عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (عليه السّلام) قَالَ:"شِيعَتُنَا هُمُ الشَّاحِبُونَ
الذَّابِلُونَ النَّاحِلُونَ الَّذِينَ إِذَا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ اسْتَقْبَلُوه
بِحُزْنٍ... شِيعَتُنَا أَهْلُ الْهُدَى وأَهْلُ التُّقَى وأَهْلُ الْخَيْرِ
وأَهْلُ الإِيمَانِ وأَهْلُ الْفَتْحِ والظَّفَرِ"[1].
إنّ القراءة الصّحيحة لسيرة كلّ إمام من أئمة أهل بيت العصمة والطّهارة (عليهم
السّلام)، لا تتمّ إلّا من خلال النّظر إليهم ككُلٍّ واحد، فهم بتعبير القائد
بمثابة إنسان واحد بعمر 250 عامًا، وهم وإن تنوّعت أدوارهم واختلفت، ولكنّ هدفهم
كان واحدًا.
وفي تحليل هذه الأدوار، نستحضر دور الإمام الصّادق (عليه السّلام) فيما يرتبط بهدف
سعى إليه أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام) تدريجيًّا، وهو بناء الجماعة الصّالحة،
والتي تحمل الصّفات الإسلاميّة المطلوبة في الشخصيّة الإيمانيّة، والذين عُرفوا
فيما بعد بشيعة جعفر بن محمّد (عليه السّلام). يقول الشّهيد السيّد محمّد باقر
الصّدر مبيّنًا الجانب المشترك في دور الأئمة (عليهم السّلام):"هو جانب رعاية
الشّيعة بوصفهم الكتلة المؤمنة بالإمام عليه السّلام، والإشراف عليها بوصفها
المجموعة المرتبطة به، والتّخطيط لسلوكها وحمايتها، وتنمية وعيها، وإسعافها بكلّ
الأساليب التي تساعد على صمودها في خضمّ المحن، وارتفاعها إلى مستوى الحاجة
الإصلاحيّة، إلى جيش عقائديّ وطبقة واعية، ... حتى أنّ الإشراف كان يصل أحياناً إلى
درجة تنظيم أساليب الحلّ للخلافات الشخصيّة بين أفراد الكتلة، ورصد الأموال لها،
كما يحدّث بذلك المُعلّى بن خُنيس عن الإمام الصّادق (عليه السّلام)".
والرّوايات الواردة عن الأئمة (عليهم السّلام) لا سيّما الإمام الصّادق (عليه
السّلام) بوصف شيعتهم، متعدّدة:
1ـ منها ما يتعلّق بالارتباط بالله عزّ وجل، فالشّيعة هم الشَّاحِبُونَ
الذَّابِلُونَ النَّاحِلُونَ... أَهْلُ الْهُدَى وأَهْلُ التُّقَى.
2ـ ما يرتبط بصورتهم بين النّاس وفي مجتمعاتهم، فهم كما يقول الإمام الكاظم (عليه
السّلام):"كَثِيراً مَا كُنْتُ أَسْمَعُ أَبِي [الصّادق] يَقُولُ لَيْسَ مِنْ
شِيعَتِنَا مَنْ لَا تَتَحَدَّثُ الْمُخَدَّرَاتُ بِوَرَعِه فِي خُدُورِهِنَّ
ولَيْسَ مِنْ أَوْلِيَائِنَا مَنْ هُوَ فِي قَرْيَةٍ فِيهَا عَشَرَةُ آلَافِ رَجُلٍ
فِيهِمْ مِنْ خَلْقِ اللَّه أَوْرَعُ مِنْه"[2].
3ـ التّكاتف والتّآلف فيما بينهم: عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه
(عليه السّلام) قَالَ:"أَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ شِيعَتِنَا أَتَى رَجُلاً مِنْ
إِخْوَانِه فَاسْتَعَانَ بِه فِي حَاجَتِه فَلَمْ يُعِنْه وهُوَ يَقْدِرُ إِلَّا
ابْتَلَاه اللَّه بِأَنْ يَقْضِيَ حَوَائِجَ غَيْرِه مِنْ أَعْدَائِنَا يُعَذِّبُه
اللَّه عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ"[3].
4ـ تعاملهم مع غيرهم: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (عليه السّلام):"يَا مِهْزَمُ
شِيعَتُنَا مَنْ لَا يَعْدُو صَوْتُه سَمْعَه ولَا شَحْنَاؤُه بَدَنَه ولَا
يَمْتَدِحُ بِنَا مُعْلِناً ولَا يُجَالِسُ لَنَا عَائِباً ولَا يُخَاصِمُ لَنَا
قَالِياً إِنْ لَقِيَ مُؤْمِناً أَكْرَمَه وإِنْ لَقِيَ جَاهِلاً هَجَرَه"[4].
5ـ الالتزام التامّ بتعاليم أهل البيت (عليهم السّلام) والحذر عن مخالفتهم، عن
خَيْثَمَةَ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السّلام):"أَبْلِغْ شِيعَتَنَا
أَنَّه لَنْ يُنَالَ مَا عِنْدَ اللَّه إِلَّا بِعَمَلٍ وأَبْلِغْ شِيعَتَنَا أَنَّ
أَعْظَمَ النَّاسِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَصَفَ عَدْلاً ثُمَّ
يُخَالِفُه إِلَى غَيْرِه"[5].
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (عليه السّلام):"إِيَّاكَ والسَّفِلَةَ فَإِنَّمَا
شِيعَةُ عَلِيٍّ مَنْ عَفَّ بَطْنُه وفَرْجُه واشْتَدَّ جِهَادُه وعَمِلَ
لِخَالِقِه ورَجَا ثَوَابَه وخَافَ عِقَابَه فَإِذَا رَأَيْتَ أُولَئِكَ
فَأُولَئِكَ شِيعَةُ جَعْفَرٍ"[6].
وفي الختام، نتوجه بآيات العزاء للمولى صاحب العصر والزّمان ولوليّ أمر المسلمين
وللمجاهدين جميعًا بذكرى شهادة الإمام جعفر بن محمّد الصّادق (عليه السّلام).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
[1] الحرّ العاملي، وسائل الشّيعة، ج 6، ص191.
[2] الشّيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 79.
[3] نفس المصدر، ج2، ص 366.
[4] نفس المصدر، ج2، ص 238.
[5] نفس المصدر، ج2، ص 300.
[6] نفس المصدر، ج2، ص 233.