قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): "...وإيّاك والإعجاب بنفسك، والثّقة بما يعجبك
منها، وحبّ الإطراء، فإنّ ذلك من أوثق فرص الشّيطان في نفسه، ليمحق ما يكون من
إحسان المحسنين"[1].
يبدأ الإنسان بفعل الخيرات بدافع الإخلاص لله عزّ وجلّ، فيبذل في سبيل ذلك كلّ ما
أعطاه الله من جهد وقوّة، وحيث يجتمع العزم وصدق النيّة والإخلاص ويكون الإنسان
بعيدًا عن نفثات الشّياطين يكتب الله له التّوفيق والنّجاح.
ولكنّ الشّيطان لا يدعه فيأتيه بعد ذلك ويبدأ بتعظيم نفسه لنفسه، حتّى يُوقعَه في
العُجُب بها، فيرى أنّه صاحب القدم السّابقة، وأنّه فعل ما عجز عنه غيره فهو أفضل
من سائر النّاس وهكذا تبدأ خطوات الشّيطان في السّيطرة على الإنسان، بل يصف الإمام
(عليه السّلام) ذلك بأنّها من أكثر الفرص الّتي يعتمد الشّيطان فيها في الإيقاع
بالإنسان في مصيدته.
والعُجُب من الأمراض الأخلاقيّة المزمنة وقد ورد في الرّواية عن الإمام الصّادق (
عليه السّلام ): "من أعجب بنفسه هلك، ومن أعجب برأيه هلك، وإنّ عيسى بن مريم (عليه
السّلام) قال: داويت المرضى فشفيتهم بإذن الله، وأبرأت الأكمه والأبرص بإذن الله،
وعالجت الموتى فأحييتهم بإذن الله، وعالجت الأحمق فلم أقدر على إصلاحه! فقيل: يا
روح الله! وما الأحمق؟ قال: المعجب برأيه ونفسه، الّذي يرى الفضل كلّه له لا عليه،
ويوجب الحقّ كلّه لنفسه ولا يوجب عليها حقًا، فذاك الأحمق الّذي لا حيلة في
مداواته"[2].
ومن النّتائج السّلبية المباشرة لذلك هو أنّ عمل هذا الإنسان يبطل تمامًا بل يمحق
كما قال الإمام (عليه السّلام) أي لا يعود له من أثر.
ومن أكثر النّتائج السّلبيّة المترتّبة على العُجُب ما يرجع إلى المبتلى بالعجب
بنفسه، فإنّ العُجُب يجعله يقف عند حدّه فيمنعه من التّقدّم والعطاء الأفضل قال
أمير المؤمنين (عليه السّلام): "الإعجاب يمنع الازدياد"[3].
والعُجُب يبدأ عادة بإعجاب الإنسان بعمل قام به، وهو إنّما قام به ببركة العقل
الّذي وهبه الله إياه فيأتي العُجُب ليُفقدَه أداة العقل هذه ولذا يقول الإمام
(عليه السّلام): "واعلم أنّ الإعجاب ضدّ الصّواب وآفة الألباب"[4].
وهذا العُجُب يؤدّي إلى ظلم النّاس فلا يرى قيمة أو وزنًا لِما يؤدّيه غيره بل ينظر
إليه دائمًا على أنّه دون المستوى، ويحذّر أمير المؤمنين (عليه السّلام) من ذلك
فيقول: "ولا تكن ممّن ... يستكثر من طاعته ما يحقّره من طاعة غيره"[5].
وبما أنّ لهذا المرض الأخلاقي درجات فإنّه يسشتري في هذه النّفس، فبعد أن كان يرى
أنّ عمله هو الأفضل يرى أنّ نفسه هي أفضل من الآخرين، بل لا يرى أحيانًا أنّ أحدًا
من النّاس يُضاهيه في الفضل وبهذا يبتعد عن النّاس جميعًا لِما يراه من رفعة له
عليهم، ولذا قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): "ولا وحدة أوحش من العُجُب"[6].
ولذا ورد الحثّ على علاج ذلك من خلال التّواضع، فكلّ إنجاز يجب أن يعقبه تواضع،
لأنّه مهما رأى لنفسه من فضل فإنّ عليه أن يذكر دائمًا أنّ ذلك كلّه من عند الله
عزّ وجلّ الّذي أعطاه ذلك، وأنّ بيده سلبه عنه فلا يقوى على عمل ويصبح عاجزًا
مقهورًا، يقول (عليه السّلام): "وإذا أنت هُديت لقصدك، فكُن أخشعَ ما تكون
لربّك"[7].
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
[1] نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص 443-444.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج69، ص320.
[3] نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص718.
[4] المصدر نفسه، ص397.
[5] المصدر نفسه، ص498.
[6] المصدر نفسه، ص488.
[7] المصدر نفسه، ص398.