من سلسلة الآيات التي يخاطب فيها المولى تعالى «بني إسرائيل»، في سورة البقرة،
الآية الخامسة والأربعون منها، وهي قوله عزّ وجلّ:
﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ
وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾.
ما يلي، إضاءة على هذه الآية المباركة، مقتبسة من كتاب (زبدة البيان في أحكام
القرآن) للعالم الربّاني الشيخ أحمد بن محمّد، الشهير بالمقدّس الأردبيلي،
والمُتوفّى سنة 993 للهجرة.
قوله تعالى:
﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ
إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾.
الاستعانة: هي طلبُ العَون والمعاونة.
والصبر: هو منعُ النفس عن ما تحبّ، وكَفُّها عن هواها.
والمعنى إيجابُ الجمع بين الصلاة والصبر، وجُعل ذلك مُعيناً على قضاء الحوائج؛ بأن
تُصَلّوا صابرين على تكليف الصلاة، مُتحمِّلين مشاقّها، وما يجبُ فيها من إخلاص
القلب، وصِدق النيّات، ودفع الوساوس، ومراعاة الآداب، والتحرّز عن المكروهات، مع
الخشية والخشوع، واستحضار أنّها قيامٌ بين يدَي جبّار الأرض والسماوات.
فإنّه إذا فعل ذلك، تُقضى الحوائج، فهي مُعِينة على قضائها، وقد وردت الصلاةُ
للحاجة، فيُحتمل بأنّها المقصودة.
ويُحتمل أن يكون المراد بالصّبر الصوم، فإنّ الصائم يصبرُ نفسه على الجوع والعطش،
ولهذا سُمِّي شهرُ رمضان شهرَ الصبر.
*
﴿..وَإِنَّهَا..﴾: الضمير راجعٌ إلى الاستعانة، أو [إلى] الصلاة صابرين على
مشاقّها، وعلى الأخير حُذف ضمير الصوم للظهور واكتُفي بإحداهما...
ويُحتمل كون الضمير راجعاً إلى جميع ما تقدّم من تكاليف بني إسرائيل من قوله تعالى:
﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ..﴾
فما بعدها. (الآيات: 40-45).
ويُحتمل أن يكون المعنى: واستعينوا على البلايا والنوائب بالصبر والصلاة والالتجاء
إليهما، كما رُوي أنّ رسول الله، صلّى الله عليه وآله، كان إذا حزنَه أمرٌ فزع إلى
الصلاة.
ويُحتمل كون الصلاة بمعنى الدعاء، وحينئذٍ، تكون الآية أمراً بالدعاء والصبر عند
البلايا.
*
﴿..وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ..﴾: أي لشاقّة على كلّ مُكلّف، إلّا على
﴿الْخَاشِعِينَ﴾: أي المُتذلّلين والمُستَكينين.
وفي (الكشّاف) للزمخشري أنّ «كبيرة» في الآية بمعنى ثقيلة. قال: «وسببُ عدم ثِقلها
عليهم [أي على الخاشعين] توقّعُهم ما وعده الله تعالى للمُصلّين والصابرين، بقوله
﴿..وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ البقرة:155، و
﴿..إنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ
أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ الزمر:10، كما يُفهم من وصفهم بعده بقوله تعالى:
﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ
رَاجِعُونَ﴾ البقرة:46، أي الذين يتوقّعون لقاء ثوابه ويطمعون به»، كذا في
(الكشّاف). وفي (مجمع البيان) للطبرسي: «الظنّ هنا بمعنى العلم واليقين».
*ـ المُقدّس الأردبيلي قدّس سرّه