يختلف الوهابية، كسائر الحنابلة والسلفية، في أصول العقائد، مع كافة المذاهب
الإسلامية، فهم لا يعيرون أية أهمية، بل لا يرون لأحكام العقل أية حجية، في ما
يرتبط بالعقائد، ويقفون من العقل موقف العداء والخصومة، ولهذا فإن نظرتهم إلى مذهب
أبي الحسن الأشعري لا تختلف كثيرا عن نظرتهم إلى العدلية من الشيعة والمعتزلة،
ويتمسكون لذلك بما أطلقوا عليه سيرة السلف الصالح، والتي تعني مدرسة الخلفاء في
مقابل مدرسة أهل البيت عليهم السلام، ومن هنا فهم لا يتقبلون أي نقد لهذه المدرسة،
مهما كان وجيها ومنطقيا، بل يواجهونه بالتكفير والشتائم، بل والحرب إن استطاعوا.
لقد ابتدعت مدرسة الخلفاء، خصوصا في عصر بني أمية، فكرة عدالة جميع الصحابة،
وتلقفها الوهابيون وعامة السلفيين، ودافعوا عنها بكل ما أوتوا من قوة وشدة، رغم ما
تشتمل عليه من مخاطر على الدين برمته.
إن القول بعدالة جميع الصحابة، لا يجني على المسلمين سوى الضرر، ويفتح باب التشكيك
بالإسلام على مصراعيه، لأنه يتضمن تكذيب القرآن الكريم والنبي العظيم صلى الله عليه
وآله، الذي صرح بأن الكثير من أصحابه يساقون إلى النار، بل لا يبقى منهم إلا مثل
همل النعم، وهو ما اشتملت عليه مختلف المجاميع الحديثية عند أهل السنة أنفسهم، فضلا
عن أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام.
يضاف إلى ذلك أنها مخالفة للفطرة وحكم العقل القاضيين بأن من غير الممكن أن تعصم
الصحبة صاحبها عن الوقوع في المعصية مجردة عما سواها من شروط.
وهل كانت الاختلافات التي حدثت في صدر الإسلام منذ السقيفة، وحتى تربع الأمويين على
عرش الخلافة الإسلامية، بل وحتى يوم الناس هذا سوى من مشاكل ونتائج أفعال الصحابة
أنفسهم؟ وبأي ميزان من موازين العدل يصح القول بأن سفك دماء المسلمين، وتسلط
الظالمين على رقابهم، واعتدائهم على حرماتهم، مغفور بل مقبول، إن حصل من الصحابة،
وهو نفسه موجب للخلود في جهنم إن فعله غيرهم؟ وقد قال تعالى: "ومن يقتل مؤمنا
متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها1"، دون أن يستثني الصحابة من هذا الحكم العام.
إن المنافقين كانوا من الصحابة أيضا، ولازمه نجاتهم من العذاب والنار، خصوصا على
القول بأن الصحابي من صحب النبي صلى الله عليه وآله ورآه من المسلمين، ولو ساعة من
نهار كما يقولون2.
إن القول بعدالة جميع الصحابة يستلزم كثيرا من المحاذير التي لا يلتزم بها السلفيون
أنفسهم، إذا قيست بمقاييس العقل السليم والقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة،
ويفتح الطريق أمام أعداء الإسلام للتشنيع عليه، ونعته بالنعوت الباطلة زورا وبهتانا،
ويؤدي إلى اتهامه بأنه دين الأساطير والخرافات والتناقضات، إذا لوحظ الكم الهائل من
الأحاديث الموضوعة والمفتريات المخالفة لأبسط القوانين العقلية السليمة.
إلا أننا نجد المدرسة السلفية، وبالرغم من تمسكها بنظرية عدالة الصحابة، تسعى جاهدة
للنيل من كافة الفضائل الواردة بحق علي عليه السلام وعترته الطاهرة، بل تعمل على
إنكارها بكافة الوسائل والسبل، في ما ينقض أصل النظرية التي تؤكد على إيمانها بها،
وتدافع دفاع المستميت عن الخلفاء الثلاثة، مما يدل دلالة ظاهرة على أن هذه النظرية
لم تنشأ إلا لأجل هذه المدرسة بالذات، وإن كان فيها تكذيب القرآن الكريم والنبي
العظيم صلى الله عليه وآله.
* سماحة الشيخ حاتم اسماعيل
1- سورة النساء،
آية:93
2- لاحظ: أضواء على السنة المحمدية، ص341