في الدين أنه رغم عناده وبغضه لعلي
عليه السلام قد روى في فضائله ما لم يذكره غيره، فعن علي بن حشرم، قال: "كنت في
مجلس أحمد بن حنبل، فجرى ذكر علي بن أبي طالب، فقال أحمد بن حنبل: لا يكون الرجل
سنيا حتى يبغض عليا قليلا، فقلت: لا يكون الرجل سنيا حتى يحب عليا كثيرا، فضربوني
وطردوني من المجلس".
هذا في الوقت الذي كان أحمد يقول: "لم يزل علي بن أبي طالب والحق معه حيث كان".
وقال ابنه عبد الله: "كنت بين يدي أبي جالسا ذات يوم، فجاءت طائفة من الكرخيين
فذكروا خلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة عثمان فأكثروا، وذكروا خلافة علي عليه
السلام وزادوا فأطالوا، فرفع أبي رأسه إليهم، فقال: يا هؤلاء! قد أكثرتم القول في
علي والخلافة، إن الخلافة لم تزين عليا بل زينها[4]".
* سماحة الشيخ حاتم اسماعيل
[1] أضواء على السنة
المحمدية ص230
[2] راجع آفة أصحاب الحديث ص46
[3] راجع بحوث في الملل والنحل ج1، ص314- 315
[4] قاموس الرجال ج1، 461- 462