في الخامس والعشرين من شهر شوّال سنة 148 للهجرة، كانت شهادة الإمام أبي عبد الله،
جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام، في المدينة المنوّرة عن خمسة وستّين عاماً. مدّة
إمامته منها أربعٌ وثلاثون سنة، وقد استُشهد عليه السلام بسُمٍّ دسّه له الملك
العبّاسيّ المنصور الدوانيقيّ، ودُفن في البقيع. يُزار عليه السّلام في هذا اليوم
بزيارة (أمين الله)، وهي في غاية الاعتبار ومرويّة في جميع كُتب الزيارات والمصابيح،
وقال العلّامة المجلسيّ: «إنّها أحسن الزيارات متناً وسنَداً، وينبغي المواظبة
عليها في جميع الروضات المقدّسة». كذلك يُزار الإمام الصادق عليه السّلام بإحدى
الزيارات الجامعة، وهي ما يُزار به كلّ إمام من الأئمّة عليهم السلام، وهي عديدة،
ذكرها المحدّث القمّيّ في (مفاتيح الجنان) تحت عنوان: (فصل في الزيارات الجامعة).
«لمّا أراد المنصور [العبّاسيّ] قتلَ أبي عبدالله، عليه السلام، استدعى قوماً من
الأعاجم لا يفهمون ولا يعقلون، فخلع عليهم الديباج المثقّل والوشيّ المنسوج، وحُملت
إليهم الأموال، ثمّ استدعاهم - وكانوا مائة رجل - وقال للترجمان: قل لهم: إنّ لي
عدوّاً يدخل علَيّ الليلة، فاقتلوه إذا دخل.
فأخذوا أسلحتَهم ووقفوا مُمْتَثلين لأمره، فاستدعى [المنصورُ] جعفراً، عليه السلام،
وأمره أن يدخل وحده، ثمّ قال للترجمان: قل لهم: هذا عدوّي فقَطِّعوه. فلمّا دخل
الإمام تعاوَوا عَوْيَ الكلاب، ورَمُوا أسلحتهم، وكتّفوا أيديَهم إلى ظهورهم،
وخَرّوا له سُجّداً ومَرّغوا وجوههم على التراب. فلمّا رأى المنصور ذاك خاف، وقال [للصادق
عليه السلام]: ما جاء بك؟ قال عليه السلام: أَنْتَ، وَما جِئْتُكَ إِلّا مُغْتَسلاً
مُحَنَّطاً، فقال المنصور: معاذَ الله أن يكون ما تزعم، ارجع راشداً. فخرج جعفر،
عليه السلام، والقوم على وجوههم سُجّداً، فقال [المنصور] للترجمان: قل لهم: لِمَ لا
قتلتم عدوَّ الملِك؟ فقالوا: نقتلُ وليَّنا الذي يلقانا كلَّ يوم، ويُدبّر أُمورنا
كما يدبّر الرجل أمرَ ولْده، ولا نعرِف وليّاً سواه؟! فخاف المنصور من قولهم،
فسرّحهم تحت اللّيل، ثمّ قتلَه، عليه السلام، بعد ذلك بالسمّ».