* قال الشّيخ المفيد في (المقنعة): «اعلم أنّ الله جلّ جلاله فضّلَ شهر رمضان على
سائر الشهور لِما علم من المصلحة في ذلك لخلقه، فحكم به في الكتاب المسطور، وأوجبَ
فيه الصوم إلزاماً، وأكّد فيه المحافظة على الفرائض تأكيداً، وندب فيه إلى أفعال
الخير ترغيباً، وعظّم رتبته، وشرّفه، وأعلى شأنه، وشيّد بنيانه، فخبّر جلّ اسمُه:
أنّه أنزل فيه القرآنَ العظيم، وأنّ فيه ليلةً خيراً من ألف شهرٍ للعالَمين». في
الحديث النبويّ الشريف أنّ شهر رمضان سُمّي بذلك «لِأَنَّهُ تُرْمَضُ فِيهِ
الذُّنُوبُ»، أَيْ تُحْرَق. وعن أبي عبد الله الإمام الصّادق عليه السّلام:
«إِذَا سَلِمَ شَهْرُ رَمَضَانَ سَلِمَتِ السَّنَةُ».
فضلُ شهر رمضان
وفي الدعاء الخامس والأربعين من (الصحيفة السجادية) في وداع شهر رمضان،
يقول الإمام زين العابدين عليه السلام مخاطباً شهر الله تعالى: «السَّلَامُ
عَلَيْكَ مِنْ نَاصِرٍ أَعَانَ عَلَى الشَّيْطَانِ..».
قال السيد علي خان المدني في (رياض السالكين) عند شرحه لهذه الفقرة: «لمّا كان
الزمان من الأسباب المعدّة لحصول ما يحصل في هذا العالم من الخير والشرّ، وكان شهر
رمضان من الأزمنة التي أعدّها الله تعالى لإخبات النفوس وإقصارها عن المعاصي
والقيام بالطاعات وكسْب المَثوبات، حتّى أنّ أكثر من مردَ على الفسق والفجور يتناهى
فيه عمّا كان يرتكبه في غيره وينتهكه من الحُرمات؛ شبّهه عليه السلام بالناصر
المُعين على الشيطان، والصاحب المُسَهِّل سبُلَ الإحسان».
في معنى الصيام
* في (مَن لا يحضره الفقيه) للشيخ الصّدوق: «وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ [الإمام
الباقر عليه السلام] لِجَابِرٍ [الجُعفيّ]: يَا جَابِرُ، مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ
شَهْرُ رَمَضَانَ، فَصَامَ نَهَارَهُ، وَقَامَ وِرْداً مِنْ لَيْلِهِ، وَحَفِظَ
فَرْجَهُ وَلِسَانَهُ، وَغَضَّ بَصَرَهُ، وَكَفَّ أَذَاهُ، خَرَجَ مِنَ الذُّنُوبِ
كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ.
قَالَ جَابِرٌ: قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا أَحْسَنَ هَذَا مِنْ حَدِيثٍ.
قَالَ: مَا أَشَدَّ هَذَا مِنْ شَرْطٍ».
* قال السيد حبيب الله الهاشمي الخوئي في (منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة) يشرح
الحديث القدسيّ المرويّ في (الكافي) وغيره: «الصَّوْمُ لِي وأَنَا أجْزِي عَلَيْه (بِهِ)»،
قال: «.. وتخصيصُه من بين سائر العبادات، مع كون جميعها لله سبحانه، من جهة مزيد
اختصاصه به تعالى، إمّا لأجل أنّ الصّوم عبادةٌ لم يُعبَد بها غيرُ الحقّ سبحانه
بخلاف سائر العبادات والرّكوع والقيام والقُربان ونحوها، فإنّها ربّما يُؤتَى بها
للمعبودات الباطلة كما يُعبَد بها للمعبود بالحقّ، وأما الصّوم فلم يُتعبَّد به
إلَّا لله سبحانه وتعالى، أو لأنّ الصوم عبادةٌ خَفيّةٌ بعيدةٌ عن الرّياء، وليست
مثلَ سائر العبادات التي تعلُّقها بالجوارح والأعضاء الظاهرة غالباً».
