قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
"فَاتَّقُوا اللَّه عِبَادَ اللَّه وبَادِرُوا آجَالَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ،
وابْتَاعُوا مَا يَبْقَى لَكُمْ بِمَا يَزُولُ عَنْكُمْ، وتَرَحَّلُوا فَقَدْ جُدَّ
بِكُمْ، واسْتَعِدُّوا لِلْمَوْتِ فَقَدْ أَظَلَّكُمْ، وكُونُوا قَوْماً صِيحَ
بِهِمْ فَانْتَبَهُو، وعَلِمُوا أَنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ لَهُمْ بِدَارٍ
فَاسْتَبْدَلُو، فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانَه لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً ولَمْ
يَتْرُكْكُمْ سُدًى، ومَا بَيْنَ أَحَدِكُمْ وبَيْنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ،
إِلَّا الْمَوْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِه".
الوصية المستمرة للإنسان والتي تتكرر على لسان الأولياء والصالحين هي الالتزام بباب
الآخرة الذي يورث الإنسان الجنة ألا وهي تقوى الله، وتفصيلا لموجبات التقوى يبين
الإمام (عليه السلام) نذكر في هذه الكلمات بعضا منها:
1- المبادرة والمسارعة إلى العمل الصالح قبل حلول الأجل،
وبهذا يصور الإمام (عليه السلام) حياة الإنسان كسباق والمتسابقان فيه هما الأجل
والعمل، فإذا سبق الأجل العمل كان الإنسان من الخاسرين، وإذا كان العكس بأن كان
العمل هو المتقدم في السباق كان من الفائزين، قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
"فَسَابِقُوا رَحِمَكُمُ اللَّه إِلَى مَنَازِلِكُمُ،
الَّتِي أُمِرْتُمْ أَنْ تَعْمُرُوهَ، والَّتِي رَغِبْتُمْ فِيهَا ودُعِيتُمْ
إِلَيْهَا ... فَإِنَّ غَداً مِنَ الْيَوْمِ قَرِيبٌ، مَا أَسْرَعَ السَّاعَاتِ فِي
الْيَوْمِ، وأَسْرَعَ الأَيَّامَ فِي الشَّهْرِ، وأَسْرَعَ الشُّهُورَ فِي
السَّنَةِ، وأَسْرَعَ السِّنِينَ فِي الْعُمُرِ".
2- شراء الباقي بالفاني، ففي الحياة الدنيا
تجارة مربحة إذا أحسن الإنسان الاختيار، فالدنيا فانية زائلة على الإنسان أن يجعلها
ثمنا يشتري به الآخرة الباقية الدائمة.
3- الاستعداد للرحيل، وعلى الإنسان أن يسرع في
هذا الاستعداد لأن النداء بالاستعجال للاستعداد للسفر قد أطلق فعليكم توفير زادكم
قبل أوان رحيلكم، فعن أمير المؤمنين: "وأَنَّكَ طَرِيدُ
الْمَوْتِ الَّذِي لَا يَنْجُو مِنْه هَارِبُه، ولَا يَفُوتُه طَالِبُه ولَا بُدَّ
أَنَّه مُدْرِكُه فَكُنْ مِنْه عَلَى حَذَرِ أَنْ يُدْرِكَكَ وأَنْتَ عَلَى حَالٍ
سَيِّئَةٍ، قَدْ كُنْتَ تُحَدِّثُ نَفْسَكَ مِنْهَا بِالتَّوْبَةِ، فَيَحُولَ
بَيْنَكَ وبَيْنَ ذَلِكَ، فَإِذَا أَنْتَ قَدْ أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ".
4- الاستعداد للموت من خلال التزود بالعمل الصالح، لأن الموت يشرف على
الناس فهو فوق رؤوسهم يظللهم كالغمامة في السماء لا يدرى في أي ساعة تنزل مطرها،
كذلك الموت لا يعلم في أي ساعة يحل بهذا الإنسان، قال تعالى:
﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ
مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ
لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ
الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللهُ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.
5- اليقظة والانتباه والالتفات بالحذر من الوقوع في أسباب
الهلكة من المعاصي والآثام، فالله عز وجل نبّه هذا الإنسان إلى الحذر من
الغفلة من خلال أنبيائه ورسله، بل ومن خلال ما يحيط به من الموت الذي يحل بالناس
أمامه، فالموت رسول من الله إلى الناس.
6- استبدال الدنيا بالآخرة، فصاحب التقوى
يتنازل عن هذه الدنيا ويجعل بدلا عن ذلك الآخرة، وهذا إنما يصدر منه بسبب معرفته
بحقيقة هذه الدنيا وأنها زائلة غير باقية.
إن ما يفصل الإنسان عن الآخرة هي لحظة واحدة تحل به، وهذه اللحظة هي الموت الذي لا
يدرى متى ينزل بهذا الإنسان ويحل به فينتقل من دار الفناء إلى دار البقاء.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين