بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ
الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ
شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ
فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ
بِكُمُ الْعُسْرَ)[1].
قوله تعالى: «هُدىً لِلنَّاسِ وبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى
والْفُرْقانِ»:
حالان من القرآن، أي: أنزل وهو هداية للنّاس، بإعجازه، وآيات واضحات
ممّا يهدي إلى الحقّ، ويفرق به بينه وبين الباطل بما فيه من الحكم والأحكام. وفي
كتاب معاني الأخبار[2]، بإسناده إلى ابن سنان وغيره، عمّن ذكره قال: سألت أبا عبد
اللَّه - عليه السّلام - عن «القرآن» و «الفرقان» أهما شيئان؟ أم شيء واحد؟ قال:
فقال: «القرآن» جملة الكتاب. و«الفرقان» المحكم الواجب العمل به. «فَمَنْ شَهِدَ
مِنْكُمُ»: في الفاء إشعار بأنّ الإنزال فيه سبب اختصاصه بوجوب الصّوم فيه.
قوله تعالى:«الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ»:
فيه وضع المظهر، موضع المضمر، للتّعظيم. نصب على الظَّرف. وحذف الجارّ.
ونصب الضّمير على الاتّساع. وقيل[3]: من شهد منكم هلال الشّهر، فليصمه على أنّه
مفعول به، كقولك شهدت يوم الجمعة، أي: صلاتها.
في كتاب الخصال[4]، فيما علَّم أمير المؤمنين - عليه السّلام - أصحابه: ليس للعبد
أن يخرج إلى سفر إذا حضر شهر رمضان، لقوله تعالى: «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ
الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ».
وفي من لا يحضره الفقيه[5]: وسأل عبيد بن زرارة، أبا عبد اللَّه - عليه السّلام -
عن قول اللَّه - عزّ وجلّ - «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» [قال:
ما أبينها من شهد فليصمه][6] ومن سافر، فلا يصمه.
وروى الحلبيّ[7]، عن أبي عبد اللَّه - عليه السّلام - قال: سألته عن الرّجل يدخل
شهر رمضان وهو مقيم لا يريد براحا. ثمّ يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر.
فسكت. فسألته غير مرّة. فقال: يقيم أفضل إلَّا أن تكون له حاجة لا بدّ له من الخروج
فيها، أو يتخوّف على ماله.
وفي تفسير العيّاشيّ[8]: عن الصّباح بن سيابة، قال: قلت لأبي عبد اللَّه - عليه
السّلام: إن ابن يعقوب[9] أمرني أن أسألك عن مسائل. فقال: وما هي؟ قال: يقول لك:
إذا دخل شهر رمضان وأنا في منزلي إليّ أن أسافر؟ قال: إنّ اللَّه يقول: «فَمَنْ
شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ»، فمن دخل عليه شهر رمضان وهو في أهله،
فليس له أن يسافر، إلَّا إلى الحج[10]، أو عمرة، أو في طلب مال يخاف تلفه.
«ومَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»: مخصّص
لسابقه، لأنّ المسافر والمريض ممّن شهد الشّهر. ولعلّ تكريره لذلك.
قوله تعالى: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ولا
يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ»:
أي: يريد أن ييسّر عليكم، ولا يعسّر عليكم، ولذلك أوجب الفطر للسّفر
والمرض.
وفي تفسير العيّاشيّ[11]: عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر - عليه السّلام - في
قول اللَّه - عزّ وجلّ - «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ
الْعُسْرَ»، قال: «اليسر» عليّ.
* الشيخ محمد بن محمد رضا القمي المشهدي – بتصرف يسير
[1] - سورة البقرة،
آية 185.
[2] - معاني الاخبار / 189، ح 1.
[3] - أنوار التنزيل 1 / 102.
[4] - الخصال 2 / 614.
[5] - من لا يحضره الفقيه 2 / 91، ح 404.
[6] - ليس في أ.
[7] - الكافي 4 / 126، ح 2.
[8] - تفسير العياشي 1 / 80، ح 186.
[9] - المصدر: ابن أبي يعفور. (ظ).
[10] - المصدر: لحج.
[11] - تفسير العياشي 1 / 82، ح 191.