عن أمير المؤمنين (عليه السّلام): "إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى جَعَلَ
الذِّكْرَ جِلاءً لِلْقُلُوبِ، تَسْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْوَقْرَةِ، وتُبْصِرُ بِهِ
بَعْدَ الْعَشْوَةِ، وتَنْقَادُ بِهِ بَعْدَ الْمُعَانَدَةِ"[1].
فتح الله عزّ وجلّ لعبادِهِ أبوابَ جِنانِهِ، ورغّبهم في العمل للوصول إليها
والإقامةِ فيها، وجعلَ لذلكَ مفاتيح سلّمها لهم، ولكن عليهم الأخذَ بها والعملَ بما
يوجبُ ذلك في فرصةِ العمرِ في هذهِ الحياةِ الدّنيا.
والارتباطُ باللهِ عزّ وجلّ والتّعلّق به والعمل على تحصيلِ رضاه هو من أعظمِ
مفاتيحِ الجنانِ، ولأنّ للقلبِ المكانة الأُولى في السّيرِ بهذا الإنسانِ نحو ذلكَ
جعلَ اللهُ: (الذِّكْرَ جِلاءً لِلْقُلُوبِ)، لأنّ القلبَ تَعرُضُ له حالات بيَّنها
الإمامُ وبيّن ثمرةَ ذِكْرِ اللهِ في مُعَالجَتِهَا:
1ـ عندما تُصَمُّ الآذانُ فلا تعودُ تسمعُ للموعظةِ والإرشادِ، فإنّ أداةَ معالجةِ
الصّمَمِ هذا هو في ذكرِ اللهِ عزّ وجلّ: (تَسْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْوَقْرَةِ)
2ـ إذا عَمِيَ بَصَرُ هذا الإنسان فلمْ يَعُدْ يُبصِرُ طريقَ الهُدَىْ، فإنّهُ
بِذِكرِ اللهِ يَرفعُ اللهُ عزّ وجلّ عنهُ هذا العَمَىْ ويُعِيْدُهُ إلى الصّوابِ،
ليسلُكَ أبوابَ الجنانِ: (وتُبْصِرُ بِهِ بَعْدَ الْعَشْوَةِ).
3ـ وقد لا يُعاني الإنسانُ من صَمَمٍ ولا من عَمَىً بل تجدهُ يسمعُ ويُبصرُ، ولكنّه
يُبتلَى بالقلبِ الْمُقفلِ الذي يُعاندُ ويُكابرُ ولا يُريدُ الخضوعَ لِمَا أمرَ
اللهُ بهِ، والحُجّة عليهِ أعظم لأنّهُ على علمٍ واطلاعٍ ومعرفةٍ، فإنّ الشّفَاءَ
من ذلكَ هو بذكرِ اللهِ عزّ وجلّ: (وتَنْقَادُ بِهِ بَعْدَ الْمُعَانَدَةِ).
وفي تَتِمّةِ هذا الحديثِ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السّلام) يخبُرنَا عن قومٍ
اتّخذوا مفاتيحَ ذكرِ اللهِ عزّ وجلّ أبوابًا إلى جِنَانِهِ يقولُ (عليه السّلام):
"ومَا بَرِحَ لِلَّهِ - عَزَّتْ آلَاؤُهُ - فِي الْبُرْهَةِ بَعْدَ الْبُرْهَةِ،
وفِي أَزْمَانِ الْفَتَرَاتِ ، عِبَادٌ نَاجَاهُمْ فِي فِكْرِهِمْ، وكَلَّمَهُمْ
فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ، فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورِ يَقَظَةٍ فِي الأَبْصَارِ
والأَسْمَاعِ والأَفْئِدَةِ"[2].
وهؤلاء بعدَ أن أصبَحُوا من عبادِ اللهِ الذينَ يسمعونَ ويُبصرونَ وينقادونَ
انتقلوا إلى واجِبِهم في تذكيرِ النّاس بالآخرة،ِ وحثِّهم على العملِ لها، فكانوا
أبوابًا لمرضاةِ اللهِ عزّ وجلّ ولذَا يَصِفُهُمْ أميرُ المؤمنينَ في تَتِمَّة
كلامهِ: "يُذَكِّرُونَ بِأَيَّامِ اللَّهِ، ويُخَوِّفُونَ مَقَامَهُ، بِمَنْزِلَةِ
الأَدِلَّةِ فِي الْفَلَوَاتِ. مَنْ أَخَذَ الْقَصْدَ حَمِدُوا إِلَيْهِ طَرِيقَهُ،
وبَشَّرُوهُ بِالنَّجَاةِ، ومَنْ أَخَذَ يَمِينًا وشِمَالًا ذَمُّوا إِلَيْهِ
الطَّرِيقَ، وحَذَّرُوهُ مِنَ الْهَلَكَةِ، وكَانُوا كَذَلِكَ مَصَابِيحَ تِلْكَ
الظُّلُمَاتِ، وأَدِلَّةَ تِلْكَ الشُّبُهَاتِ"[3].
ومن التّعاليمِ المهمّةِ التي وَرَدَ الحثُّ عليها لما لهَا من أثرٍ في هدايةِ
الإنسانِ إلى اللهِ عزّ وجلّ تسبيحُ السيّدةِ الزّهراءِ (عليها السّلام)، فعنِ
الإمامِ الصّادقِ (عليه السّلام) قال: "تسبيحُ فاطمةَ الزهراءِ عليهَا السّلام مِنَ
الذِّكرِ الكثيرِ الّذِي قالَ اللهُ عزّ وجلّ: واذكُرُوْا اللهَ ذِكْرًا كَثيرًا"[4].
ووردَ الحثُّ على تعليمِهِ للنّاسِ فَفِي روايةِ عن الإمامِ الصّادِقِ (عليه
السّلام) قال لأَبِي هارونَ المكْفُوف: "يا أبا هارون، إنَّا نَأمُرُ صِبْيَانَنَا
بتسبيحِ الزّهراءِ عليها السّلام كما نَأمُرُهُمْ بالصلاةِ فَالْزَمْهُ فإنّهُ لَم
يلزَمْهُ عبدٌ فَيَشقَى"[5].
وهوَ كرامةٌ جعلهَا اللهُ عزّ وجلّ لسيّدَّةِ نساءِ العالمينَ، وخَصَّهَا بهِ، مع
مكانَتِهَا العظيمَةِ عندَ اللهِ عزّ وجلّ والّذِي نَسأَلهُ أن يكتُبَ لنَا
شفَاعَتَهَا وأن يجعلَنَا مِن خِيَارِ أتباعِهَا وأتباعِ أولادِهَا أَئِمَّةِ
الهُدَى عليهمُ أفضلُ الصّلواتِ والتّسليمِ.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
[1] نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصّالح، ص342.
[2] المصدر نفسه.
[3] المصدر نفسه.
[4] الشّيخ الكليني، الكافي، ج2، ص500.
[5] الشّيخ الصّدوق، ثواب الأعمال، ص163.