قال الإمام الرّضا (عليه السّلام):"لا يكون المؤمن مؤمنا حتّى يكون فيه ثلاث خصال:
سُنّة من ربّه وسُنّة من نبيّه وسُنّة من وليّه، فأمّا السُّنة من ربّه فكتمان
سرّه...، وأمّا السُّنة من نبيّه فمداراة النّاس...، وأما السُّنة من وليّه فالصّبر
على البأساء والضرّاء"[1].
تختلف الظّروف التي عاشها الإمام الرّضا (عليه السّلام) عن ظروف سائر الأئمّة
(عليهم السّلام)، فتبدُّل سياسة السّلطة من التّعامل السّلبي إلى التّعامل الإيجابي
الظّاهري والشّكلي فقط، فرضته ظروف الخلاف الدّاخلي بين الأمين والمأمون، فاتّجه
المأمون لاختيار الإمام الرّضا (عليه السّلام) لولاية العهد، وكان لذلك أسبابه
وترتّبت عليه نتائج، ومن هذه الأسباب أنّ حركة الولاء لأئمّة أهل البيت (عليهم
السّلام) كانت قد انتشرت فلجأ ذلك المأمون لاختيار الإمام الرّضا لولاية العهد،
ويكفي لذلك قراءة مسير الإمام الرّضا (عليه السّلام) من المدينة إلى طوس، وما جرى
من أحداث في الطّريق مما يكشف عن ارتباط النّاس بالإمام (عليه السّلام)، وأيضا
مُلاحظة ما قام به الإمام (عليه السّلام) خلال مدّة إمامته، يقول الإمام الخامنئي
(حفظه المولى):"قاربت مدّة إمامة هذا العظيم العشرين 19 سنة تقريباً، ولكنّنا لو
لاحظنا ما تركته هذه المدّة القصيرة من أثرٍ في واقع العالم الإسلاميّ، من اتّساعٍ
وتعميق للمعنى الحقيقي للإسلام، والارتباطٍ بأهل البيت عليهم السّلام، والتّعريف
بمدرسة هؤلاء العظماء، لخرجنا بقصّة عجيبة، وبحر عميق. كان الأصدقاء والمقرّبون
والمحبّون، في ذلك الوقت الذي وصل فيه الإمام إلى الإمامة، يتساءلون: ماذا يمكن
لعليّ الرّضا (عليه السلام) أن يفعل في مثل هذا الجوّ؟ هذا الجوّ الشديد من القمع
الهارونيّ الذي كانوا يقولون بشأنه:"وسيف هارون يقطر دما"[2] ماذا يريد هذا الشّاب
أن يفعل، في مثل هذه الظروف، للاستمرار في خطّ جهاد أئمّة الشّيعة وفي المسؤوليّة
العظيمة المُلقاة على عاتقه؟ لقد كانت هذه بداية إمامة علي بن موسى الرّضا عليه
السلام. وبعد هذه السّنوات ... عندما تنظرون ترون كيف أنّ ذلك الفكر المتعلّق
بولاية أهل البيت والارتباط بآل النبيّ كان قد انتشر في العالم الإسلاميّ؛ بحيث أنّ
الجهاز الظّالم والدّكتاتوري للعباسيّين أصبح عاجزاً عن مواجهته"[3].
ومن الأساليب التي اعتمدها الإمام الرّضا (عليه السلام) في سبيل تحقيق هدف الارتباط
بأهل البيت (عليهم السّلام)؛ هو الحديث المباشر وغير المباشر، أمّا الحديث المباشر؛
فنجده في حديث سلسلة الذّهب الذي سُمّي بذلك لأنّ روَاته هم الأئمّة الأطهار عن
النّبي (صلّى الله عليه وآله)، قال الإمام الرّضا (عليه السّلام):"سمعت أبي موسى بن
جعفر يقول: سمعت أبي جعفر بن محمّد يقول: سمعت أبي محمّد بن علي يقول: سمعت أبي علي
بن الحسين يقول: سمعت أبي الحسين بن علي يقول: سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب (عليهم السّلام) يقول: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: سمعت
جبرائيل (عليه السّلام) يقول: سمعت الله عز وجل يقول: لا إله إلا الله حِصني، فمن
دخل حِصني أمن عذابي". فلمّا مرّت الراحلة نادانا:"بشروطها، وأنا من شروطها"[4].
وأمّا الحديث غير المباشر؛ فنجده في الرّواية المذكورة أعلاه حيث يتحدّث الإمام
(عليه السّلام) عن سنّة من الله وسنّة من رسوله وسنّة من وليّه، وهذا يعني أنّ الذي
يريد أن تكتمل فيه صفات الخير عليه أن يتمثّل بهذه السُّنن الثّلاث.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص241.
[2] الشيخ الكليني، الكافي، ج 8، ص 257.
[3] كلمة الإمام الخامنئي دام ظلّه في لقاء قادة قوّات حرس الثّورة الإسلاميّ،
بمناسبـة ولادة الإمام الرّضا عليه السّلام، بحضور قادة حرس الثّورة الإسلاميّة، في
طهران، بتاريخ 26/06/1392 هـ.ش. / 10/11/1434 هـ.ق. / 17/09/2013 م.
[4] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص306.