الشِّركُ الخفيّ
الشِّركُ الخَفِيّ، وهو المشار إليه بقوله تعالى:
﴿وما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ
بِالله إِلَّا وهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ يوسف:106، وما وردَ من أنّ «الشّرك أخفى من دبيبِ
النملةِ السوداء، على الصخرةِ الصمّاء في الليلةِ الظَّلْماء». ونحو ذلك من النصوص.
ونحن ذاكرون في ما يلي الأقسام الواضحة للشرك الخفيّ، مع الإعراض عن الأقسام
الأخرى:
أوّلاً: الشرك بطاعة الشيطان، كما قال الله عزّ وجلّ:
﴿إِنَّما سُلْطانُه عَلَى
الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَه والَّذِينَ هُمْ بِه مُشْرِكُونَ﴾ النحل:100.
يعني حصل لهم الشرك بسببه أو بسبب طاعته.
وقال جلّ جلاله:
﴿وإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ
لِيُجادِلُوكُمْ وإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ الأنعام:121.
ومعه، فكلّ العصاة والمذنبين على مختلف اتجاهاتهم يندرجون في هذا القسم، لأنَّ
العصيان دائماً ناتجٌ عن إيحاءات ووساوس الشياطين.
ثانياً: الشرك بطاعة الهوى والنفس الأمّارة بالسوء. قال تعالى:
﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ
اتَّخَذَ إِلهَه هَواه وأَضَلَّه الله عَلى عِلْمٍ..﴾ الجاثية:23.
يعني جعَل هواه إلهاً بدل أن يتّخذ اللهَ تعالى إلهاً، وذلك لأنّه أبدل طاعة الله
بطاعة الهوى. فعصى ربَّه وأطاع نفسه.
ثالثاً: الشرك بطاعة الجنّ مع الاعتقاد بوجود الله سبحانه. كما في قوله عزّ وجلّ:
﴿وجَعَلُوا للهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وخَلَقَهُمْ..﴾ الأنعام:100.
رابعاً: الشرك الخفيّ بطاعة رجال الدين المنحرفين، الذين يأمرون الناس بالعصيان،
ويوجّهون الجهلاء في الطريق الخطأ. قال تعالى:
﴿اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ
ورُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ الله..﴾ التوبة:31.
وجاء في الخبر حول الآية عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: «وَاللهِ ما دَعوهم
إلى عبادةِ أنفسِهم. ولَو دَعوهم إلى عبادةِ أنفسهِم ما أجابوهُم. ولكن أَحلَّوا
لهم حراماً وحرَّموا عليهم حلالاً، فعبَدوهم من حيثُ لا يشعرون».
خامساً: اتّخاذ بعض المخلوقات الصالحة أرباباً من دون الله سبحانه وتعالى، كما قال
سبحانه:
-
﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ
أَرْبَابًا..﴾ آل عمران:80.
-
﴿.. وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ..﴾ آل
عمران:64.
وقوله:
﴿مِنْ دُونِ الله﴾، لا يراد به الاعتقاد بالتعطيل والإلحاد في الله عزّ
وجلّ. بل يعتقدون أنّ الخلق والرزق والموت والحياة بيد الملائكة، أو بيد الأنبياء،
أو بيد الأولياء، ويطيعونهم بغضّ النظر عن طاعة الله، فيكون هذا من الشرك الخفيّ.
سادساً: من أشكال الشرك الخفيّ، النظر إلى الأسباب كمؤثّرات فاعلة، مع غضّ النظر عن
القدرة الإلهية والمشيئة؛ من قبيل أن نقول: إنّ الشفاء من الدواء، والزّرْع من
الزارع، والسفن نحن نصنعها ونسيّرها، والأنعام نحن نربّيها. ولا حاجة في هذا
الوجدان الواضح إلى الاستشهاد بآية أو رواية، وهو في واقعه من أشكال الشرك الخفيّ.
سابعاً: الرياء. رُوي عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: «لو أنَّ عبداً عملَ
عملاً يَطلبُ به وجهَ اللهِ والدّارَ الآخِرة، وأَدخلَ فيه رضى أحدٍ من النّاسِ،
كان مُشرِكاً».
وعنه عليه السلام: «سُئلَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وآلِه، عن تفسير قول الله عزّ
وجلّ:
﴿..فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّه فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً ولا
يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّه أَحَد﴾ الكهف:110، فقال: «مَن صلَّى مراءاةً لِلنّاسِ
فهو مُشرِك..». إلى أن قال : «.. ومَن عَملَ عملاً مِمّا أَمَرَ اللهُ بهِ مُراءاةَ
الناسِ فهُو مُشرِكٌ. لا يَقبلُ اللهُ عملَ مُراءٍ».
* الشهيد السيد محمّد صادق الصدر قدّس سرّه ــ