﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ
آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ
رَاكِعُونَ﴾
ذكر الرازي في تفسيره عن أبي ذر الغفاري «رضي الله عنه» قال:" سمعتُ النبي (ص)
بِهاتين وإلا صُمتا ورأيت بِهاتين وإلا عميتا رسول الله صلى الله عليه وَ آله وهو
يقول عليٌ قائد البررة عليٌ قاتل الفجرة منصور مِنْ نصره مخذول مِنْ خذله وذلك أن
سائل أتى مسجد رسول الله (ص) فلم يعط احد شيئا فناوله عليٌ خاتمه وهو راكع فَ أخد
السائل وأشترى بِ ثمنه طعاماً له، فلما بلغ ذلك رسول الله قال ”اللَّهُمَّ أن أخي
موسى سألك قال ربي أشرح لي َّ صدري ويسر ليَّ أمري ولحلل عقدة مِنْ لساني يفقه قولي
وأجعل لي َّ وزير مِنْ أهلي هارون أخي أشدد به أزري“ فَ أنزلت عليه قال تعالى:
﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا﴾ وأنا أسالك رَبِّ
اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَ أجعل لي وزير مِنْ أهلي عليٌ أشدد به
أزري فَ نزل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ
آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ
رَاكِعُونَ﴾حديثنا انطلاقاً مِنْ شخصية الإمام عليٌ الذي كان المثال الواضح في
الآية المُباركة حديث فِي محورين:
المحور الأول: فاعلية الصدقة:
القرآن الكريم يجعل مقارنة بين الصدقة والربا يقول: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ
الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾الربا وَالصدقة مُتعاكسان فِي الأثر وَالتأثير،
الربا يربي المرابي على الأنانية والتمركز حول الذات وأن لا يفكر إلا بجيبه ومصلحته
بينما الصدقة تربي الإنسان على البدل والعطاء والغيرة والتفكير بالآخرين التفكير
والحرمان حول النفس الصدقة والربا ذات تأثير كبير وَمتعاكس لذلك قال القرآن:
﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ الصدقة كما يذكر عُلمائنا
الصدقة تتألف من عنصرين:
العنصر الأول: الصدق:
لماذا سميت الصدقة صدقة؟ لأنها عمل صادق العمل الذي يبذله الإنسان من
دون أجر ومقابل أي عمل من دون أجر ومقابل يسمى صدقة، الصدقة كل عمل يقوم به الإنسان
لا طلب لشهرة ولا سمعة ولا طلب لأجرة ومقابل ما قوم به الإنسان بدافع التضحية فهو
عمل صادق لذلك يسمى بالصدقة وهذا ما ورد في القرآن الكريم: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ
لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا﴾ ربما يتساءل إِنسان
هُنّا هل يمكن أن المُسلم وَ الكافر يصدر منهم الصدقة؟! المُسلم تصدر منه الصدقة
تقرباً إلى الله هل هذا يتصور في الكافر أن الكافر مصدر للعطاء ومصدر للبدل، نعم
الكافر كذلك لماذا..؟!
علماء العُرفان يقولون وجه الله ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ﴾ وجه الله هو
الرحمة وجه الله هي الرحمة التي وسعت كُلّ شيء مثلاً ورد عن النبي مُحمّدٍ صلى الله
عليه وَآله: «تخلقوا بِأخلاق الله» كيف الإنسان يتخلق بِأخلاق الله ما هي أخلاق
الله؟ قال هي رحمة الله والكافر أذا كان مصدر لِرحمة والرأفة فهو مُتخلق بِأخلاق
الله، ألتفت ولم يلتفت الرحمة وجه الله ومِن تخلق بِالرحمة تخلق بِأخلاق الله تبارك
وتعالى سواء كان مُسلم أو كافراً، الكافر حينما يبذل أمواله أو يبذل جهوده، أو يبذل
وقته، أو يبذل طاقته لأجل الرحمة لا لأجل أجره ولا لأجل شهرته لأجل الرحمة
الإنسانية فَهذا العمل الصادر منه صدقة لأنه صدر منه بدافع الرحمة الإنسانية وبدافع
وجه الله كما ذكرنا أن وجه الله هو الرحمة التي إذا أحلت تجسده في بشر كان مُتخلق
بِأخلاق الله.
