"اللهم إني أسألك خير ما سألك به عبادك الصّالحون، وأعوذ بك مما استعاذ منه عبادك
المخلصون"[1].
الاستعاذة بالله عزّ وجلّ من المفاهيم التّربوية الإسلاميّة، ومعناها الّلجوء إلى
الله عزّ وجلّ في دفع شرٍّ يحذر الإنسان من الوقوع فيه.
والإنسان يَستعيذ بالله من أي شرّ يُحدِق به، حتى لو كان أمراً مادياً متعلّقاً
بشيء من مصالح هذه الدّنيا، أو شرّ إنسان يريد به السّوء، وبما أن أعظم الشّرور
المـُحدقة بهذا الإنسان هو هذا الشّيطان الذي يسعى دائما لإيقاع الإنسان في الغواية
والضلالة؛ فإن الاستعاذة في الأساس هي من شرّ الشّيطان، يقول الإمام الخميني
(قده):"من الآداب المهمّة للقراءة، وخصوصًا القراءة في الصّلاة التي هي السّفر
الروحانيّ إلى الله والمعراج الحقّيقيّ ومرقاة وصول أهل الله، الاستعاذة من
الشّيطان الرّجيم، الذي هو شوكة طريق المعرفة ومانع السّير والسّلوك إلى الله، كما
أخبر الله سبحانه وتعالى عنه في سورة الأعراف المباركة، حيث قال:
﴿فَبِمَا
أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾، فإنّه أقسم أن يسدّ
الطّريق على أبناء آدم ويمنعهم عنه. ففي الصّلاة التي هي الصّراط المستقيم
للإنسانيّة ومعراج الوصول إلى الله، لا يتحقّق الوصول من دون الاستعاذة من هذا
القاطع للطّريق، ولا يحصل الأمان من شرّه من دون الاستعاذة بحصن الألوهيّة الحصين".
فالاستعاذة حِصنٌ يَقي الإنسان من نفوذ الشّيطان، وبهذا نُدرك أنّ الذي استعاذ منه
العباد المخلِصون؛ هو غواية هذا الشّيطان وإضلاله قال تعالى:
﴿قَالَ رَبِّ بِمَا
أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ
أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾[2].
فالمخلِصون تدرّجوا في مراحل جهاد النّفس وتهذيبها، حتى وصلوا مرحلةً أُصيب
الشّيطان فيها باليأس من غوايتهم وإضلالهم.
إنّ أعظم باب لمحاربة الشّيطان هي الاستعاذة بالله، بما يحصّن الإنسان من الوقوع في
أي خطوة من خطوات الشّيطان؛ لأنّ غواية الشّيطان لا تنزل على الإنسان دفعةً واحدة؛
إنما يتدرّج في غوايته للإنسان خطوةً بعد أخرى. يقول أمير المؤمنين (عليه السّلام)
محذّرا من ذلك: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يُسَنِّي لَكُمْ طُرُقَهُ، ويُرِيدُ أَنْ
يَحُلَّ دِينَكُمْ عُقْدَةً عُقْدَةً، ويُعْطِيَكُمْ بِالْجَمَاعَةِ الْفُرْقَةَ،
وبِالْفُرْقَةِ الْفِتْنَةَ، فَاصْدِفُوا عَنْ نَزَغَاتِهِ ونَفَثَاتِهِ،
واقْبَلُوا النَّصِيحَةَ مِمَّنْ أَهْدَاهَا إِلَيْكمْ، واعْقِلُوهَا عَلَى
أَنْفُسِكُمْ"[3].
ولولا هذه الاستعاذة والمواظبة عليها في الحذر من فخّ الشّيطان؛ لتحوّلت النّفس إلى
مأوىً للشّيطان يُقيم فيه. فيما وصف أمير المؤمنين (عليه السّلام) الذين استحوذ
عليهم الشّيطان بقوله: "اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لأَمْرِهِمْ مِلَاكاً،
واتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكاً، فَبَاضَ وفَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ، ودَبَّ ودَرَجَ
فِي حُجُورِهِمْ، فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ، ونَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ، فَرَكِبَ
بِهِمُ الزَّلَلَ، وزَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَلَ، فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَهُ
الشَّيْطَانُ فِي سلْطَانِهِ، ونَطَقَ بِالْبَاطِلِ عَلَى لِسَانِهِ"[4].
نسأل الله أن يُعيذنا من شرّ الشّيطان، وأن يجعلنا مع عباده المخلصين في مأمنٍ من
غوايته.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
[1] السّيد ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج1، ص495.
[2] سورة الحجر، الآيتان 39-40.
[3] نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص178.
[4] المصدر نفسه، ص 53.