بسم الله الرحمن الرحيم
ورد عن الأئمّة الأطهار أقوال تحثّ شيعتهم على تنزيههم عن الربوبيّة: «نزّلونا عن
الربوبية» و«قولوا فينا إنّا عبيد مخلوقون» و«لا تزعموا أنّا أنبياء وقولوا فينا ما
شئتم»، أي في بيان الحدّ الذي هو دون الخالقية، أي حدّ المخلوق المكرّم عند الله، «ولن
تبلغوا كنه معرفتنا»، أي رتبة الإكرام والحظوة والزلفى التي لهم عند الله[1]، وفي
هذه القاعدة توصية بعدم الغلوّ فيهم، كما أنّ ذيلها متضمّن للتوصية بعدم التقصير
بمعرفتهم.
ملازمة بين الغلوّ والتقصير: وبعد ما تبيّن أنّ للغلوّ أصنافاً وأقساماً عديدة،
يجدر الإلفات إلى أنّ بعض أقسام الغلوّ هي ملازمةٌ إلى أنماط من التقصير، بل
التدقيق يرشد إلى تلازم كلّ أنواع الغلوّ لنمط من أنماط التقصير، فمثلاً التأليه
للبشر المخلوق من نبيّ أو إ إمام هو في الواقع تقصير في معرفة الباري; للزومه الشرك
ونحوه، وكذلك البناء على العصمة في الصحابي رافقه الخدشة في عصمة النبيّ (صلى الله
عليه وآله).
وبكلمة جامعة: إنّ الغلوّ كما هو وضع الشيء زيادة على رتبته، فهو يستلزم سلب الشيء
الآخر رتبتَه، وإعطائها للطرف الأوّل الذي حصل فيه الغلوّ، وهذا من ميزات باب الغلوّ
والتقصير، أنّهما متلازمان من جهتين، وإن كانا متقابلين في الجهة الواحدة، فلا يظنّ
أنّ الخلاص من الغلوّ هو بالتقصير، بل التقصير هو وقوع في الغلوّ من نمط آخر من حيث
لا يشعر المقصّر.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): «إلينا يرجع الغالي فلا نقبله، وبنا يلحق المقصّر
فنقبله. فقيل: كيف ذلك يا بن رسول الله؟ قال: لأنّ الغالي قد اعتاد ترك الصلاة
والزكاة والصيام والحجّ، فلا يقدر على ترك عادته وعلى الرجوع إلى طاعة الله عزّوجلّ
أبداً، وإنّ المقصّر إذا عرف عمل وأطاع»[2].
أسباب التقصير: إنّ أسباب التقصير عديدة كما هو الحال في أسباب الغلوّ فبعضها
ناجمة عن قصور علمي، وكلّ مورد بحسب العلم الذي يتكفّله أو إلى عوامل نفسانية ذاتية،
وبعضها عن تقصير. وقد تقدّم أنّ القصور حالة بشرية ملازمة لغير المعصوم مهما بلغ
سعيه العلمي والعملي، إلاّ أنّ المحذور هو في إنكار ما وراء الحدّ الذي بلغه الشخص،
بخلاف ما إذا كان مسلّماً بما لا يحيط بمعرفته التفصيلية[3].
آية الله الشيخ محمد سند
[1] - سيأتي بحثه
مستقلاًّ في أبواب الفصول الآتية في معرفتهم.
[2] - أمالي الطوسي: 645 المجلس 33 ح 12.
[3] - كما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام): « لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم
يجحدوا لم يكفروا »، الكافي 2 / 388 ح 19.