العنصر الثاني: الإحسان:
حتى الفقهاء فِي رسائلهم العملية يقولون إن الصدقة: هي الإحسان للقربى،
كُلّ إحسان صدقة كثير منا يظن أن الصدقة أن تعطي الأموال إلى الفقراء إذا سمع ما
ورد عن النبي : «"الصدقة تدفع البلاء» يعتقد أن الصدقة أن يقدم أموالاً للفقراء
ولكنّ الصدقة لا تنحصر في تقديم ألاموال للفقراء حتى أذا قضيت حاجة لأخيك الغني
الثري يُعدّ صدقة لا فرق في الصدقة أن تكون لفقير أو غني أو ثري كُلّ إِحسان
للآخرين صدقة سوى كان إلى غني أو فقير ولذلك ورد عن النبي مُحمّدٍ صلى الله عليه
وَآله: «إماطة الأذى عن الطريق صدقة»
الصدقة: كُلّ إِحسان يخدم المُجتمع وَهو مظهر للصدقة ومقربٌ الله تبارك وَ تعالى
وتترتب عليه أثر الصدقة كَدفع البلاء، وَطول العمر، ونمو الرزق، ,الإمام أمير
المؤمنين(ع) كان مثال حي للصدقة والعطاء والبذل ,عليٌ الذي تصدق بِخاتمة وهو راكع
ما قيمة الخاتم أن يتصدق به علي، علي كان يريد أن يعطي درساً تربويا أكبر مِنْ أن
يتصدق بِخاتم، علي كان يريد أن يُعلم الأمة على أن الإنسان يمكن أن يجمع عبادتين في
آن واحد ويجمع بين تقربين في آن واحد، علي جمع بين الصلاة والزكاة بين الصدقة
والقرب مِن الله.
آية التصدّق : قال الله تعالى) : إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ
وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَهُمْ رَاكِعُونَ)1
قصّة التصدّق :
عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام : في قول اللَّه تعالى «
إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا . . » قال إن رهطا من
اليهود أسلموا منهم عبد اللَّه بن سلام وأسد وثعلبة وابن أمين وابن صوريا فأتوا
النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقالوا يا نبي اللَّه إن موسى عليه السّلام أوصى
إلى يوشع بن نون فمن وصيك يا رسول اللَّه ومن ولينا بعدك فنزلت هذه الآية « إِنَّما
وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ » قال رسول اللَّه صلّى الله
عليه وآله وسلّم قوموا فقاموا فأتوا المسجد فإذا سائل خارج فقال يا سائل أما أعطاك
أحد شيئا قال نعم هذا الخاتم قال من أعطاكه قال أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلي قال
قال على أي حال أعطاك قال كان راكعا فكبر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وكبر أهل
المسجد فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم علي بن أبي طالب وليكم بعدي قالوا
رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبعلي بن أبي طالب وليا فأنزل اللَّه
تعالى « وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ
اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ » .فروي عن عمر بن الخطاب أنه قال واللَّه لقد تصدقت
بأربعين خاتما وأنا راكع لينزل في ما نزل في علي بن أبي طالب فما نزل » .
قول الشعراء في التصدّق :
1ـ قال حسّان بن ثابت :
أبَا حَسَنٍ تفديكَ نفسي ومُهجَتي ** وكُلّ بطيءٍ في الهُدَى ومُسارِعِ
أيَذْهبُ مَدحي في المُحِبِّين ضَائعاً ** ومَا المَدحُ في ذاتِ الإلَهِ بِضائِعِ
فأنتَ الذي أعطيتَ إذْ كُنتَ رَاكِعاً ** فَدَتْكَ نفوسُ القَومِ يَا خَيرَ رَاكِعِ
بِخَاتَمِكَ الميمون يَا خَيْرَ سَيّدٍ ** ويَا خير شارٍ ثُمَّ يَا خَير بَائِعِ
فأنزلَ فيك الله خَير وِلايَةٍ ** وبيَّنَها في مُحكَمَات الشَّرائِعِ (4 .(
وقال أيضاً :
وافى الصلاة مع الزكاة فقامها ** والله يرحم عبده الصبّارا
مَنْ ذا بخاتَمه تصدّقَ راكعاً ** وأسرّها في نفسهِ إسرارا
مَن كانَ باتَ على فراشِ محمّد ** ومحمّدٌ أسري يَؤمُّ الغارا
من كان جبريل يقوم يمينه ** يوماً وميكال يقوم يسارا
مَن كان في القرآنِ سُمّيَ مؤمناً ** في تِسعِ آيات جعلن كبارا(5)
3ـ قال السيّد الحميري :
من كان أوّل من تصدّق راكعاً ** يوماً بخاتمه وكان مشيرا
من ذاك قول الله إنّ وليكم ** بعد الرسول ليعلم الجمهورا
وقال أيضاً :
وأنزل فيه رب الناس آيا ** أقرت من مواليه العيونا
بأنّي والنبي لكم ولي ** ومؤتون الزكاة وراكعونا
ومن يتول ربّ الناس يوماً ** فإنّهم لعمري فائزونا (7(
4ـ قال دعبل الخزاعي :
نطق القرآن بفضل آل محمّد ** وولاية لعلي هم لم تجحد
بولاية المختار من خير الورى ** بعد النبي الصادق المتودّد
إذ جاءه المسكين حال صلاته ** فامتد طوعاً بالذراع وباليد
فتناول المسكين منه خاتماً ** هبة الكريم الأجود بن الأجود
فاختصّه الرحمن في تنزيله ** من حاز مثل فخاره فليعدد (8(
1ـ المائدة : 55 .
2ـ المائدة : 56 .
3ـ الأمالي للشيخ الصدوق : 185 .
4ـ مناقب آل أبي طالب 2 / 211 .
5ـ شرح الأخبار 2 / 572 .
6ـ مناقب آل أبي طالب 2 / 211 .
7ـ نفس المصدر السابق.
8ـ ديوان دعبل الخزاعي : 85.