وقال عند شرحه لفقرة من خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام وردَ فيها: «وَصَوْمُ
شَهْرِ رَمَضَانَ؛ فَإِنَّه جُنَّةٌ مِنَ الْعِقَابِ»: «.. وإنما خصّه بهذه العلّة،
مع كون سائر العبادات كذلك، لكونه أشدّ وقايةً من غيره.
بيانُ ذلك: أنّ استحقاق الإنسان للعقوبة إنّما هو بقُربه من الشيطان وإطاعته له
وللنفس الأمّارة، وبشدّة القرب وضعْفه يتفاوت العقابُ شدّة وضَعفاً، وبكثرة الطاعة
وقلَّتها يختلف العذابُ زيادةً ونقصاناً، وسبيل الشّيطان على الإنسان ووسيلته إليه
إنّما هي الشّهوات، وقوّة الشهوة بالأكل والشرب، فبالجوع والصوم تضعفُ الشهوة
وتنكسر صولةُ النفس وينسدُّ سبيل الشيطان، ويَنجو [العبد] من العقوبة والخذلان، كما
قال صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم: إنّ الشّيطانَ لَيَجْرِي منِ ابنِ آدمَ مَجْرَى
الدّم؛ فَضَيِّقوا مَجاريهِ بِالجُوعِ».
آداب شهر رمضان ومستحبّاته
* في (هداية الأمّة إلى أحكام الأئمّة عليهم السلام) للحرّ العاملي ما
ملخّصه: «في آداب شهر رمضان، وهي كثيرة، نذكر منها اثني عشر:
1) كَثرةُ التّلاوة فيه: قَالَ الْبَاقِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لِكُلِّ شَيْءٍ
رَبِيعٌ، وَرَبِيعُ الْقُرْآنِ شَهْرُ رَمَضَانَ).
2) قَالَ رسول الله صلّى الله عليه وآله: (.. مَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ،
وَهُوَ صَحِيحٌ سَوِيٌّ، فَصَامَ نَهَارَهُ، وَقَامَ وِرْداً مِنْ لَيْلِهِ،
وَوَاظَبَ عَلَى صَلَاتِهِ، وَهَجَرَ إِلَى جُمعَتِهِ، وَغَدَا إِلَى عِيدِهِ،
فَقَدْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَفَازَ بِجَائِزَةِ الرَّبِّ).
3) كثرة الدّعاء والاستغفار: قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (عَلَيْكُمْ فِي
شَهْرِ رَمَضَانَ بِكَثْرَةِ الاسْتِغْفَارِ وَالدُّعَاءِ، فَأَمَّا الدُّعَاءُ
فَيُدْفَعُ بِهِ عَنْكُمُ الْبَلَاءُ، وَأَمَّا الاسْتِغْفَارُ فَتُمْحَى بِهِ
ذُنُوبُكُمْ).
وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِذَا كَانَ شَهْرُ
رَمَضَانَ، لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ إِلَّا بِالدُّعَاءِ، وَالتَّسْبِيحِ،
وَالاسْتِغْفَارِ، وَالتَّكْبِيرِ.
4) كَثرة الصّدقة: كَانَ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله إِذَا دَخَلَ شَهْرُ
رَمَضَانَ أَعْتَقَ كُلَّ أَسِيرٍ، وَأَعْطَى كُلَّ سَائِلٍ.
وَقَالَ صلّى الله عليه وآله: (مَنْ فَطَّرَ فِيهِ صَائِماً مُؤْمِناً، كَانَ لَهُ
بِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ، وَمَغْفِرَةٌ لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ).
