بسم الله الرحمن الرحيم
انّ البحث في منهج تفسير القرآن بالقرآن يُعدّ جزءً من علوم القرآن، وأمّا تحليل
طريقة تفسير «القرآن بالحديث» فهي بالاضافة إلىٰ ضرورة الإطّلاع علىٰ العلوم
القرآنيّة، تحتاج إلىٰ معرفة الحديث وحتميّة إتّباع قواعد علم الحديث.
والملاحظة الّتي تُذكر في علم الحديث والّتي لها دور رئيسيّ في مسألة عرض الحديث
علىٰ القرآن هي:
أوّلاً: انّ السُنّة تنقسم إلىٰ قسمين: أحدهما السُنّة القطعيّة والثاني هو
السُنّة غير القطعيّة.
ثانياً: انّ الّذي يجب عرضه علىٰ القرآن هو السُنّة غير القطعيّة، وأمّا
السُنّة القطعيّة فهي لا تحتاج أبداً إلىٰ العرض علىٰ القرآن، لأنّ صدورها من مقام
العصمة قطعيّ، ومثل هذا الصادر ينتسب يقيناً إلىٰ الله سبحانه.
ثالثاً: السُنّة القطعيّة كالقرآن الكريم فبالإضافة إلىٰ استغنائها عن العرض
علىٰ أيّ مصدر آخر، فإنّها هي بنفسها مصدر مستقلّ يصلح لعرض السُنّة غير القطعيّة
عليه، أي انّ الحديث غير القطعيّ كما يعرض علىٰ القرآن، فهو يعرض أيضاً علىٰ السنّة
القطعيّة.
رابعاً: صحيح أنّ السُنّة القطعيّة كالقرآن الكريم من جهتين، أي في عدم
حاجتها للعرض علىٰ مصدر آخر، وكونها بنفسها صالحة لعرض السُنّة غير القطعيّة عليها،
لكنّ حجيّتها وإعتبارها متوقّف علىٰ ثبوت رسالة الرسول الأكرم(ص)، ورسالته متوقّفة
علىٰ كون القرآن معجزة (فيما إذا لم تعتمد رسالة النبيّ علىٰ معجزة اُخرىٰ).
بناءً علىٰ هذا، تكون رُتبة حجيّة وإعتبار القرآن الكريم قبل ثبوت رسالة الرسول
الأكرم(ص)، في حين أنّ ثبوت رسالة الرسول مقدّم علىٰ إعتبار وحجيّة السُنّة
القطعيّة؛ لأنّ نفس السُنّة القطعيّة ليست معجزة حتّىٰ تكون حجّة ومعتبرة بذاتها،
بل هي بواسطة رسالة الرسول الأكرم(ص) مرتبطة بإعجاز القرآن الكريم.
وبالنتيجة فإنّ إعتبار السُنّة القطعيّة ليس مساوياً لحجيّة القرآن الكريم، بل هو
متأخّر عنها بلحاظ الرتبة. نعم لأجل إثبات الأحكام الشرعيّة فإنّه لامفرّ من الرجوع
إلىٰ السنّة كالمصادر الغنيّة والمعتبرة الاُخرىٰ.
وجدير بالذكر، انّ السُنّة القطعيّة ليست كثيرة، لأنّ أهمّ واسطة وحلقة لإرتباط
الاُمّة بسنّة الرسول الأكرم(ص) هم أهل بيت العصمة الأطهار(ع)، ومن المؤسف انّهم قد
هُجِروا وحوصروا واُبعدوا عن الاُمّة، كما أنّ نشر وتدوين وكتابة الحديث الّتي هي
أهمّ وأفضل طرق المحافظة علىٰ السُنّة وبقائها ودوامها قد مُنعت ـ مع الأسف الشديد
ـ لمدّة طويلة، ولو انّ اهل البيت المعصومين(ع) لم يُحكم عليهم بالمحاصرة والتبعيد
عن الاُمّة، ولو لم يُغصَب منهم منبر الثقافة وكرسيّ التدريس والتعليم؛ ولو انّ
الآخرين لم يتقمّصوا ثوب الخلافة، لكان علم الحديث الشريف يظهر بوضع أفضل ممّا هو
عليه، ولكانت مضامينه تظهر وتتألّق أكثر، وبالنتيجة لكان حجم ومقدار السُنّة
القطعيّة يتّسع ويزداد أكثر ممّا هو عليه الآن.
* آية الله الشيخ جوادي آملي