وردَ أن رجُلاً طلبَ من
الإمام الجواد (عليه السّلام) أن يوصيه فقال (عليه السّلام): "توسّد الصّبر، واعتنق
الفقر، وارفُض الشّهوات، وخالِف الهوى، واعلم أنّك لن تخلو من عين الله، فانظر كيف
تكون"[1].
من الأحداث المهمّة المـُرتبطة بالإمام الجواد (عليه السّلام) مسألة الحوار العلمي
الذي فتح بابه واسعاً في عصر الإمام الجواد (عليه السّلام)، وفي حياة الإمام الجواد
(عليه السّلام) حصل التّالي:
1ـ إعتمد الخليفة العبّاسي المأمون على سياسة وضع الإمام الرّضا (عليه السّلام) إلى
جانبه، ليطّلع ويُراقب كافّة إتّصالات الإمام بشيعته، وتأكّدت هذه السّياسة مع
الإمام الجواد (عليه السّلام)؛ الذي كان يعيش في المدينة فاستدعاه المأمون إلى
بغداد، واعتمد طريقة الإعزاز والإكرام؛ وذلك لدفع تُهمة قتل الإمام الرّضا (عليه
السّلام) عن نفسه.
2ـ حاول المأمون واستمراراً منه لـِمَا بدأهُ في عهد الإمام الرّضا (عليه السّلام)؛
وضعَ الإمام في مواجهة الأسئلة والتّحديات العلميّة؛ ظنّا منه أنّه بذلك يَسقط من
مكانة أهل البيت، فإنّ مدرسة الإمامة وبعد سنوات مُتمادية من عهد الإمامَين الباقر
والصّادق (عليهما السّلام)؛ احتلّت مكانةً في نفوس النّاس من النّاحية العلميّة،
فقد أصبح جليّاً للنّاس كافّةً أنّ أهل البيت هم خُزّان العلم، وأنّ علمَهُم يمتازُ
عن سائر النّاس، وأنّ أحداً من النّاس لا يُمكنه أن يُضاهيهم في العلوم والمعارف،
فسعى المأمون للاستعانة بمن لديه لأجل إسقاط تلك المكانة من خلال عقد حوارات
علنيّة، فكانت حوارات الإمام الرّضا (عليه السّلام) مع أتباع الأديان، وكذلك كانت
حوارات الإمام الجواد (عليه السّلام) في الفقه والأحكام الشّرعية مع يحي بن أكثم.
لقد استطاع الإمام الجواد (عليه السّلام) أن يغتنم هذه الفرصة التي فتحها المأمون؛
فكان باباً ليعرض الأُسس العلميّة لمدرسة أهل البيت (عليه السّلام) أمام المـَلأ
العام، وفتح باب النّقاش الحُرّ في زمن الاستبداد؛ يقول الإمام الخامنئي (دام ظلّه)
في ذلك:"كان هذا الإمام العظيم أول من أسّس وبشكل علنيّ موضوع النّقاش الحرّ, لقد
ناقَشَ في مجالس المأمون العباسيّ؛ العلماء والدّعاة والمُتحاذقين حول أدقّ
المواضيع بدليل قاطع يثبت فيه أحقيّة كلامه. النّقاش الحرّ هو تراثنا الإسلاميّ.
لقد كان النّقاش الحرّ شائعاً في عصر أئمّة الهُدى وفي عصر الإمام الجواد (عليه
السّلام)؛ حيث قام به هذا الإمام العظيم بهذه الطريقة الحَسنة".
ويتجلّى ذلك في أدب الإمام (عليه السّلام)؛ في مُحاورة النّاس والجواب عن الأسئلة؛
حتى ما كان منها حسّاسا كالأسئلة التي ترتبط بالقضايا السّياسية.
وكحال السّلطات المستبدّة؛ أن لا يروق لها ما يجري مع أنّها كانت مساهمة في صنعه،
ولذلك ورد أن الخليفة العبّاسي كان يجمع العلماء، ليُحاججوه، زعماً منه: أن يجد له
زلّة، يؤاخذه فيها، أو يسقط مقامه بها، وزوّر عليه مرّة كُتباً تتضمّن الدّعوة
لبيعته، فلا يكون مغبّة ذلك، إلّا إعلاء شأن أبي جعفر، وإظهار الكرامة والفضيلة ...
.
وكانت شهادة الإمام (عليه السّلام) في آخر ذي القعدة من عام 220 للهجرة، وله من
العمر خمسٌ وعشرونَ سنة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
[1] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 75، ص358.