وَرُوِيَ: أَنَّهُ يُنَادِي فِيهِ مُنَادٍ كُلَّ لَيْلَةٍ: (هَلْ مِنْ تَائِبٍ؟ هَلْ
مِنْ مُسْتَغْفِرٍ؟ اللَّهُمَّ أَعْطِ كُلَّ مُنْفِقٍ خَلَفاً، وَأَعْطِ كُلَّ
مُمْسِكٍ تَلَفاً).
وَقَالَ صَلّى اللهُ عَليه وآلِه: (مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فِي هَذَا الشَّهْرِ،
غُفِرَ لَهُ).
5) الاجتهاد في العبادة: قَالَ رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وآلِه فِي آخِرِ
جُمُعَةٍ مِنْ شَعْبَانَ: (إِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ
مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، وَهُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فَرَضَ اللَّهُ صِيَامَهُ، وَجَعَلَ
قِيَامَ لَيْلَةٍ فِيهِ بِتَطَوُّعِ صَلَاةٍ كَتَطَوُّعِ صَلَاةِ سَبْعِينَ
لَيْلَةً فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الشُّهُورِ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً مِنْ
فَرَائِضِ اللَّهِ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ مِنَ
الشُّهُورِ، وَمَنْ خَفَّفَ فِيهِ عَنْ مَمْلُوكِهِ، خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُ
حِسَابَهُ).
6) أنواع الذّكر: قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (رَمَضَانُ شَهْرُ اللَّهِ،
اسْتَكْثِرُوا فِيهِ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ،
وَالتَّسْبِيحِ، وَهُوَ رَبِيعُ الْفُقَرَاءِ).
7) قال أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام: «لَا تَقُولُوا: رَمَضَان، فَإِنَّكُمْ
لَا تَدْرُونَ مَا رَمَضَان، فَمَنْ قَالَهُ فَلْيَتَصَدَّقْ ".." وَلَكِنْ قُولُوا
كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلّ :(شَهْرُ رَمَضَانَ)» .
8) الدّعاء عند رؤية الهلال. [بما تقدّم وغيره]
9) إتيان الأهل في أوّل ليلة منه.
10) الاجتهاد في العبادة ليلةَ القدر. [يأتي مزيد توضيح]
11) قَالَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْعَنْكَبُوتِ
وَالرُّومِ فِي لَيْلَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَهُوَ
وَاللَّهِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، لَا أَسْتَثْنِي فِيهِ أَبَداً، وَلَا أَخَافُ
أَنْ يَكْتُبَ اللَّهُ عَلَيَّ فِي يَمِينِي إِثْماً، وَإِنَّ لِهَاتَيْنِ
السُّورَتَيْنِ مِنَ اللَّهِ مَكَاناً).
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَوْ قَرَأَ رَجُلٌ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ
مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ) أَلْفَ مَرَّةٍ، لَأَصْبَحَ شَدِيدَ
الْيَقِينِ بِالاعْتِرَافِ بِمَا يَخْتَصُّ فِينَا).
وَرُوِيَ: (إِذَا أَتَى شَهْرُ رَمَضَانَ، فَاقْرَأْ سُورَةَ الدُّخَانِ فِي كُلِّ
لَيْلَةٍ مِائَةَ مَرَّةٍ).
12) دعاءُ الوداع في آخر ليلةٍ منه، أو في آخر جمعةٍ منه: (كَتَبَ رَجُلٌ إِلَى
الإمام الْمَهْدِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَسْأَلُهُ عَنْ وَدَاعِ شَهْرِ رَمَضَانَ
فَقَدْ اخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ: يُقْرَأُ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْهُ، وَقِيلَ: فِي
آخِرِ يَوْمٍ، فَوَقَّعَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: الْعَمَلُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي
لَيَالِيهِ، وَالْوَدَاعُ يَقَعُ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْهُ، فَإِنْ خَافَ أَنْ
يَنْقُصَ الشَّهْرُ، جَعَلَهُ فِي لَيْلَتَيْنِ)».