لا ريب في أن «زيارة الأربعين» من آكد المستحبّات وأعظم القُربات، فقد حكم العلماء
باستحبابها وصرّحوا بذلك في غير موضعٍ من مصنّفاتهم، مستندين بذلك إلى النصوص
الواردة عن المعصومين عليهم السلام، وفي مقدّمها رواية صفوان بن مهران الصحيحة عن
الإمام الصادق عليه السلام، وهي المتضمّنة لنصّ زيارة الأربعين.
وكذلك رواية أبي هاشم الجعفريّ، عن الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام في «عَلامات
المُؤْمِنِ الخَمْس»، حيث عدّ صلوات الله عليه «زيارة الأربعين» منها.
وممّن صرّح باستحباب زيارة الإمام الحسين عليه السلام في يوم أربعينه؛ الشيخ المفيد
في )المزار) وفي (مسارّ الشيعة)، والشيخ الطوسيّ في (مصباح المتهجّد) وفي (تهذيب
الأحكام)، حيث أورد نصّ الزيارة المروية عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام،
وأوّلها: «..عن صفوان بن مهران الجمّال قال: قال لي مولاي الصادق صلوات الله عليه
في زيارة الأربعين: تَزورُ عِنْدَ ارْتِفاعِ النَّهارِ وَتَقول:السَّلامُ عَلى
وَلِيِّ اللهِ وَحَبيبِهِ، السَّلامُ عَلى خَليلِ اللهِ وَنَجيبِه، السَّلامُ عَلى
صَفِيِّ اللهِ وَابْنِ صَفِيِّهِ، السَّلامُ عَلى الحُسَيْنِ المَظْلومِ الشَّهيدِ.
وفي آخر الزيارة: «..وَتُصَلّي رَكَعْتَيْنِ وَتَدْعو بِما أَحْبَبْتَ
وَتَنْصَرِفُ».
وكذلك قال باستحباب الزيارة أو روى نصّها؛ الشهيد الأوّل في (المزار)، والسيّد ابن
طاوس في (إقبال الأعمال)، والشيخ الكفعميّ في (البلد الأمين)، والشيخ البهائيّ
العامليّ في (توضيح المقاصد)، وفي غيرها من مؤلّفاتهم رضوان الله عليهم.
وأوّل من زار الإمام الحسين عليه
السلام في يوم أربعينه الأول (20 صفر سنة 61 للهجرة)، هو الصحابيّ الجليل جابر بن
عبد الله الأنصاريّ، الذي حمّله رسول الله صلّى الله عليه وآله «سلاماً» إلى ولده
الباقر عليه السلام. وترجّح طائفة من العلماء أنّ مجيء جابر إلى كربلاء لم يكن
بدافع من الودّ والولاء فحسب، وإنما كان امتثالاً لأمرٍ نبويّ، لا سيّما وأنّه زار
سيّد الشهداء عليه السلام بألفاظٍ خاصّة: «السَّلامُ عَلَيكُمْ يا آلَ اللهِ،
السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا صَفْوَةَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا خِيَرَةَ الله
مِنْ خَلْقِهِ..»، وهي عين «زيارة الغفيلة» التي ذكرها الشهيد الأوّل في (مزاره)
للنصف من رجب.
وأورد السيّد ابن طاوس في (الإقبال) وداعاً يختصّ بهذه الزيارة، يُقرأ عقب ركعتَي
الزيارة، ثمّ قال: «وأمّا زيارة العبّاس بن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام
وزيارة الشهداء مع مولانا الحسين، فتزورهم في هذا اليوم بما قدّمناه من زيارتهم في
يوم عاشوراء، وإنْ شاء بغيرها من زياراتهم المنقولة عن الأصفياء».
وقال الكفعميّ في (البلد الأمين): «ثمّ – أي بعد الفراغ من ركعتَي الزيارة - زُر
عليّ بن الحسين عليه السلام، والشهداء والعبّاس، بما سنذكره في زيارة عرفة إن شاء
الله تعالى، وهكذا تفعل في كلّ زيارة للحسين عليه السلام».
واحتمل الشيخ الملكي التبريزي في (المراقبات) أن يكون يوم الأربعين هو يوم دفن
الرأس الشريف، مؤكّداً أنّه يجب على الموالي «أن يجعل يوم الأربعين يوم حزنه، ويسعى
أن يزور سيّد الشهداء صلوات الله عليه عند قبره ولو مرّة في عمره، لمكان الخبر
الشريف الوارد في علامات المؤمن الخمس...».
وأورد المحدّث الشيخ عبّاس القمّيّ في (مفاتيح الجنان) متن الزيارة المرويّة عن
الصادق عليه السلام، وكذلك نصّ زيارة جابر الأنصاريّ يوم وروده إلى كربلاء ولقائه
بالإمام السّجّاد وآل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله، في طريق عودتهم من الشام
إلى المدينة المنوّرة.
أورد الشيخ المفيد في (المزار) جملةً من الروايات في فضل زيارة سيّد الشهداء عليه
السلام، منها:
* «قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ حَجَّ دَهْرَهُ
ثُمَّ لَمْ يَزُرِ الحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِما السَّلامُ، لَكانَ تارِكاً
حَقّاً مِنْ حُقوقِ اللهِ وَحُقوقِ رَسولِ اللهِ، صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ، لِأَنَّ حَقَّ الحُسَيْنِ، عَلَيْهِ السَّلامُ، فَريضَةٌ مِنَ اللهِ،
عزَّ وجلَّ، واجِبَةٌ عَلى كُلِّ مُسْلِمٍ».
* «وقال عليه السلام لبعض أصحابه من أهل العراق: إِنَّ إِلى جانِبِكُمْ لَقَبْراً
ما أَتاهُ مَكْروبٌ إِلّا نَفَّسَ اللهُ كُرْبَتَهُ وَقَضى حاجَتَهُ»؛ يعني قبر
الحسين بن عليّ عليهما السلام.