بسم الله الرحمن الرحيم
صحيح انّ أفضل وأهمّ طرق معرفة القرآن هو تفسيره بواسطة سُنّة المعصومين(ع)، لكن
يجب الإلتفات إلىٰ انّ فهم السُنّة أيضاً كفهم القرآن هو عمل في غاية الصعوبة؛ وذلك
لأنّ معارف أهل بيت العصمة الأطهار(ع) في نفس مستوىٰ المعارف القرآنيّة، الّتي
يصفها القرآن بالقول الثقيل، وإدراك القول الثقيل صعب، سواء تجلّىٰ علىٰ نحو القرآن
أو تبلور علىٰ نحو السُنّة، لأنّ أساس وجذر الإثنين هو من «لدن» الله العليّ الحكيم.
ولذلك يؤخذ في تعريف علم السنّة أيضاً قيد (بقدر الطاقة البشريّة) كما تمّ أخذ هذا
القيد أيضاً في علم معرفة القرآن.
وإضافةً إلىٰ السبب المذكور. فهناك سبب آخر لصعوبة فهم السُنّة، وقد تضمّنه حديث
الإمام الصادق(ع) حيث يقول: «ما كلّم رسول الله العباد بكنه عقله قطّ»[1] اي
انّ الرسول في طول عمره الشريف لم يتحدّث مع العباد بكامل فهمه وأعلىٰ درجات فكره
وإدراكه وعمق شهوده وسعة علمه.
وهناك بعض الملاحظات المفيدة حول هذا الحديث نذكرها كما يلي:
1. انّ المقصود من عنوان العباد هم الأفراد العاديّون المتعارفون، وإلاّ فإنّ أهل
بيت العصمة مثل أمير المؤمنين وباقي المعصومين(ع) غير مشمولين للحديث المذكور، فإنّ
مثل هذا الكلام منصرف عن الأفراد النورانيّين الّذين هم بمنزلة روح النبيّ وجميعهم
قد كانوا في نشأة الوحدة نوراً واحداً كما ورد في الزيارة الجامعة: «اشهد... وانّ
أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض»[2]، كما انّ العلوم الّتي
ورثها أهل البيت(ع) من رسول الله(ص) بواسطة الإرث الولائيّ، لا الإرث الحقوقيّ
المعتاد قرينة علىٰ انّ الحديث المذكور يُقصد به الأشخاص العاديّون.
2. انّ الله سبحانه قد أثنىٰ علىٰ نبيّه بالجود والسخاء ونفىٰ عنه جميع أنحاء
الضنّة والبخل في نشر المعارف الإلٰهيّة وبيان وتفصيل مسائل الغيب وما من شيء
يتلقّاه من نشأة الملكوت إلاّ ويقوم بإبلاغه إلىٰ نشأة الملك: {وَمَا هُوَ عَلَى
الْغَيْبِ بِضَنِين}[3]، كما انّ كلّ ما يقوم به في نشأة الملك من إملاء وإبلاغ
وإنشاء فجميعه مستوحىٰ من نشأة الملكوت: {وَمَا يَنطِقُ
عَنِ الْهَوَىٰ ٭ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ}.[4] إذاً فرسول
الله(ص) من ناحية نقل المعارف من الغيب إلىٰ الشهادة، جواد وأمين ومعصوم ولا يكتم
شيئاً، وكذلك من ناحية الإملاء والإنشاء والإبلاغ فهو متعبّد ومتوقّف ومعصوم بحيث
انّه لاينطق بشيء حتّىٰ ينزل إليه بالوحي. فعصمة النبيّ الأكرم قطعيّة من الجهتين،
والّذي يهمّنا الآن هو عدم كتمان أخبار الغيب.
والآية المذكورة وإن كانت شاملة قطعاً لآيات القرآن لكنّها ليست مقتصرة عليها، بل
يمكن إعتبار المعارف القدسيّة الّتي يعبّر عنها بالحديث القدسيّ مشمولة بالآية
المذكورة أيضاً؛ أي انّ الرسول الأكرم(ص) لم يكن ضنيناً ولا بخيلاً بأيّ معرفة لكي
يكتمها ولا ينطق بها، إلاّ أن يكون هناك موضوع سرّي وخاصّ بحيث يعدّ الغير بالنسبة
إليه غريباً وأجنبيّاً، وإنّ الأمر بكتمانه عنهم قد صدر من الله سبحانه.
3. انّ سنّة جميع الأنبياء والأولياء الإلهيّين جرت علىٰ التكلّم مع الناس بقدر
عقولهم وكما قال النبيّ(ص) «انّا معاشر الأنبياء اُمرنا أن نكلّم الناس علىٰ قدر
عقولهم».[5] إذاً فما جاء حول الرسول الأكرم(ص) يدخل تحت عنوان إحدىٰ السنن
الجامعة والشاملة للنبوّة العامّة وليس مختصّاً بسُنّة الرسول الأكرم(ص).
4. لعلّ المقصود من عدم التكليم بكنه عقل الرسول هو أنّ جميع الأسرار الباطنيّة علىٰ
نحو التفصيل الشامل والسلس والمبسّط ليست في متناول جميع الأفراد الّذين يُتقنون
ثقافة المحاورة وقواعد التفاهم فيدركون معاني الآخرين ويوصلون إليهم مقاصدهم علىٰ
أساسها، وذلك لأنّ الجميع في إدراك الأسرار الإلهيّة ليسوا بدرجة متساوية، بل انّ
كلام الرسول الأكرم(ص) مثل القرآن الكريم يشتمل علىٰ ظاهر وباطن وتنزيل وتأويل
ومحكم ومتشابه، والبلوغ إلىٰ أعماق حديث الرسول(ص) المستلزم لإكتناه حقيقة نفس
المتحدّث ليس متيسّراً لغير أهل بيت العصمة الطاهرين(ع).
* آية الله الشيخ جوادي آملي – بتصرف يسير
[1] . اُصول الكافي،
ج1، ص23.
[2] . مفاتيح الجنان، الزيارة الجامعة.
[3] . سورة التكوير، الآية 24.
[4] . سورة النجم، الآيتان 3 ـ 4.
[5] . روضة الكافي، ص268.