عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) في وصيّة له لأحد ولاته يقول: "ولَا تُسْخِطِ
اللَّه بِرِضَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِه، فَإِنَّ فِي اللَّه خَلَفاً مِنْ غَيْرِه،
ولَيْسَ مِنَ اللَّه خَلَفٌ فِي غَيْرِه"[1].
من أهمّ ما يحدّد سلوك الإنسان ويرسم مسارات خياراته - لا سيّما عندما تضيق وتصبح
مصيريّة وحاسمة - هو الأفق الّذي استدلّ عليه بعقله وعزَم عليه في نفسه، ويُشير
الإمام في هذه الكلمات إلى أنّ الغاية الّتي يجب أن تحكُم الإنسان لا سيّما إذا كان
مسؤولاً – حيث تتعدّى قراراته المستوى الفردي إلى مستوى الجماعة - هي رضا الله عز
وجلّ، فإذا فَرضت الظّروف أحيانًا أن يكون في تحصيل رضا الله سخطًا وغضبًا عند أحدٍ
من خلق الله، فعليه أن لا يتردّد في تقديم رضا الله على كلّ شيء.
ويشير الإمام بوضوح إلى أنّ السّعي لا بدّ وأن يكون لتحصيل رضا الله لأنّ فيه
عِوضًا عظيمًا مهما سخط المخلوق، وأمّا سخُط الله لتحصيل رضا المخلوق فلا يُمكن أن
يعوّضه شيء.
وما يؤثّر في ذلك؛ هو أن يكون الإنسان حسُن الظنّ بالله؛ أي يعلم أن الله لا يتركه،
وحُسن الظّن هذا يقترن مع الخوف من الله الموجب للابتعاد عن سخطِه وإن استلزم سخط
المخلوق، فالإنسان يعيش بين الخوف والرّجاء، قال (عليه السّلام): "وإِنِ
اسْتَطَعْتُمْ أَنْ يَشْتَدَّ خَوْفُكُمْ مِنَ اللَّه، وأَنْ يَحْسُنَ ظَنُّكُمْ
بِه فَاجْمَعُوا بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِنَّمَا يَكُونُ حُسْنُ ظَنِّه
بِرَبِّه، عَلَى قَدْرِ خَوْفِه مِنْ رَبِّه، وإِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ ظَنّاً
بِاللَّه أَشَدُّهُمْ خَوْفاً لِلَّه"[2].
وقد ورد في الأحاديث الشّريفة بيان انتصار الله عز وجل لأيّ عبدٍ من عباده قدّم
طاعته على طاعة المخلوقين، وهذا ينبغي أن يبعث في الإنسان الثّقة والإقدام بلا
تردّد مهما كانت عواقب ذلك، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): "من طلب مرضاة
النّاس بما يُسخط الله كان حامده من النّاس ذامّاً، ومن آثر طاعة الله بغضب النّاس
كفاه الله عداوة كلّ عدوّ، وحسد كلّ حاسدٍ، وبغي كل باغٍ، وكان الله عزّ وجلّ له
ناصرًا وظهيرًا"[3].
وفي المقابل؛ من أهم العواقب السيّئة المترتّبة على تقديم رضا المخلوق أن يتخلّى
الله عزّ وجلّ عنه ويجعل أمره بيد المخلوق؛ الّذي كان سعيُه لرضاه مع سخط خالقه،
فقد ورد عن الإمام الحسين (عليه السّلام): "من طلب رضا الله بسخط الناس كفاه الله
أمور النّاس، ومن طلب رضا النّاس بسخط الله، وكلَه الله إلى النّاس"[4].
بل حتّى التقرّب إلى بعض المخلوقين لا بدّ من النّظر في أن لا يكون سببًا للتّباعد
عن الخالق، ففي رواية الإمام الصّادق عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): "لَا
تُسْخِطُوا اللَّه بِرِضَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِه ولَا تَقَرَّبُوا إِلَى أَحَدٍ مِنَ
الْخَلْقِ تَتَبَاعَدُوا مِنَ اللَّه, فَإِنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ لَيْسَ بَيْنَه
وبَيْنَ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ شَيْءٌ يُعْطِيه بِه خَيْراً ولَا يَدْفَعُ بِه
عَنْه شَرّاً إِلَّا بِطَاعَتِه واتِّبَاعِ مَرْضَاتِه"[5].
جعلنا الله من المـحظيّين بمرضاته والموفّقين للعمل بما أمَر به.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
[1] نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص384.
[2] المصدر نفسه.
[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 372-373.
[4] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص268.
[5] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص82.