عن أمير المؤمنين (عليه السّلام):"واعلموا أنّكم إن اتّبعتم الدّاعي لكم، سلك بكم
منهاج الرّسول، وكفيتم مؤونة الاعتساف، ونبذتم الثّقل الفادح عن الأعناق"[1].
لم يفرض الله عزّ وجلّ على عباده طاعته إلّا لما فيه من مصلحةٍ تعود عليهم، فهو
غنيّ عن طاعة من أطاعَه ومعصيةِ من عصاه، وكذلك من فرض طاعته من أنبيائه ورسله
وأوليائه أئمّة الهدى من أهل البيت (عليهم السّلام).
لقدَ اختارَ الله عزّ وجلّ لأمّته إماماً، وأمرَ رسوله بأن يُعلم النّاس بذلك ويأخذ
منهم الطّاعة، ليكون هو المتَّبع بعدَه.
والاتّباع المطلوب هو أن يتمّ التّعامل مع أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام)، كما
يتمّ التّعامل مع القرآن ولذا يخاطِب أمير المؤمنين (عليه السّلام) النّاس مبيّناً
لهم الواجب اتّجاههم يقول: "فأين تذهبون، وأنّى تؤفكون والأعلام قائمة، والآيات
واضحة، والمنار منصوبة، فأين يتاه بكم، وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيّكم وهم أزمّة
الحقّ وأعلام الدّين وألسنة الصّدق, فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن، ورِدُوهم ورود
الهيم العطاش"[2].
والاتِّباع لا يتحقّق إن كان منقوصاً غيرَ تامّ لأنّ ذلك يرجع بالانتقاء كمن يأخذ
ببعض الكتاب ويترك بعضه، قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): "انظروا أهل بيت
نبيّكم، فالزموا سمتهم، واتّبعوا أثرهم، فلن يخرجوكم من هدى، ولن يعيدوكم في ردى,
فإن لبدوا فالبدوا، وإن نهضوا فانهضوا, ولا تسبقوهم فتضلَّوا، ولا تتأخّروا عنهم
فتهلكوا"[3].
وتتجلّى عظمة هذا الاتّباع لأهل البيت (عليهم السّلام) بفوائدَ ومنافعَ لهذه
الأمّة، وأهمّها ضمانة الاستمرار في اتّباع نهج رسول الله (صلّى الله عليه وآله)،
لأن الأئمّة من أهل البيت (عليهم السّلام) هم طريق هذا النّهج ومن يقوم بالدّلالة
عليه، وبذلك يخرجُ النّاس من الخطأ واتّباع الباطل والانحراف عن رسالة الإسلام
المحمديّ.
وكذلك الحال في مواجهة الباطل وبيان زيفه وفساده، ولذا ورد عن الإمام (عليه
السّلام):"إنّ أفضل عباد اللَّه عند اللَّه إمام عادل، هَديٌ وهدى, فأقام سنّة
معلومة، وأمات بدعة مجهولة, وإنّ السّنن لنيّرة لها أعلام، وإنّ البدع لظاهرة لها
أعلام"[4].
والحياة الحقيقية إنّما تتحقّق في ظلّ العلم والخروج من أبواب الجهل وطريق الوصول
إليها هو الإتّباع لأهل البيت (عليهم السّلام) يقول أمير المؤمنين واصفاً آل محمّد
(صلّى الله عليه وآله):"هم عيش العلم وموت الجهل, يخبركُم حلمهم عن علمِهم، وظاهرهم
عن باطنهم، وصمتُهم عن حكم مَنطقهم, لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه, وهم دعائم
الإسلام وولائج الاعتصام, بهم عاد الحقّ إلى نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع
لسانه عن منبته, عقلوا الدّين عقل وعاية ورعاية، لا عقل سماع ورواية, فإنّ رواة
العلم كثير، ورعاتُه قليل"[5].
وعيد الولاية في يوم الغدير هو عيد إظهار الطّاعة والالتزام والاعتراف بالفضل
والمكانة، والسّبق لأهل البيت (عليهم السّلام) كما وصفهم الإمام (عليه السّلام)
فقال:"لا يُقاس بآل محمّد (صلَّى اللَّه عليه وآله) من هذه الأمّة أحد، ولا يسوّى
بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا: هم أساس الدّين، وعماد اليقين, إليهم يفيء الغالي،
وبهم يلحق التّالي, ولهم خصائص حقّ الولاية، وفيهم الوصيّة والوراثة"[6].
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
[1] نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص 241.
[2] المصدر نفسه، ص 120.
[3] المصدر نفسه، ص 143.
[4] المصدر نفسه، ص 234.
[5] المصدر نفسه، ص 357.
[6] المصدر نفسه، ص 47.