للفقيه العارف الشيخ حسن زاده آملي، حفظه الله، توصية أخلاقية جامعة ضمّنها، كما
يصف: «عدّة أمور من مواعظ الله سبحانه، ومواعظ رسوله وأهل بيته صلوات الله عليهم
أجمعين، ممّا لا محيصَ عنها للسائر إلى الله تعالى»، وعَنونها بـ(رسالة في لقاء
الله تعالى).
الأدب مع الله تعالى
لا بدّ من مراعاة الأدب مع الله تعالى في كلّ حال، وقد كان بعض مشايخي وهو العالِم
المتنزّه والحكيم العارف الموحّد، البارعُ الآية، السيّد محمّد حسن القاضي
الطباطبائي التبريزي، الشهير بـ«الإلهي»، أعلى الله تعالى مقاماته، ورفع درجاته،
وجزاه عنّي خير جزاء المعلّمين، كثيراً ما يُوصيني في ما يوصي بالمراقبة لله تعالى،
والأدب معه، ومحاسبة النفس، لا سيّما بالأولى منها، ولا أنسى نفحاتِ أنفاسه
الشريفة، وبركات فيوضاته المنيفة.
قال الإمام الجواد عليه السلام، في الأدب مع الله تعالى: «مَا اجتَمَعَ رَجُلانِ
إلّا كانَ أفضَلُهُما عِندَ اللهِ آدَبَهُما. فَقيلَ: يَابنَ رَسولِ اللهِ، قَد
عَرَفنا فَضلَهُ عِندَ النّاسِ، فَما فَضلُهُ عِندَ اللهِ؟
فَقالَ عَليهِ السَّلام: بِقِراءَةِ القُرآنِ كَما أُنزِلَ، ويَروي حَديثَنا كَما
قُلنا، ويَدعُو اللهَ مُغرَمًا بِدُعائِهِ».
وقال عيسى روح الله وكلمته عليه السلام: «لا تَقُولُوا العِلمُ فِي السّماء، مَن
يَصْعَدُ فَيَأتي بِه؟ وَلَا فِي تُخُومِ الأَرضِ مَنْ يَنزِلُ فَيَأتي بِهِ؟ وَلَا
مِنْ وَرَاءِ البِحَارِ، مَنْ يَعْبُرُ فَيَأْتي به؟ العِلْمُ مَجْعُولٌ
(مَجْبُولٌ) فِي قُلُوبِكُم. تَأَدَّبُوا بَيْنَ يَدَي اللهِ بِآدَابِ
الرّوحَانِيِّينَ، وَتَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِ الصِّدِّيقينَ، يَظْهَرْ فِي
قُلوبِكُم حتّى يُغَطّيكُم ويَغْمُرَكُم».
والأدبُ مع الله بالاقتداء بآدابه وآداب نبيّه صلّى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم
السّلام، وهو العمل بطاعته والحمد لله على السرّاء والضّراء، والصبر على البلاء،
ولهذا قال أيوب عليه السلام، كما في قوله تعالى:
﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ
أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ الأنبياء:83، فقد
تأدّب هنا من وجهين:
أحدهما: أنّه لم يقل: إنّك مَسَسْتَني بالضُّرّ. والآخر: لم يقل: ارحَمنِي! بل
عرّضَ تعريضاً، فقال:
﴿..وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾، وإنّما فعل ذلك حفظاً
لمرتبة الصبر.
وكذا قال إبراهيم عليه السّلام:
﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ الشعراء:80،
ولم يقل إذا مرّضتني... حفظاً منه عليه السلام للأدب. وكلّ ذلك تأدّبٌ منهم مع الله
تعالى في مخاطبتهم.
العُزلة
رُوي عن الإمام الصّادق عليه السّلام في (مصباح الشريعة) أنّه قال: «صاحبُ العُزلةِ
متَحصِّنٌ بحِصنِ اللهِ تَعالى ومُتَحَرِّسٌ بِحِراسَتِه، فَيا طُوبَى لِمَن
تَفَرَّدَ بِهِ سِرّاً وَعَلانِيَةً...«.
وفي العُزلة صيانة الجوارح، وفراغ القلب، وسلامة العيش، وكسْر سلاح الشيطان،
والمجانبة من كلّ سوء، وراحة الوقت، وما من نبيٍّ ولا وصيٍّ إلَّا واختار العُزلة
في زمانه، إمّا في ابتدائه وإمّا في انتهائه.
والعُزلة هي الخروج عن مخالطة الخلق بالانزواء والانقطاع. وأصلها عزل الحواسّ
بالخَلوة عن التصرّف في المحسوسات، فإنّ كلّ آفة وفتنة وبلاء ابتُلي الروح بها
دخلتْ فيه الحواسّ، فَبالخلوة وعزل الحواسّ ينقطع مدَدُ النفس عن الدنيا وإعانة
الهوى والشيطان.
التهجّد
قال الله تعالى:
﴿ومِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِه نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ
يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً * وقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ
وأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ واجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِير﴾
الإسراء:79-80.
وروى الشّيخ الصدوق قدّس سرّه عن سلمان الفارسيّ رحمه الله تعالى أنّه أتاه رجل،
فقال: «يا أبا عبد الله، إنّي لا أقوى على الصّلاة بالليل، فقال: لا تَعْصِ اللهَ
بالنّهار». وفيه أيضاً: «جاء رجلٌ إلى أمير المؤمنين عليه السّلام، فقال: يا أميرَ
المؤمنين، إنّي قد حُرِمتُ الصّلاةَ بالليل. فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام:
أنتَ رَجُلٌ قَدْ قَيَّدَتْكَ ذُنوبُكَ».
وروى الكلينيّ قدّس سرّه عن أبي عبد الله الصادق عليه السّلام، قال: «إِنَّ
الرَّجُلَ يُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيُحْرَمُ صَلَاةَ اللَّيْلِ، وإِنَّ الْعَمَلَ
السَّيِّئَ أَسْرَعُ فِي صَاحِبِه مِنَ السِّكِّينِ فِي اللَّحْمِ».
التفكّر
قال تعالى:
﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِياماً وقُعُوداً وعَلى جُنُوبِهِمْ
ويَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ والأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا
سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ﴾ آل عمران:191.
وروى الكلينيّ في (الكافي)، عن أبي عبد الله الصادق عليه السّلام، قال: «أَفْضَلُ
الْعِبَادَةِ إِدْمَانُ التَّفَكُّرِ فِي اللهِ وفِي قُدْرَتِه».
وروى العلَّامة البهائي العاملي في الحديث الثاني من كتابه (الأربعين) بإسناده عن
أمير المؤمنين عليه السّلام، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ: مَنْ عَرَفَ اللهَ وعَظَّمَه مَنَعَ فَاه مِنَ الْكَلَامِ، وبَطْنَه
مِنَ الطَّعَامِ، وعَفَا نَفْسَه بِالصِّيَامِ والْقِيَامِ. قالوا: بآبائنا
وأمّهاتنا يا رسولَ الله، هؤلاء أولياءُ الله؟ قال: إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ
سَكَتُوا فَكَانَ سُكُوتُهُمْ فِكْراً، وَتَكَلَّمُوا فَكَانَ كَلامُهُم ذِكْراً،
ونَظَرُوا فَكَانَ نَظَرُهُمْ عِبْرَةً، ونَطَقُوا فَكَانَ نُطْقُهُمْ حِكْمَةً..».
ذِكرُ الله تعالى
يجبُ استحضارُ ذِكرِ الله تعالى في كلّ حال؛ قلباً ولساناً. قال تعالى:
﴿واذْكُرْ
رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وخِيفَةً ودُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ
بِالْغُدُوِّ والآصالِ ولا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ * إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ
رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِه ويُسَبِّحُونَه ولَه يَسْجُدُونَ﴾
الأعراف:205-206.
وفي الباب الأوّل من توحيد الصّدوق رحمة الله عليه، قال: «قال رسولُ الله صلّى الله
عليه وآله: مَا قُلْتُ وَلَا قَالَ القَائِلُونَ قَبْلِي مِثْلَ: لَا إِلَهَ إلّا
اللهُ». وفيه أيضاً، قال أبو عبد الله الصادق عليه السّلام: «قَوْلُ: لَا إِلَهَ
إلّا اللهُ... ثَمَنُ الجَنَّةِ».
والذِّكر هو الخروجُ عن ذِكر ما سوى الله؛ أي بنسيان غيره تعالى؟ وكلمة «لا إلهَ
إلّا اللهٌ» ذِكرٌ... مركَّبٌ من النّفي والإثبات، فبالنّفي تزولُ الموادُّ الفاسدة
الَّتي يتولَّدُ منها مرضُ القلب وقيودُ الرّوح، وبإثبات «إلَّا اللهُ» تحصلُ صحّةُ
القلب وسلامتُه عن الرذائل من الأخلاق.
من توصيات الفقيه العارف الشيخ حسن زاده آملي