معركة الحق مع الباطل تتمثل دائما بصور مختلفة، يجمع الشيطان فيها ما لديه من قوى
لمواجهة أهل الحق، وعلى أهل الحق أن يجمعوا سلاحهم وعتادهم لمواجهة الشيطان وحزبه،
ويشير الإمام في كلامه إلى السلاح الأهم في هذه المواجهة والمتمثل بامتلاك البصيرة.
ويفسّر الإمام الخامنئي البصيرة فيقول: "البصيرة تعني الدراية والرشد وضياء القلب,
ليس معنى البصيرة العلم والتفطّن ... تعني البصيرة تبصّر القلب، أي فتح عين القلب؛
بمعنى عدم الاكتراث للألاعيب المادية والدنيوية والانتقادات السياسية الهابطة، ...
البصيرة تعني وصل القلب بالله وربطه به. البصيرة أن ترى الله. ما الذي يمكن أن نراه
بعين القلب؟ يمكن أن نرى الله. فهو رغم كونه:
﴿لاَ تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ
يُدْرِكُ الأبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾2؛ ولكن تدركه القلوب بحقائق
الإيمان"، تدركه وتراه بالإيمان. فإذا ما كانت القلوب مقفلةً تكون معدومة البصيرة،
فلا تراه".
ولصاحب البصيرة خصائص تميّزه عن غيره وهي التي تجعله ضامنا للوصول إلى تحقيق
الأهداف:
1ـ صاحب البصيرة يدرك مواضع الأمور فيجعلها في أماكنها ومن هنا يكون أسرع في وصوله
الى ما يريد، وأضمن في أن لا ينحرف عن الأهداف المطلوبة والمرسومة، فهو في مأمن
وعصمة عن الخلل والخطأ، وما يهدم البصيرة أحد أمرين: إما ضعف النفس والعقل فيلتبس
الأمر على الإنسان، أو عامل خارجي بأن يتمكن الشيطان من إن يلبّس على صاحب البصيرة،
فيفقدها، وهذا ما نفاه الإمام عن نفسه فقال: "مَا لَبَّسْتُ عَلَى نَفْسِي ولَا
لُبِّسَ عَلَيَّ"3.
2ـ صاحب البصيرة يدرك مواضع الخطر
فيحترز منها حتى لا يقع في المخاطر، لأن البصيرة
ضياء للعقل ويقين في هذه النفس، فالبصيرة للقلب هي كالبصر للعين، ولذا يخاطب الإمام
معاوية بن أبي سفيان فيقول: "وأَرْدَيْتَ جِيلًا مِنَ النَّاسِ كَثِيراً،
خَدَعْتَهُمْ بِغَيِّكَ وأَلْقَيْتَهُمْ فِي مَوْجِ بَحْرِكَ، تَغْشَاهُمُ
الظُّلُمَاتُ وتَتَلَاطَمُ بِهِمُ الشُّبُهَاتُ، فَجَازُوا عَنْ وِجْهَتِهِمْ
ونَكَصُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ، وتَوَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ وعَوَّلُوا عَلَى
أَحْسَابِهِمْ، إِلَّا مَنْ فَاءَ مِنْ أَهْلِ الْبَصَائِرِ، فَإِنَّهُمْ
فَارَقُوكَ بَعْدَ مَعْرِفَتِكَ، وهَرَبُوا إِلَى اللَّه مِنْ مُوَازَرَتِكَ"4.
3ـ صاحب البصيرة لا يهزم بكثرة الخصوم والجمع والعدد.
4ـ صاحب البصيرة يمتلك قوة في الإرادة وعزما لا يستكين عن العمل، قال تعالى:
﴿قُلْ هذِهِ سَبيلي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَني﴾5.
وللبصيرة طرق يصل الإنسان من خلال سلوكها إلى ما يضمن له الحصول عليها، وهي ترتبط
باستخدام ما أعطاه الله عز وجل من أدوات العلم والمعرفة، فقد ورد عنه (عليه
السلام): "فإنما البصير من سمع فتفكر، ونظر فأبصر، وانتفع بالعبر، ثم سلك جددا واضحا
يتجنب فيه الصرعة في المهاوي"6.
والركن في البصيرة هو العقل الذي يسير في طريق الهدى فقد ورد عنه (عليه السلام): "لَيْسَتِ [الرُّؤْيَةُ] الرَّوِيَّةُ كَالْمُعَايَنَةِ مَعَ الْإِبْصَار، فقد تكذب العيون أهلها، ولا يغش العقل من استنصحه"7.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
1- نهج
البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص54.
2- سورة الأنعام، الآية 103.
3- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص54.
4- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص406.
5- سورة يوسف، الآية 108.
6- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص213.
7- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص525.